حينما خرج ثوار الربيع العربي في 2011 ببعض الدول العربية، غطَّت تظاهراتهم أحلام وردية إلا أنَّه بعد أشهر وسنوات تحول واقعهم إلى سيول عنف ودماء، وبعد حكايات عن مستقبل حر يملؤه الأمل، انتهت بواقع مأساوي، فالربيع بات خريفًا، وساد خطر التطرف والإرهاب.
مشاهد في سوريا واليمن وليبيا وأيضًا العراق، عصفت بأمن دولٍ، وهدّدت بقاء بعضها، فقاد ذلك القمة العربية في مارس 2015 التي استضافتها مدينة "السلام" شرم الشيخ إلى الاتفاق على إنشاء قوة عربية مشتركة بناء على مقترح الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أنه وُلد ميتًا. بحسب مراقبين. فبعد 24 شهرًا من الاتفاق الذي ورد في البيان الختامي لقمة شرم الشيخ، باتت التهديدات أكبر، ومقترح القوة المشتركة لم يرَ النور بعد، ما دفع البعض للتساؤل.. أين ذهبت القوة العربية المشتركة؟
التساؤلات عادت إلى الأذهان تزامنًا مع القمة العربية في دورتها الـ ـ28، والتي انطلقت اليوم في الأردن، لا سيَّما أنَّ فكرة "القوة المشتركة" لم يتم الإعلان عن كونها مدرجةً على جدول مناقشات القمة، أسوةً بما حدث في قمة موريتانيا الماضية، التي لم تضف شيئًا للمقترح.
تخوفات خليجية
الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم أرجع عدم تنفيذ المقترح لما أسماها "تخوفات دول الخليج من أمر السيادة"، لافتًا إلى أنَّ هناك خلافات بين الدول العربية حول التهديدات التي تواجهها.
مظلوم قال لـ "مصر العربية" إنَّ التعاون العربي لم يصل إلى الدرجة التي تمكِّنه من تشكيل قوة عسكرية مشتركة، مضيفا:"هناك تحديات كبيرة نتعرض لها، وآن الآوان أن نبادر نحن بحل أزماتنا ولا أن يكون الحل قادمًا من الخارج". واستشهد مظلوم بتعاون عربي عسكري جرى مسبقًا وحقَّق نتائج وصفها بـ"المثمرة"، ومن ذلك حرب أكتوبر 1973 وحرب الخليج الثانية وعملية التحالف العربي في اليمن، فضلًا عن تشكيل قوة بحرية لمواجهة خطر القرصنة الذي تعرضت له الصومال قبل نحو 15 عامًا.
مظلوم دعا إلى إتباع الدول العربية آليات مناسبة للتنسيق فيما بينها للتعاون بشأن إنجاز القوة المشتركة، لا سيَّما ما يتعلق بتخوفات بعض دول الخليج "لم يسمها" من مناطق تمركز هذه القوات.
والسبب في عدم إنجاز القوة المشتركة إلى الآن - كما يرى مظلوم - هو غياب الإرادة السياسية، وقال: "التمويل موجود والأراضي موجودة والقوات جاهزة وكل ما يتطلبه هذا العمل متوف، فقط نحتاج إرادة من الإدارات السياسية".
"الخبير" شدَّد على أنَّ القوة العربية المشتركة بإمكانها لعب دور الحسم في الدول التي تشهد نزاعات لا سيما سوريا والعراق وليبيا، غير أنَّه أبدى تخوفًا من أن ترفض هذه الدول دخول القوات.
أمن العرب من الغرب
الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم فسَّر عدم تنفيذ المقترح بأنَّ بعض الدول، "لم يسمها"، ترفض هذه الفكرة لكنَّها لا تريد الظهور كرافضة لها، مشيرًا إلى أنَّ هذه الدول طلبت تأجيل اجتماعات كانت تناقش الفكرة دون أسباب "مفهومة".
وأضاف أنَّ هناك دولًا خليجية ترى أنَّ حماية أمنها غير مرتبط بالتعاون مع الدول العربية لكن مع دول الغرب، لافتًا إلى أنَّها تسمح لهم بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.
مسلم اعتبر أنَّ هذه الدول لم تحترم الاتفاق الذي أبرم في قمة شرم الشيخ على تشكيل القوة، معربًا عن تطلعه بأن تناقش قمة الأردن "غدًا" هذا الاتفاق.
هذه القوة المشتركة - كما يرى مسلم - تمثل أهمية كبرى للدول العربية، مشدِّدًا على ضرورة اعتماد دول الوطن العربي على نفسها دون الحاجة إلى دعم غربي.
آلية الدعم الغربي أوضحها "الخبير العسكري"، حيث قال إنَّ الدول الغربية غير مستعدة لدعم الدول العربية عبر إرسال الجنود ولكن من خلال إرسال مقاتلات، لافتًا إلى أنَّ هذه الدول تستخدم قواعدها العسكرية في البلدان العربية وفقًا لمصالحها.
مسلم شدَّد على أنَّ القوة المشتركة لا تثني العرب عن الدعم الذي تتلقاه من دول الغرب، مؤكِّدًا ضرورة وجود قاعدة قوية عربية.
لا توجد قوة من الأساس
الخبير العسكري اللواء نبيل أبو النجا رفض فكرة تشكيل القوة من الأساس في الوضع الراهن، فقال لـ"مصر العربية": "العرب ليس لديهم قوة ليشكلوا قوة مشتركة من الأساس".
أبو النجا رأى أنَّ الجيش المصري هو القوة النظامية الوحيدة في المنطقة العربية، لافتًا إلى أنَّ القوة المشتركة كان قوامها سيعتمد بشكل كامل على قوات مصرية بينما يكون الدعم من دول الخليج عبر السلاح، حسب قوله.
وأضاف: "هناك صراعات في المنطقة العربية، وبعض الأنظمة تحاول الزعامة في المنطقة العربية وفقًا لمصالحها، والقادة العرب هم سبب ما نمر به الآن من قتل وتدمير وخراب".
ولنجاح فكرة القوة العربية المشتركة، اشترط أبو النجا "تغيير القادة العرب"، وأن يتولى الأمر شباب وصفهم بـ"الأقوياء"، لتحقيق التكامل العربي الموحد في كافة القطاعات.
وشدَّد "الخبير العسكري" على ضرورة أن يسود العدل في المنطقة العربية قبل الحديث عن إنشاء قوة مشتركة، مؤكِّدًا ضرورة عيش الشعوب بكرامة من أجل إرساء دعائم القوة.
مقترح السيسي
مقترح القوة المشتركة تبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أسابيع من قمة شرم الشيخ، بغية التصدي لكافة صور الإرهاب وتشكيلاته، وذلك استنادًا إلى إطار قانوني متمثل في معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي.
ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي وقِّعت عام 1950، وأقرت إنشاء مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية؛ بهدف تنسيق سياسة دفاعية مشتركة للجامعة تنطلق من اعتبار أي عدوان ضد أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانًا على باقي الدول الموقعة على البروتوكول، والتي كانت تضم وقتذاك مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن والسعودية.
مقترح مجمد
وفي نوفمبر الماضي، قال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدولة العربية إنَّ القوة العربية المشتركة "مجمدة حاليًّا"، لافتًا إلى أنَّه يرى أنَّ هذه القوة تُشكَّل من ائتلاف قوي لمن يرغب وتستخدم لمواقف وأحداث معينة، وإما أن تظل مشكلة أو تتفكك لحين ظهور حدث يستدعي تدخلها.
وأضاف - في حوار تلفزيوني بفضائية "صدى البلد" - أنَّ إنشاء هذه القوة يجب أن يكون للدول الراغبة فيها وليس بقرار من جامعة الدول لمواجهة أحداث معينة.
وأوضح أن العراق رفض وجود قوة عربية مشتركة، وأنَّ سوريا لا ينصح بوجود القوات هناك على أرضيه؛ إلا في إطار وجود قوات حفظ سلام.
تجارب تاريخية
تجارب التاريخ وخبرات الأمم تشير إلى أنَّ تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة ليس بالسهولة التي يتخيلها كثيرون، حيث كثيرًا ما استعصت على تجمعات وأنظمة إقليمية شتى تشكيل قوة عسكرية موحدة رغم بلوغ مستوى التعاون السياسي والاندماج الاقتصادي في ما بينها حدًا متقدمًا، حسب تحليل للدكتور بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كانت قد نشرته "الجزيرة".
لم يسفر التقارب الاندماجي بين دول الاتحاد الأوروبي الـ28 عن تشكيل جيش أوروبي موحد أو قوة عسكرية موحدة تحت إشراف البرلمان الأوروبي، وذلك رغم توقيع دول الاتحاد على معاهدة لشبونة عام 2007 التي وضعت بدورها أطرًا سياسية ومؤسسية لهذا الأمر.
المعاهدة أكَّدت ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع الأوروبي المشترك وإنشاء ونشر قوات للردع السريع، فضلًا عن إصلاح مؤسسات الاتحاد وتنشيط عملية صنع القرار فيه، لتحل تلك الاتفاقية بذلك محل الدستور الأوروبي الذي سبق ورفضته كل من فرنسا وهولندا عام 2005 بعد أن تم اعتمادها والتصديق عليها وباتت سارية المفعول في ديسمبر 2008.
عربيًّا - كما تحدث التحليل، فإنَّ تجربة قوات درع الجزيرة التي أسَّستها دول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 1982، بعدما أقرَّتها القمة الخليجية في دورتها الثالثة بالعاصمة البحرينية المنامة بناءً على توصية من وزراء الدفاع في حينها، تواجه عثرات شتى فيما يتصل بحجمها وطبيعة دورها وإمكانية استمرارها من عدمه.
وبعدما وقَّعت دول مجلس التعاون في ديسمبر 2000 في المنامة معاهدة دفاع مشترك تلتزم فيها بالدفاع عن أي دولة من دول المجلس تتعرض لتهديد أو خطر خارجي اجتمع وزراء دفاع دول المجلس بمسقط في أكتوبر 2002، وأعلنوا عزم دولهم رفع تعداد هذه القوة إلى 22 ألف رجل.
غير أنَّ عجز القوة الخليجية عن القيام بالدور المنوط بها أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990- حيث كانت تتألف وقتها من لواء سعودي واحد وآخر مشترك مع الدول الأعضاء- جعل الأمير خالد بن سلطان يشرع في تفكيكها وإعادة كل وحدة لوطنها الأصلي.
وفي نوفمبر 2005، صرَّح وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بأنَّ قوة درع الجزيرة لم تعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبعد هذا التصريح بنحو شهر اقترحت السعودية تفكيك القوات، وأن تشرف كل دولة على وحداتها المشاركة فيها بحيث يمكن استدعاؤها في حال الضرورة.
وما إن عادت السعودية في نوفمبر 2006، لتقترح زيادة تعداد قوات درع الجزيرة لتصل إلى 100 ألف مقاتل وإنشاء نظام مشترك للقيادة والسيطرة حتى خرج الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي - وقتها - عبد الرحمن العطية بإعلان في مايو 2008، بشأن تمركز الوحدات المشاركة في قوات درع الجزيرة ببلدانها الأصلية.
وحينما استعانت مملكة البحرين بقوات درع الجزيرة في مارس 2011 لتأمين المنشآت الاستراتيجية فيها عقب احتجاجات قوى المعارضة الشيعية اندلع جدل كبير بشأن هذا التدخل، على اعتبار أنَّ هذه القوات تأسَّست للتحرُّك ضد أي عدوان خارجي وليس للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية..
وعندما استغاثت الحكومة اليمنية "المعترف بها دوليًّا" بمجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي للتدخُّل "بغية دعم الشرعية والحيلولة دون توسع جماعة أنصار الله "الحوثي" لم تكن استجابة دول مجلس التعاون الخليجي بالتدخل العسكري عبر قوات درع الجزيرة إنما قادت السعودية تحالفًا عشريًّا يضم دولًا عربية وغير عربية، شن عملية عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، وبعد ذلك بشهر أطلقت عملية إعادة الأمل.