مَن الذي يهدّد تركيا الآن؟

تأسست (تركيا الحديثة) بعد سقوط السلطنة العثمانية في بدايات القرن الماضي. وكانت استحقاقات (الحداثة) في تركيا الجديدة تلك تكمن فقط في تبدّلات مظاهر الهوية الوطنية والأيديولوجية التي انصبغت بالعلمانية الكاملة والطامسة الهوية الإسلامية السابقة.

 

لكن تلك الدولة (الأوروبية/ الحديثة) بقيت بعيدة من مظاهر التحديث التنموي الصناعي والتجاري الذي كان يتنامى في أوروبا طوال العقود الماضية. ولم تدخل تركيا الحديثة عصر الحداثة، وتصبح قادرة على مزاحمة التنافسية الأوروبية، إلا منذ سنوات قليلة تزامنت مع وصول الرئيس أردوغان وفريقه إلى السلطة.

 

قدمت (تركيا الحديثة جداً) الآن نموذجاً محرجاً للإسلاميين والليبراليين معاً، وليس لأحدهما فقط، كما يشتهي أن يفهمه بعض هؤلاء وأولئك.

 

أما الإسلاميون فقد رأوا أمامهم دولة تزيد مساحة تمسكها بالإسلام كل يوم (عما كانت عليه تركيا من قبل، وليس عما كان عليه الصحابة!)، وفي الوقت ذاته تزيد من تقدمها الصناعي والتنموي، من خلال إدارة براغماتية لدولة مدنية تتعاطى مع الأصدقاء ومع الأعداء بأداة واحدة هي المصالح. يتزامن هذا التعاطي النفعي مع مساعٍ، نسبية وليست مطلقة، للحفاظ على الهوية الإسلامية التي استظهرها النظام الجديد لتركيا، مع الوعي بوجود تحديات غير مفاجئة، لكن من دون الاستسلام لحديث المؤامرة غير الكاذب.

 

في المقابل، فقد رأى اللــيبراليون أمــــامهم دولة تتراجع عن بعض علمانيتها الإقصائية المتطرفة، وتعود إلى بعض أنفاسها الإسلامية التي كتمتها لعقودٍ مضت. لكن هذه الدولة التي نزعت بعض علمانيتها، فأصبح لباسها خليطاً من هذا وذاك، هي في الوقت ذاته دولة تتصاعد في سلّم التقدم الصناعي والتنموي، وسط منافسة شديدة، في القارة الأوروبية وليس أيّ قارة، وتُحقّق نجاحات رقمية يعترف بها أعداؤها قبل أصدقائها.

 

تجربة تركيا نجحت في الجمع، في آن، بين (بعض) آمال الذين يتطلعون إلى دولة إسلامية ناجحة دولياً، و(كثير) من آمال الذين يتطلعون إلى دولة مدنية صناعية في العالم الإسلامي.

 

لكن هذا النموذج العصري لإحدى الدول الإسلامية بات مهدداً الآن بالفشل والسقوط، عبر تنامي العمليات الإرهابية في المدن التركية، وعبر مناكفات سياسية واقتصادية في المدن الأوروبية. فما هي دوافع هذا التهديد للتجربة التركية؟

 

هل هي حقاً مؤامرة غربية لقطع الطريق على تجربة دولة إسلامية تنافسية، كما حصل مع تجربة ماليزيا من قبل؟! أم أن تعاظم الأطماع لدى أبطال التجربة، والإفراط في تنامي كلاليب نظامها السياسي هو الذي سيؤول بالتجربة إلى الاصطدام بجدار حدود النجاح؟

 

ومن قال إن النجاح ليس له حدود؟!

مقالات متعلقة