يتصدر ما يجري في ريف الرقة المشهد العسكري المعقد في سوريا، مع تواصل المواجهات بين قوات تنظيم داعش من جهة، والتحالف الدولي الذي يدعم ميليشيا قوات "سوريا الديمقراطية" من جهة أخرى.
ويرمي التحالف بقيادة أمريكا بثقله في المعارك الدائرة عند سد الفرات (سد الطبقة) بريف الرقة الغربي شمال سوريا، في محاولة منه للسيطرة على السد، وبالتالي إحكام حصار مقاتلي التنظيم في مدينة الرقة عاصمة "دولة البغدادي" ومعقله الرئيسي في سوريا. وبحسب تقرير نشره موقع "السورية نت"، يبدو حتى الآن أن المعركة تسير لصالح التحالف والميليشيات الكردية المدعومة من قبله، إذ تمكنت خلال الساعات الماضية من قطع الطريق الواصل بين الرقة ومدينة الطبقة ثاني أكبر مدينة في المحافظة، وهو طريق يستخدمه "تنظيم الدولة" كخط إمداد بين قواته.
ويبرز في المعارك الحالية جانبان ملفتان، الأول هو حجم الدعم الأمريكي الكبير للقوات الكردية والذي يعكس ملامح سياسة الرئيس الأمريكي ترامب في سوريا، القائمة على دعم الميليشيات الكردية لهزيمة "تنظيم الدولة" وتجنب نظام الأسد، والثاني هو الغياب الفعلي والتهميش الواسع للمقاتلين العرب ضمن ميليشيا "سوريا الديمقراطية"، وهو عكس ما تروجه الميليشيا المذكورة لأهداف تكتيكية تحقق مصالحها في التوسع شمال البلاد.
وتعد الولايات المتحدة أبرز الأطراف الفاعلة في معارك ريف الرقة الجارية حالياً، وأكد محمود الهادي رئيس المكتب السياسي لـ"لواء ثوار الرقة" (وهو تشكيل عسكري من المقاتلين العرب منضوٍ في قوات سوريا الديمقراطية) أن القوات الأمريكية لم تعد مهمتها مقتصرة على تقديم الاستشارات لميليشيا "سوريا الديمقراطية" ومن ورائها القوات الكردية، بل إن جنوداً أمريكان أصبحوا يخوضون مواجهات مباشرة على الأرض ضد التنظيم وضمن صفوف الميليشيات الكردية، وأكد أيضاً أن عمليات الإنزال الأخيرة شارك فيها بشكل أساسي مقاتلون أمريكيون.
وتحدث الهادي عن هدف أمريكا من دعمها للقوات الكردية ووجودها الكبير في معارك ريف الرقة، مشيراً وفقاً لمعلوماته عن وجود نية أمريكية لإقامة قاعدة عسكرية كبرى لها في الشرق الأوسط على أراضي محافظة الرقة، تكمن أهميتها في أنها تأتي بموقع متوسط بين دول الخليج وإيران، فضلاً عن مجاورتها للعراق الذي يعد بلداً هاماً لأمريكا، وفق لـ"السورية نت".
وأضاف الهادي أن مطار الطبقة الذي خسره "تنظيم الدولة" يوم الأحد 26 مارس2017، تتواجد به الآن قوات أمريكية أصبحت بحكم المسيطرة عليه. وتوقع أن يستمر بقاء القوات الأمريكية في الرقة لسنين طويلة في القاعدة التي تضع أمريكا عينها عليها، لكنه أشار في ذات الوقت إلى أن واشنطن ستعمل بالنهاية على كسب بعض أبناء المنطقة لتحقيق مصالحها.
وفي السياق ذاته، تحاول فرنسا وضع يد لها في الشمال السوري، إذ أكد الهادي وجود قوات فرنسية في منطقة جعبر الواقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات، والتي تبعد نحو 53 كيلومتراً عن مدينة الرقة، مشيراً أن مهام القوات الفرنسية الموجودة هناك تتشابه مع مهام القوات الأمريكية، مؤكداً أيضاً انخراطها في المواجهات على الأرض.
وعن معركة مدينة الرقة المرتقبة، توقع رئيس المكتب السياسي لـ"ثوار الرقة" أن تزج الميليشيات الكردية بـ 10 إلى 15 ألف مقاتل، بدعم أمريكي كبير. وفي حال مشاركة هذه القوات فإن فجوة الخلاف بين أمريكا وتركيا ستتسع بشكل أكبر، سيما وأن أنقرة ترفض مشاركة الميليشيات الكردية بمعركة الرقة، متهمةً إياها بأنها الذراع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" الذي يخوض مواجهات مع تركيا.
وفي هذا السياق، توقع الهادي ألا يُفرط التحالف الدولي على رأسه أمريكا بالمصالح مع تركيا بشكل كامل، ويرى أن التعاون بين أمريكا والميليشيات الكردية الآن قائم على قاعدة من المصالح وبحجة مكافحة الإرهاب، "لكن بمجرد الانتهاء من داعش سيكون هنالك تحجيم للنفوذ الكردي بالشمال السوري إرضاءً من التحالف لتركيا"، كما يقول الهادي.
ويبقى المدنيون المحاصرون في الرقة وريفها، الخاسر الأكبر من المعارك الدائرة حالياً والتي تعكس بشكل واضح حجم التدخل الدولي الكبير في الشمال السوري، وصراع النفوذ الحاصل بين الأطراف الموجودة هناك، للحصول على مكاسب تسبق أي نية جدية في التوصل إلى حل للملف السوري، في مسعى منها لفرض سياسة الأمر الواقع.
وقال الهادي إن جميع الأطراف المتصارعة بريف الرقة من "التحالف الدولي، وتنظيم الدولة، وقوات سوريا الديمقراطية" لا تولي أي اهتمام لمصير المدنيين أو تجنيبهم العمليات العسكرية.
وأشار في حديثه إلى أن الكثافة النارية الموجهة من الطيران أو المدفعية من قبل التحالف و"تنظيم الدولة" نحو مناطق المدنيين لا مبرر لها، متحدثاً عن عمليات تهجير لقرى بأكملها جراء استهداف سكانها بشكل مباشر.
المقاتلون العرب
وتحدث الهادي عن تهميش مقصود من ميليشيا "سوريا الديمقراطية" للمقاتلين العرب في المعارك الدائرة حالياً في ريف الرقة، متوقعاً ألا يكون لهم أي دور فاعل في المعركة الكبرى التي ينتظرها معقل "تنظيم الدولة" في سوريا، والمتوقع أن تبدأ في أبريل المقبل، بحسب ما صرحت به فرنسا (المشاركة في التحالف) والميليشيات الكردية.
وعادة ما تصرح ميليشيا "سوريا الديمقراطية" بأن عملياتها العسكرية في شمال وشمال شرق سوريا تضم مقاتلين عرباً، وتهدف من ذلك إلى تبرئة نفسها من تحمل المسؤولية عن الانتهاكات التي ترتكبها في المناطق ذات الغالبية العربية التي تدخلها، في حين أن القوات الفعلية التي تخوض المعارك وتدخل تلك المناطق هي الميليشيات الكردية التي تسعى لإقامة "مشروع فيدرالي" في الشمال السوري، ترى المعارضة السورية أنه يهدد وحدة أراضي سوريا.
وفي هذا السياق، أشار الهادي إلى أن "الفصيل العربي الوحيد في قوات سوريا الديمقراطية، هو لواء ثوار الرقة"، لكنه أكد أن هذا الفصيل مستبعد من المعارك الحالية، ولا يلعب أي دور فاعل فيها، وأشار إلى أن المقاتلين العرب سيكونون خارج المعادلة بالكامل عندما تندلع معركة الرقة.
ولفت الهادي إلى أن ما تروجه الميليشيات الكردية ضمن قوات "سوريا الديمقراطية" من وجود مقاتلين عرب لجانبها، هو محاولة لإقناع أبناء المنطقة ذات الغالبية العربي بأنه لا مخاوف من الوصول لمناطقهم، وذلك في محاولة من ميليشيا "سوريا الديمقراطية" لكسب شيء من التعاطف الشعبي في المناطق التي تدخلها.
وأكد رئيس المكتب السياسي لـ"لواء ثوار الرقة" أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل بشكل أساسي مع ميليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية، بعيداً عن التعامل مع المقاتلين العرب.
تهجير ممنهج
وتخشى المعارضة السورية من مشروع واسع للتغير الديمغرافي في شمال وشرق سوريا مع توسع الميليشيات الكردية هناك، ووفقاً لـ الهادي فإن قرى بأكملها في الرقة هجرها سكانها، فيما بدا أنه مشروع ممنهج للتهجير.
وقال الهادي إن جميع الأطراف المتقاتلة مسؤولة عن التهجير، فمن جهة يتحصن "تنظيم الدولة" في مناطق المدنيين، ومن جهة أخرى تستهدف ميليشيا "سوريا الديمقراطية" والتحالف الدولي أماكن تواجد المدنيين. واعتبر أن ما يجري خطة مقصودة لتهجير المدنيين، وقال إنه حتى في حال عودتهم فيما بعد فسيكون ذلك ضمن شروط الميليشيات الكردية، وعلى رأسها تجنيد إجباري لأبناء الرقة بصفوف ميليشيا "سوريا الديمقراطية".
وأعرب الهادي عن اعتقاده أنه لو كان المقاتلون العرب منخرطون بشكل جدي في المعارك الدائرة حالياً لكان حجم الخسائر أقل، مشيراً أن مشاركة أبناء الرقة في المعركة - وبحكم معرفتهم بجغرافية المكان - ستمكن التحالف من تحديد أدق للأهداف ضد مواقع "تنظيم الدولة" داخل الرقة وريفها، متحدثاً عن تعاون كان سيجري بين السكان في الرقة وبين مقاتلي الرقة أنفسهم فيما لو كانوا مشاركين في المعركة.
وكثيراً ما وجهت اتهامات لميليشيا "سوريا الديمقراطية" بإعطاء التحالف الدولي إحداثيات خاطئة لتنفيذ غارات تستهدف في النهاية مبانٍ سكنية أو مناطق تجمع للنازحين، كما حصل الأسبوع الفائت عندما قصف التحالف مدرسة تأوي 50 عائلة في بلدة المنصورة أودت بحياة العشرات، وتحدث ناشطون من الرقة والمرصد السوري لحقوق الإنسان عن أن "سوريا الديمقراطية" زودت التحالف بإحداثيات خاطئة.
ولفت الهادي في نهاية تصريحه إلى أن المعطيات الحالية تشير بأن الغلبة ستكون لصالح التحالف وأمريكا على حساب "تنظيم الدولة"، وقال إن "أمريكا ستكون طرفاً أساسياً للحل في سوريا لا يمكن تجاهلها، خصوصاً إذا ما مكنت نفوذها بالرقة ودير الزور، حيث توجد المياه ومصادر الطاقة.