في 2008، وفي مؤتمر حزب العدالة والتنمية بالمغرب عوَّض عبد الإله بنكيران رفيق دربه سعد الدين العثماني على رأس الحزب.. والآن في 2017 لفَّت الدائرة فعوَّض العثماني رفيقه بنكيران على رأس الحكومة.
ستة أشهر كاملة لم تُتوج فيها جهود بنكيران بتشكيل ائتلاف للحكومة المغربية، فكلَّف الملك محمد السادس "العثماني" في 17 مارس الماضي ليخوض المعركة، فبات قاب قوسين أو أدنى من تشكيلها، إذ أعلن - كما نقلت عنه صحف مغربية أمس الأول الخميس - أنَّ الهيكلة الجديدة للحكومة ستكون جاهزةً خلال أيام.
الحكومة الجديدة ستتكون – كما أعلن العثماني - من ستة أحزاب هي العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، والتقدم، والاشتراكية، والحركة الشعبية، في حين سيظل حزب الأصالة والمعاصرة في موقف المعارضة.
في قرابة 15 يومًا، نجح - فيما يبدو - العثماني في تشكيل حكومة ائتلافية، بينما ظلَّ محاولات بنكيران يشوبها فشل أو إفشال، فبات التساؤل المطروح لماذا نجح الأول؟، ولماذا فشل أو أُفشل الثاني؟
الملك.. يضغط ويتدخل
الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية رجَّح أن يكون ملك المغرب قد تدخَّل لعدم تشكيل حكومة بنكيران إلى أن كلَّف العثماني بتشكيلها.
غطاس قال - لـ"مصر العربية" – إنَّ بنكيران اعتمد في تشكيل حكومته عما أسماه "الائتلاف الضيق"، لافتًا إلى أنَّه رفض إشراك أحزاب يسارية في حكومته، ما أجبر الملك على التدخل لتكليف شخص آخر بتشكيل الحكومة "العثماني".
وأضاف: "بنكيران رفض ضم أحزاب أخرى غير العدالة والتنمية، وهو في ذلك شأن جماعة الإخوان في مصر التي اتسمت بأنَّها كانت متصلبة ولا تؤمن بالشراكة، وحينما شعر الملك بالأزمة تدخل بالضغط لعدم تشكيل الحكومة، لكن العثماني حينما كلفه الملك تعلم من الدرس وضمَّ أحزابًا أخرى".
غطاس وصف التجربة المغربية بـ"الفريدة" فيما يتعلق بما أسماها "موجة الاضطرابات في الوطن العربي"، مشيرًا إلى أنَّ الملك محمد السادس تحسَّس خطورة هذه الموجة وتدخل لمنع انزلاق البلاد فيما دعاه "هذا الخطر".
أزمة تحديات لا حكومة
السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق للشأن الإفريقي قال إنَّ الأزمة في المغرب لا تكمن في تشكيل الحكومة بقدر ما تتمثل في التحديات التي تواجهها المملكة، معتبرًا أنَّ الوضع هناك بالغ التعقيد.
مرزوق أوضح - لـ"مصر العربية" - أنَّ الاقتصاد المغربي أفضل حالًا مما يسود في منطقة الشرق الأوسط، غير أنَّ ذلك لا ينفي أنَّه يواجه تحديات كبيرة في المرحلة الراهنة، محذِّرًا من انحداره إلى منطقة وصفها بـ"الخطيرة".
مواجهة التحديات في المغرب - كما يرى معصوم – تستلزم تغييرًا عاجلًا في آليات الحكم، بما في ذلك الفلسفة التي يتبعها الملك محمد السادس.
وأضاف: "المغرب يقع ضمن منظومة الشرق الأوسط الذي يقبل على تقلبات كبيرة، وهناك ليس بالضرورة أن نشهد مظاهرات مشابهة في طباعها لما شهده الربيع العربي لكن قد نرى موجات عنف أو انتفاضات جوع مثلًا، وهذا قد يكون في المغرب ودول أخرى".
نسبة الشباب "في سن دون الـ40" في المغرب التي حدَّدها معصوم بأنَّها تتراوح بين 60 و65%، رأى "السفير الأسبق" أنَّه تمثل لغمًا معدًا للانفجار في أي وقت، معتبرًا – كذلك – أنَّ تغييرًا جذريًّا سيطال المنطقة العربية بأكملها خلال العقد الزمني الحالي.
بنكيران والعثماني.. أربكان وأردوغان
سامح عيد الباحث في الشؤون الإسلامية تحدَّث عما أسماها "ضغوطًا" توقع أن تكون قد وقعت لإفشال بنكيران من تشكيل حكومته، مستشهدًا بواقعة السياسي التركي نجم الدين أربكان مورست ضغوطًا لعدم تشكيله الحكومة بسبب مواقفه السياسية، وتكلَّف فيها رجب طيب أردوغان "الرئيس الحالي".
عيد أشار إلى أنَّ هناك "أبعادًا شخصية" تحكم التوافق الحزبي بشأن تشكيل الحكومة، وهو ما اعتبره حدث بالمقارنة بين بنكيران والعثماني.
وحسبما رأى عيد، فإنَّ ملك المغرب ربما كان مضطرًا لتكليف بنكيران بإعادة تشكيل الحكومة في أكتوبر الماضي بعد فوز حزب "العدالة والتنمية" بالانتخابات وذلك خوفًا من الانقلاب على الديمقراطية، لا سيَّما أنَّ "عبد الإله" حقَّق ما أسماها "إنجازات" خلال رئاسته لحكومة ما قبل الانتخابات.
وأشار عيد إلى أنَّ بنكيران سيقبل بتصعيد العثماني رئيسًا للحكومة، كونه من نفس الحزب، مستبعدًا حدوث خلاف حول التشكيل الجديد.
انقلاب
عبد العزيز أفتاتي القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية قال إنَّ التحالف الذي شكّله العثماني لن يؤدي إلى حكومة قوية ولا يمكن أن ينجح، واصفًا إياه بـ"التحالف الهجين".
أفتاتي أضاف: "ما وقع مؤشر على التراجع في السيرورة الديمقراطية ومسار الانتقال الديمقراطي، وضربة موجعة لمشروع الانتقال الديمقراطي وليس فقط للعدالة والتنمية".
ومشكِّكًا في شرعية القرار، ذكر أفتاتي: "ما حدث بعد إعفاء بنكيران من مهام تشكيل الحكومة انقلابًا رهيبًا يؤذن بعودة المغرب إلى حكم الفرد".
ودعا - لموقع "ن برس" - من وصفها بـ"القوى الإصلاحية والديمقراطية" في المغرب إلى تحالف موضوعي على المدى البعيد للوقوف في وجه ما وصفه بالانقلاب الخطير، على حد تعبيره.
تعهدٌ "عثماني"
بين مؤيدٍ ومعارض لتركيبته الحكومية، قال العثماني إنَّ "الاتفاق على تشكيل الحكومة من ستة أحزاب أملته الإرادة الحازمة لتجاوز العقبات التي حالت دون تشكيل الحكومة السابقة".
وأضاف – متحدثًا من مقر حزب العدالة والتنمية بالرباط وهو محاط بزعماء التحالف الحكومي، قبل نحو أسبوع ـ أنَّ "أحزاب التحالف اتفقوا على تشكيل لجنة تشرف على وضع البرنامج الحكومي، ولجنة أخرى للحسم في هيكلة الحكومة وإخراجها للوجود".
العثماني تعهد في حديثه بإعطاء أولوية لقطاعات الشغل والتعليم والصحة في ولايته المقبلة، ومواصلة الإصلاحات التي بدأتها حكومة سلفه و"رفيقه" بنكيران.