الموازنة الجديدة| أرقام مخيفة .. عجز وديون ومخالفة للدستور

الموازنة العامة

انتهت الحكومة المصرية من إعداد أول موازنة للدولة بعد الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي أجل صرف الشريحة الثانية لحين مراجعة بنود الموازنة ومدى توافقها مع الشروط التى التزمت بها مصر مقابل حصولها على القرض.

 

وبتشريح مصروفات الموازنة العامة للعام المالى المقبل، فإن أكثر من 85 % من قيمتها تأكلها فوائد الديون التي تمثل العبء الأكبر على الإنفاق العام بواقع 380 مليار جنيه تمثل 34.5% من الإنفاق العام خلال السنة المالية، ثم الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية التى تمثل 331.527 مليار جنيه بنسبة 30.1% من الإنفاق العام، يليهما الأجور بواقع 240 مليار جنيه بنسبة 21.8% من مصروفات الموازنة.

 

وبمقارنة ما تتحمله الموازنة من أعباء الديون (380 مليار جنيه) بإجمالى الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي فى السنة المالية المقبلة (341 مليار جنيه)، فإن ما تخصصه الموازنة العامة للإنفاق على فوائد الديون، أكثر مما خصصته الموازنة المقترحة للإنفاق على الثلاثة مجتمعين،.

 

وهو ما يوضح حجم الخلل الكبير بالسياسة المالية التى تنتهجها الحكومة، والتى لم تتمكن من الوفاء بالالتزام الدستورى بإنفاق 10% من الناتج القومى الإجمالى على التعليم والصحة والبحث العلمى، وهو ما يعرض الموازنة لخطر عدم الدستورية.

 

 

نمو لا يلبي الطموحات

مازال معدلات النمو الاقتصادي لا تلبي التطلعات لحل المشاكل المتأصلة على مدار السنوات الست الأخيرة من ارتفاع نسب الفقر والبطالة، حيث تستهدف مصر معدل نمو اقتصادي 4.6%، مقابل نمو متوقع 3.8 - 4% في 2016-2017.

 

وتحتاج مصر لمعدل نمو أكثر من 7% خلال السنوات المقبلة لاستيعاب معدل الزيادة السكانية والذي يعد الأعلى عالميا إذا يزيد السكان في مصر بمعدل 2.5% سنويا.

 

وحسب وزير المالية عمرو الجارحي فإن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي بمقدار 1% يتيح فرص عمل بنحو 150 ألف فرصة.

 

ولا يكفي توفير نحو 700 ألف فرصة عمل بالعام المقبل للسيطرة على معدلات البطالة التي تجاوزت 12% بنهاية الربع الثاني من العام 2016-2017، وفقا لبيانات وزارة التخطيط.

 

عجز الموازنة

ويعد عجز الموازنة التحدي الأكبر أمام الحكومات التى تعاقبت على مصر في فترة ما بعد ثورة 25 يناير، ليستمر في التفاقم حتى أنه سجل في 2013- 2014 نحو 16% كنسبة للناتج المحلي الإجمالي بدون احتساب المساعدات من الدول العربية التى دخلت الموازنة وقدرت حينها بنحو 96 مليار جنيه.

 

والتزمت مصر أمام صندوق النقد بخفض عجز الموازنة لمستويات أقل من 10%، واستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي، لذلك يبلغ عجز الموازنة نحو 9.1% بالعام المالي المقبل (373 مليار جنيه)، مقابل 10.5% متوقع بالعام الجاري.

 

بل وتستهدف تحقيق فائض أولي –بدون مصروفات الدين- بقيمة 11 مليار جنيه بالعام المقبل.

 

 نمو الإيرادات

 

وتبلغ الإيرادات المستهدفة نحو 818.621 مليار جنيه، مقابل 644.292 مليار متوقع في 2016-2017، بزيادة تقدر بنحو 27%  أي 174 مليار جنيه من خلال تعزيز الإجراءات الضريبية، وهو ما قد يعكس تزايد الضغوط على السوق المحلي في ظل معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة والتي يصعب معها تحقيق نسبة النمو المرجوة في الحصيلة.

 

ويعكس نمو الحصيلة المستهدف الاتجاه لزيادة الأعباء المالية على الشركات التى تعاني من ارتفاع كلفة الاقتراض بالسوق المحلي في ظل أسعار فائدة وصلت لأكثر من 18%، مما يحد من السيولة المتاحة أمام الشركات ويقلص قدرتها على التوسع والدخول في مشروعات تساعد توفير عمل جديدة.

 

قفزة بالضرائب

 

وقدرت المالية حصيلة الإيرادات الضريبية بنحو  603.917 مليار جنيه في مشروع الموازنة الجديدة، مقابل 460.498 مليار متوقعة في السنة المالية الحالية، أي بزيادة 143 مليار جنيه ( نمو 31%).

 

وتتوقع الوزارة أن ترتفع ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بقيمة 84 مليار جنيه إلى 291 مليار جنيه، مقابل 206.9 مليار جنيه في العام المالي الجاري، وسيتحقق جزء من الزيادة من النشاط الاقتصادي المتوقع وإحكام التهريب وتفعيل الفاتورة الضريبية التي قد تزيد من دخول الاقتصاد غير الرسمي.

 

وتسعى الحكومة إلى زيادة سعر ضريبة القيمة المضافة إلى 14% بدلا من 13%، وهو ما قد يسهم في رفع حصيلة القيمة المضافة سنويا من 30 مليار جنيه إلى 38 مليار .

 

ولم تذكر الحكومة كيف ستحقق تلك النسبة الكبيرة رغم عدم قدرتها على تحقيق الأقل منها حاليا وسابقا، وحال عدم تحصيل تلك الأرقام سيتسبب فى زيادات ضخمة فى العجز المتوقع.

 

 

الأجور

وارتفع حجم الأجور والمرتبات بموازنة العام المالي القادم (2017- 2018) إلى 240 مليار جنيه، بزيادة 3 أضعاف عن الـ7 سنوات الأخيرة، و22 مليارا عن الموازنة الجالية (218 مليارًا).

 

وهو ما لا يتناسب مطلقا مع حجم التضخم وارتفاع الأسعار مما ينذر بزيادات كبيرة فى معدلات الفقر، حيث توقع خبراء أن تصل لـ30%، خاصة أن الدولة لم توفر حماية اجتماعية مقابلة تحمى تلك الطبقات من أثر التضخم.

 

إيرادات أخرى

 

بينما ترتفع الإيرادات الأخرى المستهدفة بنسبة 17.5% تعادل (32 مليار جنيه) إلى 213.5 مليار جنيه من 181.6 مليار متوقع في 2016-2017.

 

وتتحقق الإيرادات الأخرى من بنود أبرزها أرباح البنوك الحكومية والتى تبلغ 8 مليارات جنيه بالعام الجديد، وإيرادات قناة السويس بقيمة 66 مليار جنيه، وتستهدف تحقيق إيرادات من طرح البنوك والشركات الحكومية في البورصة بقيمة 6 مليارات جنيه، فضلا عن 5 مليارات جنيه من الهيئات الاقتصادية، ونحو 24 مليارا من الصناديق الخاصة.

 

ضعف العملة

وقدرت الموازنة سعر الدولار المستهدف بنحو 16 جنيها، مقابل 14- 14.5 جنيه للسنة الحالية، الأمر الذي يرفع تكلفة الاستيراد خاصة مع ارتفاع سعر برميل النفط من مستوى 50 دولار في موازنة العام الجاري إلى 55 – 57 دولارا بالعام المقبل.

 

1.2 تريليون مصروفات

لأول مرة في تاريخ الموازنة، تتجاوز النفقات الحكومية مستوى التريليون جنيه مما يعكس تزايد الضغوط الحكومية، خاصة من تزايد معدلات التضخم وضعف العملة المحلية التى رفعت تكلفة الاستيراد في الموازنة سواء على بند المواد البترولية أو السلع التموينية.

 

وتبلغ المصروفات المستهدفة نحو 1.188 تريليون جنيه، مقابل 994.906 مليار جنيه متوقعة في السنة المالية الحالية، وتقدر الزيادة بنحو 193 مليار جنيه ( نمو 19%).

 

ضغوط الدين

يمثل التحدي الأكبر أمام الحكومات المصرية في الفترة الأخيرة إحكام السيطرة على تضخم الدين المحلي والذي نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي ومستهدف خفضه إلى 97% العام المقبل.

 

وحسب بيانات الموازنة المعلنة تبلغ تكلفة فوائد الدين 380.9 مليار جنيه، وتستحوذ على 34.5% من إجمالي النفقات، مقابل 303.8 مليار متوقعة في 2016-2017.

 

وأدى اعتماد وزارة المالية في تمويل محفظة الدين على إصدارات أدوات الدين المحلي وحاليا تتجاوز الإصدارات تريليون جنيه سنويا، يوجه 90% لسداد مستحقات سابقة بينما يوجه 10% فقط لسداد عجز الموازنة.

 

الدعم و الصندوق

وارتفع إجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية المستهدفة 331.527 مليار جنيه مقابل 278.464 مليار متوقعة في 2016-2017، وتضمن نحو 110 مليارات جنيه لدعم المواد البترولية المستهدف، مقابل 101.272 مليار متوقع بالعام السابق.

 

ورغم ارتفاع بند المواد البترولية إلا أن دعم الكهرباء ينخفض إلى30 مليار جنيه، مقابل 35.071 مليارا متوقعة في 2016-2017، مما يزيد من توقعات تحريك أسعار الكهرباء المرتقب في يوليو المقبل، تمهيدا لتحرير الأسعار بحلول 2019 وفقا لخطط الحكومة المصرية المقدمة لصندوق النقد لإلغاء الدعم.

 

أما دعم السلع التموينية فسيتم زيادته إلى 62.585 مليار جنيه من 49.5 مليار جنيه بالعام الجاري، وذلك بغرض تخفيف ارتفاعات التضخم التى وصلت لـ33% بنهاية فبراير.

 

وبحسب وثائق صندوق النقد الدولي حول الاتفاق مع مصر اطلعت عليها "مصر العربية"، من المفترض أن يتقلص دعم الطاقة بشكل عام ( وقود – كهرباء) إلى56.3 مليار جنيه بالعام المالي المقبل، ثم 29.2 مليار جنيه بالعام المالي التالي، على أن يصبح 23.3 مليار جنيه بالعام المالي2019-2020 ، ثم 25 مليار جنيه بالعام المالي 2020-2021.

 

أما عن دعم الوقود فتوقع صندوق النقد، وصوله إلى 36.5 مليار جنيه خلال العام المالي المقبل 2017- 2018، ثم 19 مليار جنيه خلال 2018-2019، ثم يعاود الارتفاع إلى 21.8 مليار جنيه خلال العام المالي 2019-2020، ثم 25 مليار دولار خلال 2020- 2021، مع العلم أنه بحلول ذلك العام لن يكون هناك دعم موجه للكهرباء.

 

التزامات دستورية

نص الدستور المصري على تخصيص نسبة 10% من الناتج القومي للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، أي نحو 401 مليار جنيه، في تقديرات الحكومة الناتج المحلي لمستوى 4.1 تريليون جنيه.

 

إلا أن الحكومة رصدت نحو 341 مليار جنيه بالموازنة الجديدة والذي قد يعد مخالفا دستوريا، حيث تبلغ نفقات التعليم قبل الجامعي نحو 142 مليار جنيه والتعليم الجامعي 65 مليار جنيه، والصحة 103 مليار جنيه، والبحث العلمي 31 مليار جنيه.

 

646 مليارا استثمارات

وتهدف مصر بلوغ الاستثمارات نحو 646 مليار جنيه بالعام المالي الجديد، منها 45% استثمارات الحكومة وشركات قطاع الأعمال العام، إضافة إلى 55% بالقطاع الخاص، إضافة إلى استكمال برامج تمويل المشروعات القومية.

 

ويرى وزير المالية أنه لولا المشروعات القومية العملاقة خلال السنوات الأخيرة لانخفض معدل النمو الاقتصادي، الذي بلغ متوسطه في الفترة من 2010 إلى 2015 نحو 2.5%، فقط في حين ارتفع عامي 2015 و2016 إلى أكثر من 4%.

 

وتركز مصر على جذب استثمارات أجنبية بقيمة تتراوح بين 13 إلى 15 مليار دولار، مقابل توقعات بنحو 10 مليارات بالعام الجاري.

مقالات متعلقة