مع اعتماد الاقتصاد المصري في إيراداته على مصادر جبائية وليس إنتاجية فضلا عن التوسع في الاقتراض وعدم البحث عن موارد لسداد هذه الديون، ارتفع الدين الخارجي والمحلي بصورة كبيرة ومتسارعة خلال السنوات الخمس الماضية.
وحسب اقتصاديين فإن ذلك يمثل خطرًا على الاقتصاد القومي، ويثير عدة تساؤلات ومخاوف حول قدرة مصر على الالتزام بسداد مديونياتها، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها خاصة أن جزءا كبيرا من الدين عبارة ودائع قريبة الأجل مع توقف للقطاعات المنتجة للدولار في مقدمتها الصادرات والاستثمار الأجنبي والسياحة.
وتمثل قضية الدين العام إحدى أهم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها اقتصاديات العديد من دول العالم، خاصة الدول النامية – ومنها مصر – ، لما تسببه من اختلالات مالية، قد تعمق الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها هذه الاقتصاديات، كما أنها في كثير من الأحيان تصل إلى حد المس بالجوانب السيادية للدول المدينة.
وكشف البنك المركزي المصري، اليوم الأحد، عن ارتفاع نسبة الدين العام في مصر (الخارجي والمحلي) إلى 131.7% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2016، مقابل 101% في نهاية 2015.
وأضاف، في تقريره، أن رصيد الدين الخارجي بكافة آجاله ارتفع بنحو 19.6 مليار دولار، بما يعادل نحو 41% إلى 67.3 مليار دولار في نهاية 2016، مقابل 47.7 في الفترة المناظرة من 2015.
وارتفع إجمالي الدين العام المحلي إلى 3.052 تريليون جنيه في نهاية 2016 مقابل 2.368 تريليون جنيه في العام السابق عليه.
وبذلك، ارتفع متوسط نصيب المواطن المصري من الدين الخارجي بنهاية العام الماضي، ليصل إلى 691.9 دولار، مقابل 618.2 دولار بنهاية سبتمبر الماضي.
وفي تقريرها عن توقعات عام 2017، توقعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني أن تستمر المخاطر الداخلية والجيوسياسية باعتبارها من أهم المخاطر بالنسبة للديون السيادية لمصر، وذلك في ظل الارتفاع الملحوظ في وتيرة الاقتراض بالبلاد.
الديون طريق مصر للإفلاس.. 10 نقاط تشرح لك القصة كاملة
رامي عرابي، محلل الاقتصاد الكلي لدى «فاروس»، قال إن مستويات الدين الخارجي مازال عند حدوده الآمنة، ووصول الدين لمستويات 26% من الناتج المحلي خلال 4 سنوات لا يمثل تهديدا كبيرا على الاقتصاد كما يتصور البعض، لكن معدلات تراكمه تثير القلق حول القدرة على الإنفاق على محفظة الدين خلال السنوات المقبلة مع توقعات بتجاوزه 100 مليار دولار في 2020.
وأوضح «عرابي»، في تصريحات لـ«مصرالعربية» أن الاعتماد على الاستدانة من الخارج قد يشهد زيادة بالفترة المقبلة مع تزايد الأعباء على الموازنة، لافتا إلى التكلفة المنخفضة لأدوات الدين الخارجية وأسعار الفائدة المغرية بعكس أدوات الدين المحلية.
وأضاف أن مصر قد تتجه للاقتراض من الأسواق العالمية قبل نهاية العام للوفاء بالتزامات الدين الخارجي، لافتا إلى أنه «قد ندخل في حلقة مفرغة من الاستدانة إذا لم تتحسن المؤشرات الاقتصادية في مصر وستزايد مؤشرات الدين يوما تلو آخر».
وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية تتجه مصر لإصدار سندات دولية بعملات مثل الين الياباني واليوان الصيني لسد الفجوة التمويلية والتى تبلغ 35 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وقفزت معدلات التضخم في مصر خلال شهر فبراير إلى 31.7% لتسجل أعلى نسبة خلال الثلاثة عقود الماضية بعد تدابير حكومية ساهمت في الأزمة ومنها رفع أسعار الكهرباء 40% في أغسطس مع قرار تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر ما أدى إلى انخفاض قيمته رسميا، وتوالى ارتفاع الأسعار.
مصر تأكل «على النوتة»| الدين العام يصل لـ 101% .. والتضخم يلتهم ما تبقى في جيوب الغلابة
من جانبه، رأى محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، أن حجم الدين المحلي وأعباء خدمته يمثل تحديًا كبيرًا أمام مصر مقارنة بالدين الخارجي والذي يمثل نسبة أقل من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح «عادل»، في تصريحات خاصة لـ«مصر العربية»، أنه لا يمكن التحكم في حجم الدين دون التعرض لعجز الموازنة المزمن الذي عانت منه مصر على مر أعوام ومازالت تعاني منه خصوصًا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة والتي انخفضت فيها الإيرادات وزادت المصروفات بشكل مضطرد، بينما يمكن محاولة تخفيض أعباء خدمة الدين عن طريق الإدارة الجيدة لمحفظة الدين الحكومي.
وقال عمرو الجارحي وزير المالية، في مؤتمر صحفي بمقر مجلس الوزراء، إن المصروفات في مشروع الموازنة الجديدة بلغت تريليونا و١٨٨ مليار جنيه، والإيرادات ٨١٨ مليار جنيه، وأوضح أن العجز الكلي في الموازنة (الفرق بين المصروفات والإيرادات) سجل 370 مليار جنيه.
وأشار إلى أن الحكومة تستهدف تخفيض العجز في موازنة العام المقبل إلى ٩.١٪، وقدر الوزير إجمالي الدين العام خلال العام المالي المقبل بنحو 3.5 تريليون جنيه بما يعادل 104% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد متأثرا بتحرير سعر صرف الجنيه.
وأوضح الخبير الاقتصادي محسن عادل أن الحكومة المصرية يجب أن تحافظ على تنوع محفظة الدين الخارجي، والحد من إصدارات الدين المحلي والتي تضغط على الموازنة، والاتجاه للأدوات الأقل تكلفة، مع وضع حد أقصى للاستدانة الداخلية وحجم طروحات الأوراق المالية التي تنوى طرحها.
وعن الحلول المطروحة أمام مصر، قال عادل: «يجب الاعتماد على أدوات مالية جديدة (صكوك التمويل) في الوقت الحالي سواء على المستوى الحكومي مما سيجذب استثمارات عربية خليجية للدخول في سوق الدين بما يرفع من الحصيلة الدولارية من جانب ويخفف العبء عن البنوك المحلية من جانب آخر».
كما أكد على ضرورة الاستفادة من الصكوك في إطار خطة الدولة نحو تطوير الأدوات المالية وتنويعها لزيادة قدرة الشركات والحكومة في الحصول على التمويل.
بعد توسع الحكومة في القروض.. ديون مصر "دائرة جهنمية" تقود للهاوية (خبراء)
ورغم أن تاريخ القاهرة ناصع البياض فيما يخص الالتزام بسداد القروض في مواعيدها، إلا أن وتيرة الاقتراض المتسارعة، وكذلك القصيرة الأجل وارتفاع عجز الموازنة والقفزات المتوالية للدولار وارتفاع نسبة التضخم، أدخل مصر في دائرة القلق، وهو ما أكده، عمرو عدلي، خبير الاقتصاد السياسي.
وأضاف عدلي في تصريحات لـ«مصر العربية» أن هيكل الدين الخارجي بوضعه الحالي مقلق جدًا في ظل انخفاض أجل السداد، مشيرًا إلى أن جزءا كبيرا من الدين عبارة ودائع قريبة الأجل.
وأشار «عدلي» إلى أن الضغوط ستضاعف الأعباء خلال السنوات الثلاث المقبلة في ظل توقف القطاعات المنتجة للدولار في مقدمتها الصادرات والاستثمار الأجنبي والسياحة.
وأظهر وثيقة اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 102.4 مليار دولار، بحلول العام المالي 2020-2021، وتصل إلى 66 مليار دولار بالعام الجاري، ونحو 82.3 مليار دولار بالعام 2017-2018.
وقد توسعت الحكومة المصرية في الاقتراض الداخلي والخارجي بنسب كبيرة خلال السنوات الأخيرة في ظل انكماش دخلها من السياحة وتحويلات المغتربين وقناة السويس والصادرات والاستثمارات.