سد النهضة والتكامل مع إثيوبيا.. أبرز ملفات البشير في أديس أبابا

الرئيس السوداني عمر البشير

يبدأ الرئيس السوداني، عمر البشير، غدا الثلاثاء، زيارة رسمية لإثيوبيا تستمر ثلاثة أيام، على رأس جدول أعمالها ملفات سد النهضة الإثيوبي والتكامل بين البلدين والنزاعات الإقليمية، لا سيما في جنوب السودان والصومال.

 

وتعتبر زيارة الغد هي الثانية للبشير منذ عام 1999، وتخللتها زيارات غير رسمية في مناسبات مختلفة بمعدل زيارتين سنويا، وتمثل تتويجا لمراحل مختلفة مرت بها العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا.

 

ووفق تقدير مراقبين، فإن هذه هي أقوى علاقة بين دولتين في ظل التحالفات الإقليمية بالمنطقة؛ لذا ستترتب على زيارة البشير تأثيرات في الكثير من الملفات الثنائية والقضايا الإقليمية الراهنة، خاصة بين دول حوض النيل والقرن الإفريقي؛ نظرا لما للبلدين من حضور قوي في الكثير من أحداث المنطقة.

 

وما يميز هذه الزيارة أنها تتزامن مع احتفالات إثيوبيا بالذكرى السادسة لبدء مشروع بناء سد "النهضة"، الذي تم وضع حجر أساسه في الثاني من أبريل 2011، وهو ما قد يترتب عليه ردود أفعال، لا سيما من مصر، التي يظل قلقها من هذا السد أحد أسباب توتر علاقاتها مع جارتها الجنوبية السودان المؤيد لبناء السد.

 

ومن المقرر اكتمال بناء سد النهضة في يونيو المقبل، وتقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصر، وإن الطاقة الكهربائية التي سيولدها السد ستساعد في القضاء على الفقر وتعزيز النهضة التنموية في إثيوبيا.

 

** مرحلة التكامل

 

المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، "تولدي مولوجيتا"، قال إن "زيارة الرئيس البشير تأتي تأكيدا للعلاقات القوية والمتينة بين البلدين، وستنقل هذه العلاقات إلى التكامل في مختلف المجالات، خاصة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".

 

وأوضح أن "الزيارة ستشهد إعلان التكامل، بفضل ما تم الاتفاق عليه في وقت سابق من مشروعات بين البلدين".

 

وعن جدول أعمال زيارة البشير، قال "مولوجيتا" إن "الرئيس السوداني سيلتقي نظيره الإثيوبي، ملاتو تشومي، ورئيس الوزراء، هايلي ماريام ديسالين، ويقوم بزيارات ميدانية لمشروعات تنموية".

 

ومضى قائلا إن "التعاون بين البلدين شهد نقلة كبيرة في مجالات التجارة والاستثمار المتبادل والربط الكهربائي والبري.. وهذه المشروعات تمثل مجتمعة أعمدة وركائز التكامل الاقتصادي بينهما.. الاستثمارات السودانية في إثيوبيا أصبحت تحتل مركزا متقدما كأكبر المستثمرين الأجانب في إثيوبيا".

 

وزاد "مولوجيتا" بأن "قيادة البلدين ظلت تعمل معا لتحقيق التنمية المستدامة والاندماج الاقتصادي والتنسيق في مختلف المجالات، فالسودان شريك مهم واستراتيجي لإثيوبيا".

 

واعتبر أن "إثيوبيا والسودان تمثلان في علاقاتهما المشتركة نموذجا بمنطقة القرن الإفريقي.. هما تتمعان بثقل سياسي، ولهما مساهمات واضحة وقوية في حل النزاعات بالمنطقة من خلال الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق إفريقيا (إيغاد)".

 

ووفق رئيس جمعية مستثمري السودان في أديس أبابا، عوض عبد الكريم، في تصريح للتلفزيون الإثيوبي، فإن حجم الاستثمارات المسجلة في إثيوبيا من قبل الشركات السودانية بلغ نحو 2.4 مليار دولار.

 

ويعول السودان على الاستفادة من كهرباء سد النهضة الإثيوبي بعد اكتمال بنائه، لمضاعفة حجم الطاقة الكهربائية المولدة من سدوده، وذلك بسعر تفضيلي بموجب اتفاق مع إثيوبيا.

 

بدوره، اعتبر الدبلوماسي الصومالي السابق والأكاديمي عبد الله طاهر أن "العلاقة الإثيوبية السودانية شهدت تطورا كبيرا في الفترة الماضية".

 

ومضى طاهر قائلا  إن "هذه العلاقة المشتركة تجاوزت أزمة المحاولة الفاشلة لاغتيال (الرئيس المصري حسني) مبارك (1981-20111) في إثيوبيا عام 1995".

 

وجرت محاولة اغتيال مبارك أثناء توجهه من المطار إلى مقر انعقاد القمة الإفريقية في العاصمة أديس أبابا، وتردد أن السلطات السودانية كانت وراء هذه المحاولة، عبر تنظيم الجهاد الإسلامي، لا سيما وأن السودان آنذاك كان يحتضن وقتها في الخرطوم زعماء القاعدة مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

 

وتابع طاهر، وهو أكاديمي متخصص في شؤون القرن الإفريقي، أن "إثيوبيا والسودان أصبحتا تشكلان تكتلا قويا، بجانب جيبوتي والصومال وجنوب السودان، وأسهمتا في حل نزاعات بالمنطقة، فالعلاقة المتميزة بين الجارتين انعكست إيجابا في استقرار وأمن المنطقة".

 

ووفق مراقبين، فإن مصر ستتأثر سلبا بزيارة البشير لأديس أبابا؛ نظرا للتشابكات والتقاطعات التي أدت إلى توتر العلاقات بين القاهرة وكل من الخرطوم وأديس أبابا، بسبب مشروع سد "النهضة"، الذي أوشكت إثيوبيا على اكمال بنائه.

 

وترى مصر أن جارتها السودان تقف إلى جانب إثيوبيا في قضية سد "النهضة"، الذي تعتبره القاهرة تهديدا لأمنها القومي، وتتخوف من أن يمس بما تعتبره حقها التاريخي في حصتها من مياه نهر النيل، البالغة 55,5 مليار متر مكعب سنويا، وفقا لاتفاقية 1959.

 

** حروب أهلية

 

ولم يستبعد الأكاديمي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي أن "يناقش الجانبان سُبل وضع حد للحرب الأهلية، التي تدور في دولة جنوب السودان الوليدة (التي انفصلت عن السودان في يوليو 2011)، فضلا عن الوضع في الصومال واليمن".

 

وتشهد كل من جنوب السودان والصومال واليمن صراعات مسلحة ذات امتدادات إقليمية؛ ما أدلى إلى تردي الأوضاع الإنسانية للغاية، ليزداد الأمر سوءا بتهديد المجاعة لحياة الملايين من المدنيين.

 

وتابع طاهر بقوله إن "تداعيات الأزمة في جنوب السودان وعدم الاستقرار بالصومال تهدد أمن السودان وإثيوبيا، اللذين يشاركان جنوب السودان بحدود واسعة وتداخلا قبليا، كما إن إثيوبيا تجاور الصومال، وقد تأثرات الخرطوم وأديس أبابا بتدفق مئات الآلاف من اللاجئين الجنوبيين عليهما هربا من القتال".

 

وتوقع أن "تزيد زيارة البشير من شُكوك مصر بشأن مواقف الخرطوم، وتعزز مخاوفها في موضوع سد النهضة، الذي تسعى القاهرة إلى محاصرته، خاصة وأن الزيارة تتزامن مع الذكرى السادسة لبدء إنشاء السد".

 

وثمة توقعات بأن يشارك البشير في احتفالات هذا العام بالسد إلى جانب نظيره الإثيوبي ورئيس وزرائه.

 

** مشروعات ومواقع أثرية

 

وبحسب مصدر دبلوماسي سوداني، طلب نسر اسمه، فإن "برنامج زيارة البشير يتضمن تفقد مشاريع تنموية ومواقع أثرية، باعتبار أن إثيوبيا تمثل متحفا إفريقيا، وجرى فيها اكتشاف أقدم إنسان".

 

وتابع المصدر، للأناضول، أنه "من المتوقع أن تطلب الخرطوم الاستفادة من خبرات أديس أبابا في مجال التنقيب عن الآثار، والاستفادة من علاقاتها (الجيدة) مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا".

 

ولفت المصدر إلى "ما جرى من تراشقات بين الخرطوم والقاهرة حول الأهرامات السودانية".

 

 

وعلى خلفية زيارة الشيخة موزا، والدة أمير قطر، لأهرامات البجراوية شمالي السودان، الشهر الماضي، شهدت برامج تلفزيونية مصرية ومواقع التواصل الاجتماعي تعليقات رأت وسائل إعلام سودانية أنها تناولت الحضارة السودانيةوضيوف السودان بشيء من التقليل والإهانة، وتعهدت الخرطوم بالرد على مثل هذه التعليقات بـ"كل جدية وحسم".

 

وختم المصدر الدبلوماسي بأن "تطور العلاقة بين إثيوبيا والسودان سينعكس إيجابا على استقرار الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، لما يمثله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة، لاسيما بعد بدء تعافي الصومال عقب انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة تدعمها دول الجوار".

مقالات متعلقة