"ذهب لمكافحته في سوريا فضربه في عقر دراه".. بينما برَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخله عسكريًّا في سوريا قبل سنوات لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، بدعوى "مكافحة الإرهاب".. أطلَّ الإرهاب هذا برأسه فضرب مدينة بوتين المحصنة وأثناء تواجده فيها.
إلى محور أوروبا النازف دمًا انضمت "سانت بطرسبرج".. تفجير في قطار بين محطتي مترو بالمدينة الروسية "المحصنة" أسقط عشرة قتلى ونحو 50 جريحًا.. هجومٌ وقع في مكانٍ وموقعٍ بدى لكثيرين أنَّه أبعد عن الذهن أن يقع فيه ما وقع.
المدينة الروسية تهوى إلى قلب الرئيس فلاديمير بوتين، فـ"زعيم القيصرية" يعقد فيها أغلب لقاءاته واجتماعاته ومؤتمراته، فوقع الانفجار أثناء وجود بوتين في المدينة حيث كان يجري مباحثات مع رئيس روسيا البيضاء.. هذا التزامن فسِّر بأنَّه رسالة من المنفذ إلى الرئيس بالقدرة على استهداف مدن دولته الرئيسية.
الفعاليات في المدينة جعلتها بوصلةً في اهتمامات أجهزة الأمن الروسي، فتوافد الرئيس عليها بين حينٍ وآخرٍ يجعلها - بحسب محللين – سببًا كافيًّا لأن تكون محصنةً أمنيًّا أمام تهديدات تواجهها أوروبا بأكملها، لا سيَّما من قِبل تنظيم الدولة "داعش".
الهجوم والمواقف الروسية.. سوريا أم غيرها
فرضية الإرهاب في الهجوم لم يستبعدها بوتين، فقال بوضوح إنَّ بلاده تدرس كلّ الأسباب وراء الانفجار بما في ذلك الإرهاب.
الهجوم في سانت بطرسبرج وإن كان مجهولًا – إلى الآن – سببه ومخزاه وما قد يؤول إليه، إلا أنَّه لا ينعزل عن المواقف الروسية، فموسكو في سوريا تدعم نظام بشار الأسد واعترفت قبل أشهر بأنَّها تقصف مواقع الجيش السوري الحر، الجناح العسكري للمعارضة المعتدلة.
التدخل الروسي في سوريا رافقه تبرير بوتين بأنَّ بلاده "محاربة الإرهاب"، قبل أن يخرج إعلان رسمي من وزير خارجيته سيرجي لافروف بأنَّ بلاده تدعم الأسد، وتقف ضد محاولات غربية لإزاحة أنظمة عربية ومنها الأسد كما قال.
ولم تسلم "محاربة الإرهاب" من وجهة النظر الروسية من انتقادات رسمية أممية، فتحدَّثت تقارير أنَّ الغارات الروسية لا تستهدف مواقع تنظيم "الدولة" التي حطَّت طائراته من أجل مكافحة إرهابه، بينما ركَّزت غاراتها على جبهات تقاتل ضد الأسد.
الدب VS القارة العجوز
أوروبيًّا، تواجه روسيا اتهامًا من القارة العجوز بأنَّها تنفخ النار في أزمة اللاجئين من أجل ضرب استقرار أوروبا.. القارة نفسها التي يفرض اتحادها عقوبات على موسكو بسبب "القرم" التي ضمَّتها روسيا إليها في 16 مارس 2014، بعد أن كانت تابعة لأوكرانيا، عقب استفتاء من جانب واحد جرى في شبه الجزيرة، الأمر الذي رفضته أوكرانيا ودول غربية أخرى.
الداخل الروسي نفسه لم يكن في أبهى صوره في الأيام الأخيرة، فقبل أيام اعتقلت السلطات الروسية زعيم المعارضة أليكسي نافانلي بالإضافة إلى عشرات آخرين خلال مسيرة احتجاجية ضد الفساد نظمها نافانلي في العاصمة موسكو.
المظاهرات دعا المشاركون فيها إلى إقالة رئيس الوزراء.. ليس ذلك فحسب، بل ردَّدوا هتافات طالبوا فيها بإسقاط حكم بوتين نفسه.
من بين المحللين، ذهب البعض إلى توجيه اللوم على اختراق أمني، وهو ما دعَّمه كشف لصحيفة "الإندبندنت"، التي تحدثت عن تحذيرٍ وجَّهته وزارة الخارجية البريطانية بوقوع عمل إرهابي في سانت بطرسبرج.
هجوم بنكهة سياسية
الدبلوماسي الروسي السابق فيتشيسلاف ماتوزوف وصف الهجوم في سانت بطرسبرج بـ"الإرهابي"، مؤكِّدًا أنَّه يأتي في سياق السياسة الروسية في الشرق الأوسط.
فيتشيسلاف أضاف: "التحذيرات من مثل هذه الهجمات لم تأتِ من قادة التنظيمات الإرهابية، ولكننا في روسيا مستعدون دائمًا لمثل هذه الهجمات".
الهجوم - كما يراه فيتشيسلاف - جاء انتقامًا من روسيا على سياسة رئيسها فلاديمير بوتين لا سيَّما في سوريا، لدعمه لنظام بشار الأسد، فضلًا عن المواقف الروسية إزاء الأزمتين العراقية والليبية، لا سيَّما تقاربها مع خليفة حفتر قائد ما تسمى بـ"عملية الكرامة" في ليبيا.
الدبلوماسي السابق استبعد أن تؤثر مثل هذه الهجمات على السياسة الروسية في الشرق الأوسط، بل ذهب في رأيه إلى أنَّ مثل هذه العمليات تؤدي إلى تشدُّد أكثر فيما أسماه "مكافحة الإرهاب".
وأضاف: "كنا نرى الأحداث الإرهابية في موسكو سابقًا، الأزمة الآن أنَّها انتقلت إلى سانت بطرسبرج، ولا شك أنَّه الأجهزة الأمنية الروسية ستتخذ التدابير الأمنية لحفظ الأمن للشعب".
المحلل السياسي الروسي ليونيد سوكيانين قال إنَّ أسبابًا كثيرة قد تطرح بالبحث وراء سبب الهجوم، ومنها السياسة الخارجية الروسية لا سيَّما في الشرق الأوسط، والجهات المتورطة فيه سواء كانت داخل روسيا أو خارجها، أو كون الأمر راجعًا إلى أحداث داخلية لا سيَّما عقب اعتقال الشرطة الروسية زعيم المعارضة اليكسي نافانلي أو ارتباط الهجوم بأسباب دينية وعرقية.
تزامن الانفجارين مع زيارة بوتين إلى المدينة اعتبره المحلل لا علاقة بينهما، وقال: "الإعداد لمثل هذا الانفجار يتطلب وقتًا طويلًا، أما زيارة الرئيس فقد تحدث أو لا تحدث من الأساس وبالتالي لا يمكن الربط بينهما".
سوكيانين لم يحدِّد جهةً بعينها توجَّه إليها أصابع الاتهام، غير أنَّه ربط بين هجوم بطرسبرج والهجمات التي شهدتها مدن أوروبية مختلفة طيلة الأشهر الماضية، محمِّلًا "تنظيمات إرهابية" – لم يسمها – بالوقوف وراء الهجوم.
يرى المحلل السوري أنَّه من غير المتوقع حدوث أي تغييرات في السياسة الروسية في الشرق الأوسط لا سيَّما ما يتعلق بسوريا، مفسِّرًا ذلك بقوله إنَّ سياسة روسيا تتبع مبادئ وأولويات ومصالح استراتيجية لـ"الدولة"، وحتى إن كان الهجوم يرتبط بالسياسة الروسية في سوريا.
عائدون من سوريا
مدير معهد الدراسات السياسية في موسكو سيرجي ماركوف رجَّح وجود من وصفهم بـ"إرهابيين جهاديين" نفَّذوا الهجوم، متوقعًا أن يكون "إرهابيون" عادوا من سوريا ونفَّذوا العملية أو "إرهابيين محليين"، حسب تعبيره.
ماركوف دافع عن الأمن بشأن ما يراه محللون اختراقًا لكون الهجوم وقع داخل المترو، وقال: "محطة بطرسبرج كبيرة ويرتادها ملايين الأشخاص يوميًّا وليس من السهل على الإطلاق إحكام الرقابة على الأشخاص خلال رحلاتهم اليومية".
وأضاف: "روسيا تحاول منع العمليات الإرهابية من خلال تشديد المراقبة، لكن ربما يوجد عناصر الذين تسللوا والشبكات الجهادية لارتكاب الأعمال الإرهابية لكن ربما يكون التنفيذ من قِبل إرهابيين محللين".