هنا طفل مُمَدّد على أحد أرصفة المدينة لم يجد من يسعفه، و آخر لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يرفع يده إلى السماء شاكيًا قاتله لله، وثالث يصارع الموت محمولا على إحدى العربات مبتلة ثيابه من كثرة الماء المسكوب عليه.. عفوًا نحن في إدلب عاصمة الموت بالأسلحة الكيماوية.
إدلب.. تلك المدينة التي يغلب على سكانها معارضتهم للنظام، والتي في الآونة الأخيرة باتت مقصدا للمهجرين من المدنيين ممن أجبرهم النظام على ترك مدنهم، لم يتركها "قاتل سوريا" وأصر على نصب المجازر بها، آخرها التي وقعت اليوم في خان شيخون بالريف وراح ضخيتها قرابة المائة شخص، غالبيتهم من الأطفال، لتعيد إلى الأذهان ما حدث قبل أربعة أعوام في الغوطة.
وقتل قرابة مائة شخص وأصيب المئات بحالات اختناق في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي (شمالي سوريا) صباح اليوم الثلاثاء إثر استهدافهم بصواريخ تحمل غازًا سامًا أطلقها طيران النظام. بحسب شهود عيان.
من جهته، أشار الدفاع المدني السوري التابع للمعارضة إلى أن أحد الصواريخ التي أطلقتها طائرات النظام كان أحدها محملاً بـ غاز السارين السام، وهو ما أدى إلى وفيات والكثير من حالات الإغماء والاختناق.
وأكّد ناشطون وفاة عائلات بأكملها اختناقًا جراء استهداف خان شيخون بغازات سامة.
في حين، أكّدت مديرية صحة إدلب مقتل 100 شخص وإصابة 400 آخرين في قصف بـ السارين على بلدة خان شيخون، وأفادت قوى الثورة بالرقم ذاته.
المحامي والحقوقي السوري زياد الطائي قال إن الأسد ارتكب كل أنواع الجرائم ضد المدنيين، قتل الأطفال واغتصبت مليشياته النساء، وللأسف أمام مرأى ومسمع العالم.
وأوضح الطائي لـ"مصر العربية": "المجتمع الدولي عاجز عن إدانة قاتل سوريا بشار الأسد، ومن هنا أقول وأسأل العالم خصوصًا الدول العربية: " أين أنتم مما يحدث لنا؟ أين نخوتكم ياعرب؟ ماذا ستقولون الآن عن مجزرة اليوم ومذبحة أطفال خان شيخون؟ للأسف "إذا نطق الحجر فسينطق العرب".
وأشار إلى أن غارات اليوم تبعها حدوث وفيات مباشرة بين المدنيين، استنشقت وتعرضت لمواد سامة، وأغلب المصابين يعانون من صعوبة في التنفس وتخرشات في الرئة، وأعراض أخرى تدلل على أن المادة المستخدمة كيماوية، وليست غاز الكلور السام فقط، فأين المجتمع الدولي من تلك الجرائم؟.
السياسي السوري أحمد المسالمة قال إن قتل الأطفال اليوم في إدلب بالغاز السام لهو وصمة عار على جبين الإنسانية ووصمة عار على من يدعون أنهم أصدقاء الشعب السوري.
وأوضح المسالمة لـ"مصر العربية": "أمام أنظار العالم الأسد مستمر بالقتل والأمم المتحدة تشجب وتندد وجعلت من جنيف مراحل متكررة، وما لنا إلا أن نبكي على أطلال مجازر الأسد، قائلا: "يعجز الوصف وتتبعثر الكلمات من هول الفاجعة".
وأكد المسالمة أن من يقف بجانب الأسد هو مجرم، قائلا: "يقولون إنهم يحاربون الإرهاب، متسائلا: "أي إرهاب الذي يتحدثون عنه، إرهاب الطفولة؟ إرهاب المدنيين العزل.؟
وأشار إلى أن الأسد وروسيا هم الإرهابيون، هم قتلة الأطفال، "مشاهد مروعة من خان شيخون شاهدها العالم بصمت ونحن نعيشها ونشاهدها بقلب حزين إلى ما وصلت إليه سوريا في ظل حكم الأسد الذي جعل من سوريا بلد مدمر ليبقى متسيدًا ورئيسا، "نعود ونقول اللي بقتل شعبه إرهابي وخاين"
المراصد العسكرية في ريف حماة الشمالي، أكدت بدورها أن طائرة حربية من طراز "سوخوي22" هي من نفذت الغارات على خان شيخون.
في المقابل، ذكر مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، لوكالة فرانس برس، أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 35 شخصاً على الأقل، معظمهم مدنيون، وبينهم تسعة أطفال، جراء إصابتهم بحالات اختناق، إثر تنفيذ طائرات حربية - لم يعرف ما إذا كانت للنظام أم روسيا - قصفاً بغازات سامة، لم يتمكن من تحديد نوعه، على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب.
كما تسبب القصف الجوي بعشرات حالات الاختناق الأخرى، بحسب المرصد، ترافقت مع "أعراض الإغماء والتقيؤ وخروج زبد من الفم".
وتداول ناشطون معارضون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر مسعفين من الدفاع المدني، وهم يضعون كمامات ويعملون على رش المصابين الممددين على الأرض بأنابيب المياه.
في السياق رجحت منظمة "أطباء بلا حدود" قبل يومين، استخدام أسلحة كيماوية على مدينة اللطامنة شمال حماة، أواخر مارس الفائت، مؤكدة مقتل طبيب وإصابة آخرين فيها.
واتهم تحقيق مشترك، أجرته الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قوات الأسد بشن هجمات بغازات سامة، وهو ما قوبل بنفي النظام السوري مرارًا.
وفي الفترة الأخيرة، ازدادت تلك التقارير، حيث أكد تقرير أخير أعدته لجنة تحقيق أممية استخدام النظام السوري سلاحًا كيميائيًا في بلدة قميناس في إدلب، وكان تقرير سابق قد اتهم جيش النظام بهجومين بالغازات على قريتين بالمحافظة الواقعة شمال غرب البلاد.
واتهم التقرير الرابع للتحقيق الذي استمر 13 شهرًا من جانب الأمم المتحدة ومنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، قوات النظام باستخدام الغازات السامة في هجوم نفذته مروحية عسكرية على بلدة قميناس بمحافظة إدلب في 16 مارس 2015.