في الوقت الذي كشف فيه البنك المركزي المصري عن ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي خلال مارس الماضي بنحو مليار و 981 مليون دولار ، ليصل إلى 28 ملياراً و 526 مليون دولار، بدلاً من 26 ملياراً و 541 مليون دولار في فبراير الماضي، أصدر البنك تقريرا يفيد بإلتزام مصر بتسديد 12 مليار دولار ديون خارجية قبل نهاية 2017.
ورغم أن الاحتياطي ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ مارس 2011، إلا أن وتيرة ارتفاع الديون خاصة قصير الأجل منها ير تفع بوتيرة أسرع، إذ أعلن المركزي الأحد الماضي عن ارتفاع رصيد الدين الخارجي بكافة آجاله بنحو 19.6 مليار دولار، بما يعادل نحو 41% إلى 67.3 مليار دولار في نهاية 2016، مقابل 47.7 في الفترة المناظرة من 2015.
هذه المفارقة تثير الكثير من الأسئلة تدور في معظمها حول قدرة احتياطي البلاد على مواجهة هذه الديون؟، وهل يستطيع الصمود والثبات على هذه القيمة المرتفعة أمام الديون الخارجية المتفاقمة.. "مصر العربية" تحاول الإجابة على هذا السؤال خلال هذا التقرير:
موجة القروض
ينظر إلى الاقتصاد المصري في الوقت الحالي على أنه قائم على القروض والمنح الخارجية حتى اﻵن، بحسب خبراء اقتصاديين، إذ تتبني الحكومة برنامج إصلاح اقتصادي، حصلت بمقتضاه علي 2.75 مليار دولار تمثل الشريحة الأولي من قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي علي مدار ثلاث سنوات.
وحصلت مصر على الشريحة اﻷولى من قرض من بنك التنمية اﻹفريقي بمبلغ 1.5 مليار دوﻻر، في حين أنها تسلمت قرض عن طريق السندات الدولية بقيمة 6 مليارات دوﻻر، ونجحت الحكومة في تسويق 2 مليار دوﻻر.
كما حصلت مصر على عدة مليارات من كلٍ من البنك الدولي والصين وكذلك اﻻتحاد اﻷوروبي، وكان البنك المركزي قد تسلم فعلياً الشهر الماضي 1.5 مليار دولار من البنكين الدولي والأفريقي للتنمية تمثل الشريحة الثانية، ضمن اتفاقية قروض بقيمة 4.5 مليار دولار تم الاتفاق عليها أواخر 2015.
وكان نائب وزير المالية للسياسات المالية، أحمد كوجك، قال الأربعاء، إن الحكومة تستهدف الحصول على تمويل خارجي قدره تسعة مليارات دولار في السنة المالية 2017-2018، من الأسواق والمؤسسات المالية الدولية.
وهم اﻻحتياطي النقدي
خبير سوق المال، الدكتور وائل النحاس رأى أن تلك النسبة المعلن عنها بارتفاع اﻻحتياطي اﻷجنبي، تعد انخفاضا في قيمته، قائلا: في مارس 2016 بلغ الاحتياطي النقدي حوالي 16.5 مليار دولار، في حين أنه قفز في مارس 2017 إلى 28.5 مليار دولار مسجلا أعلى مستوى منذ مارس 2011، مما يشير إلى أن قيمة الارتفاع خلال تلك الفترة حوالي 12 مليار دولار، ويأتي ذلك في مقابل ارتفاع الدين الخارجي خلال 2016 بنحو 19.6 مليار دولار.
وأضاف النحاس، في تصريحات لـ"مصر العربية" أن اعتماد على تلك النسب كان من المفترض أن يرتفع الاحتياطي بنسبة 19.6 مليار دوﻻر، مما يشير إلى ارتفاعه بنسبة 12 مليار يعد انخفاضا في منسوبه الطبيعي، بحيث أنه كان من المفترض أن يصل الاحتياطي حاليا إلى 36.1 مليار دولار.
وأشار "النحاس" إلى أن اﻻرتفاع المعلن عنه من زيادة اﻻحتياطي النقدي، لن يساهم في خفض أسعار السلع والخدمات، وكذلك المنافع التي تقدمها الحكومة للمواطن، موضحا أن انخفاض اﻷسعار ترجع إلى العديد من العوامل بعيدا عن نسب اﻻحتياطي النقدي الحالي، تأتي في مقدمتها زيادة الإنتاج وترشيد نسب اﻻستيراد من الخارج، وتصنيع الخامات محليا، واﻻتجاه نحو التصدير إلى الخارج، إضافة إلى تقليل نسب عجز الميزان التجاري.
وحول الخطوات التي تنتهجها الحكومة حاليا من أجل اﻻصلاح الاقتصادي، قال النحاس، إن الحكومة تعتمد على جمع الضرائب من المواطنين وكأنها تتعامل بمبدأ جمع "الجباية"، ﻻفتا إلى أن المنظومة الحالية تفتقر إلى العدل في الفروض التي يتحملها المواطنون، والتى تصنفهم على فقير ومواطن بسيط ورجل أعمال.
ديون عاجلة
في المقابل أعلن البنك المركزي المصري في آخر تقرير له، أن متوسط نصيب المواطن من الدين الخارجى المستحق على مصر، ارتفع ليسجل 691.9 دولار، ما يعادل12578 جنيهًا، بنهاية ديسمبر 2016، مقارنة بـ491.4 دولار، ما يعادل 8930 جنيهًا، فى نهاية ديسمبر 2015، موضحًا أن إجمالى أرصدة المديونيات المستحقة على مصر بلغت نحو 67 مليار دوﻻر. وكشف أن إجمالى الدين قصير الأجل، أقل من عام، المستحق على مصر وواجب السداد قبل نهاية ديسمبر 2017، يبلغ 11.9 مليار دوﻻر من إجمالى الديون الخارجية المستحقة على مصر، والبالغ 67.3 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2016.
الموازنة هي "الكفيل"
الخبير اﻻقتصادي، ماهر هاشم، استبعد أن يساهم اﻻحتياطي اﻷجنبي في قضية سداد الديون المصرية، موضحا أنه يتم تحديد نسبة 25% من الموازنة العامة للدولة مخصصة للديون الخارجية.
وأوضح في تصريحات لـ"مصر العربية" أن قيمة اﻻحتياطي اﻷجنبي يتم توظيف قيمته في المشروعات اﻻستثمارية والمصانع اﻻنتاجية لتداول تلك الأموال بالسوق المالي.
وأشار إلى أن الطبيعي لاستخدام اﻻحتياطي النقدي اﻷجنبي أن تعود نتائجه بمبالغ مضاعفة للقيمة اﻷساسية بعد استخدامه في المشروعات الاستثمارية، مؤكدا أن انخفاض نسب الاحتياطي النقدي دليل واضح على التدهور اﻻقتصادي بشكل عام، وسوء اﻹدارة اﻻقتصادية بشكل خاص.
وأرجع "هاشم" أن أهم أسباب إرهاق الموازنة العامة ترجع إلى زيادة نسبة اﻻنفاق الحكومي وعدم وضع أليات لترشيد اﻻستيراد الخارجي، وتجاهل الحكومة لوضع روشتة لخفض نسبة عجز الميزان التجاري، موضحا أن ارتفاع اﻷسعار في اﻵونة اﻷخيرة ترجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل متواصل.
اﻻحتياطي الأجنبي يستطيع
وفي المقابل، قال الخبير اﻻقتثصادي الدكتور أحمد عبدالحافظ، إن اﻻحتياطي اﻷجنبي قادر على سداد ديون مصر الخارجية المستحقة لهذا العام، مشيرا إلى أن قيمة اﻻحتياطي النقدي تغطي تغطي قيمة الديون بشكل وفير.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن اﻻحتياطي النقدي اﻷجنبي ارتفعت قيمته بعد قرار تعويم الجنيه، موضحا أنه ساهم في جذب اﻻستثمارات الخارجية.
ولفت إلى أن هناك عدة مصادر أخرى من المقرر أن تساهم في القدرة على تسديد الديون الخارجية، منها انتعاش السياحة، وترشيد النفقات وتقليل نسب السلع المستوردة، ورفع قيمة المنتج المصري إلى الخارج.
وأشار إلى أن الاقتصاد المصري يمر اﻵن بحالة تعافي، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية تعد مرحلة علاج للانهيار السابق، والذي يستوجب تحمل القرارات الاصلاحية الحالية.