جولة جديدة من المناوشات بين حكومة بغداد وإقليم كردستان، وذلك بعد قرار نجم الدين كريم محافظ كركوك برفع علم إقليم كردستان إلى جانب علم الدولة العراقية على جميع المباني الحكومية بكركوك، واستخدام اللغة الكردية في المخاطبات الرسمية إلى جانب العربية.
مجلس النواب العراقي ردَّ على الأمر، فأقرَّ أحقية رفع العلم العراقي فقط، ورفض رفع علم "كردستان" على مؤسسات محافظة كركوك وأبنيتها، بجانب اعتبار نفط المحافظة ثروة وطنية عراقية وجب توزيعها بالتساوي بين محافظات العراق.
"مجلس كركوك" على لسان رئيسه ريبوار الطالباني أكمل جولة الصراع، فأكَّد أنَّ مجلس المحافظة باق على موقفه بشأن قرار رفع علم الإقليم على المباني الحكومية بالمحافظة، واعتبر الأمر قانونيًّا ودستوريًّا.
مناطق متنازع عليها
شيركو حبيب رئيس ممثلية الحزب الديمقراطي الكردستاني في القاهرة قال إن رفع العلم شيء اعتيادي ولم يكن بحاجة إلى كل هذه الضجة من قبل برلمان العراق وبعض الجهات التركية خاصة الجبهة التركمانية، لأن هذه المناطق متنازع عليها ولا يجوز لأي طرف فرض إرادته على الأطراف الأخرى لحين تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي و الذي صوت له أكثرية الشعب العراقي بكافة مكوناته.
وتابع: من حق الشعب الكوردي رفع علمه في كركوك لأن أكثرية سكان كركوك من الكورد، ثانيا العراق دولة فيدرالية حسب الدستور، لذا يمكن رفع العلم في أي بقعة من العراق مع العلم العراقي نظرا لأن كركوك وكردستان إلى الآن جزءا من الدولة العراقية الفيدرالية.
وتساءل القيادي الكردي: لماذا يجوز رفع علم الجبهة التركمانية في أربيل عاصمة الإقليم بكل ويرفضون علم كردستان؟.. ولماذا تتدخل الدول الإقليمية في شأن عراقي داخلي، مؤكدا أن رفع العلم ليس لإهانة لأي مكون عراقي بل رفع العلم في حد ذاته أمرا دستوريا.
وحول أن يكون هذا الأمر بداية الانفصال أم لا، أكد حبيب على أنه ليس انفصالا بل استقلالا لأن هذا العلم مرفوع على مقرات الأحزاب الكردستانية في كركوك منذ تحرير المدينة، وهذا لن يؤدي إلى الاقتتال بين القوات الكردية والجيش العراقي، بل بالعكس القوات الكردية "بيشمركة كردستان" تشارك قوات الجيش العراقي في الحرب ضد أعداء العراق من الإرهابيين.
وأشار القيادي الكردي إلى أنه "ربما يكون هناك محاولات من قبل بعض الأطراف داخلية كانت أو خارجية لخلق هذه الأجواء ولكن هذه المشاكل يحلها العراقيون بكافة طوائفهم".
ونوه شيركو إلى أن رفع العلم لا يعني استقلال كردستان، و لا تجزئة كركوك من العراق مضيفا "نحن ككرد نحترم مواد الدستور ونطالب بحل المشاكل والخلافات حسب الدستور وخاصة المواد التي تخص المناطق المتنازع عليها"
تصرف تحرري
الدكتور محمود زايد المتخصص في الشأن الكردي يرى أن قيام محافظة كركوك برفع علم إقليم كردستان لم يكن خيارا عشوائيا، وإنما جاء بعد مرحلة طويلة من الدراسة والإعداد، حتى أن البعض يقول إنه تأخر عن موعده ١٤ سنة، وآخرون يقولون إنه تأخر عن موعده ١١ سنة، ثم جاءت الفرصة بعد نجاح قوات البيشمرگة والأسايش بتحرير كركوك من داعش التي احتلتها من القوات العراقية.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" الحكومة العراقية تتنكر من بعض ما تقوم به حكومة إقليم كردستان من حماية الحدود العراقية، وتزيد هوة الأزمة المالية على الإقليم باستمرارية قطع حصته في الميزانية المركزية.
وبالتالي بدأت حكومة الإقليم بالتصرف التحرري بتدرج محسوب للخروج من الأزمة، بناحيتها الاقتصادية والسياسية، والتي كانت عملية رفع علم كوردستان بجوار العلم العراقي في كركوك جزءا منها.
وأشار زايد إلى أن حكومة الإقليم استندت إلى أنه لا يوجد نص في الدستور العراقي يمنع رفع علم كوردستان على المناطق المتنازع عليها، بل بررت أن الحكومة العراقية تهربت منذ ٢٠٠٥م من تطبيق المادة ١٤٠ حتى لا يتمكن مواطنو المناطق المتنازع عليها من تقرير مصيرهم.
وتابع: مع التداعيات المركزية والإقليمية حول عملية رفع العلم سيكون هناك اجتماعات مكثفة للتفاوض، ولن تخرج حكومة اقليم كوردستان خالية الوفاض.
اتفاق سري
وفي تصريحات سابقة لـ"مصر العربية"، قال الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية -لـ"مصر العربية"- إنَّ التصعيد بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطات الإقليم يفترض أن يكون موجودًا، غير أنَّه أعرب عن تصورُّه بأنَّ "اتفاقًا سريًّا" يجرى حاليًّا بين الطرفين.
وأضاف: "المسألة لا تتعلق فقط بكركوك لكن بتحديد مدينة الموصل وضم سهل نينوى.. الأكراد يريدون ضم الموصل وسهل نينوى بجانب كركوك أيضًا".
غباشي أشار إلى تصريح لمسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان تحدث فيه عن استفتاء قريب على الاستقلال عن العراق، موضِّحًا أنَّ بارزاني يسعى لضمان ضم القطعة المتنازع عليها في الموصل قبل إجراء الاستفتاء.
ما يراه غباشي أكثر خطورة أنَّه بعد سيطرة البشمركة وكردستان على كركوك وتم الإعلان عن ضمها للإقليم، خرج بارزاني في مؤتمر صحفي قبل نحو عامين يتحدث عن "انتهاء المادة 140 من الدستور العراقي بضم كركوك إلى الإقليم"، متابعًا: "إذا كانت الحكومة المركزية في بغداد لديها اعتراض أو رفض لحديث بارزاني كان عليها اتخاذ إجراءات لكنَّ مرَّ الأمر دون تدخل".
الخبير الاستراتيجي اعتبر أنَّ رفع العلم الكردي على المباني الحكومية في محافظة كركوك هو أمر واقع، وقال: "علينا إدراك أنَّ الأكراد لديهم حلم وهو إقامة الدولة، وهم يمثلون الأقلية الوحيدة الباقية في العالم دون دولة.. هناك 30 مليون كردي، بينهم نحو 16 مليونًا داخل تركيا، وفي حدود 14 مليونًا موزعين بين سوريا والعراق وإيران".
غباشي رسم خريطةً لـ"لحلم الدولة الكردية"، فتضم كما أوضح: "حلم الدولة الكردية يتم تحقيقه في كردستان العراق، لهذا عند الحديث عن الموصل أو كركوك أو سهل نينوى يهدف ذلك إلى تشكيل حلقة وصل بين الإقليم الشمالي السوري وهو يمثل الجزء الكردي داخل سوريا، المتمثل في عين العرب كوباني وإعزاز وصولًا إلى منبج، وهي عبارة عن شريط يتحذ جزءًا من الحسكة وجزءًا من إدلب".
التصعيد بين بغداد والإقليم وصفه غباشي بـ"المتأخر"، متسائلًا: "سلطات بغداد لم تفعل شيئًا عندما تحدث بارزاني عن ضم كركوك إلى الإقليم فلماذا التصعيد حاليًّا؟".
الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق قال إنَّه قادم لا محالة، غير أنَّه أوضح أنَّ هذه الأزمة لا تؤثر على سير العمليات العسكرية في العراق ضد تنظيم الدولة "داعش" وتحديدًا في الموصل، حيث أوضح أنَّ الاستفتاء لا يمكن إجراؤه في الوقت الراهن.
وأشار إلى أنَّ هناك مطالب كثيرة لإعادة ترتيب الوضع في الموصل عقب تحريرها من قبضة تنظيم "الدولة"، وأن يكون سهل نينوى ملحقًا بالموصل، وبالتالي يتحقق حلم الدولة الكردية، تضم - كما قال - فضلًا عن المناطق في الموصل، أربيل والسليمانية ومنطقة الإيزيديين "سنجار" ثمَّ كركوك، ومنها إلى الموصل ثمَّ إلى سهل نينوى.
السلطات المركزية العراقية - كما يرى غباشي - لا يمكنها استخدام القوة العسكرية، فيقول عن ذلك: "البشمركة كتسليح وعلاقة بالخارج أصبحت قوية، فالسلاح بات يصل من الخارج إلى الأكراد مباشرةً وليس عن طريق الحكومة المركزية".
العراق اعتبرها غباشي مقسمةً بالفعل وإن كان غير معلن، وذلك من خلال طريقة الحكم في أقاليمها الإدارية، فقال: "في العراق شريط سني يتمثل في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى، ومنطقة كردية هي إقليم كردستان العراق وجزء من الموصل يتمثل في جزء من نينوى وسهل نينوى وإقليم كركوك، ومنطقة شيعية بقية المحافظات الأخرى".
وبالنظر إلى نظامي الحكم فيهما، اعتبر غباشي أنَّ الوضع في العراق أقرب ما يكون إلى لبنان، فقال: "رئيس الجمهورية يكون مسلمًا كرديًّا، ورئيس الوزراء مسلم شيعي، ورئيس البرلمان مسلم سني".
نظام الحكم هذا انتقده غباشي، معتبرًا أنَّه يهدِّد كيان الدولة، محذِّرًا من خطورة وجود ميليشيات هناك تعمل في خارج نطاق الدولة.