القاهرة مزدحمة دائمًا، الأرصفة لا تخلو من المارة ليلاً أو نهارًا، ومحلاتها لا تغلق الأبواب، غير أنها بدت على غير عادتها صباح السادس من أبريل عام 2008، حيث الشوارع شبه خالية، وعربات الأمن المركزي تنتشر في الشوارع الرئيسية والميادين تترقب عقارب الساعة وحركة المارة، بعد دعوات شبابية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للإضراب :"خليك في البيت.. اوعى تنزل"
بحلول الثانية من ظهر اليوم نفسه، تغير المشهد تدريجيا مع اشتعال مظاهرات بميدان التحرير وأمام نقابة المحامين وبميدان الجيزة، وفي المحلة كانت المظاهرات أشد من مثيلتها في العاصمة، وتحديدا بميدان الشون.
إضراب المحلة
بمجموعة على موقع التواصل الاجتماعي بدأت تلك الأحداث تحمل اسم "6 إبريل إضراب عام شعب مصر"، أسسه أحمد ماهر وتضامن معه كثيرون حتى بلغ الرقم نحو 75000 مشترك، وكان ذلك الرقم كبيرا لعدم رواج استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لدى المصريين بشكل كبير وقتها.
خرج العمال بأعداد كبيرة، وتحولت الميادين لساحات معارك واجه فيها الأمن المتظاهرين بالغاز والرصاص، وألقى القبض على كثيرين، كان منهم أحمد ماهر وإسراء عبد الفتاح، اللذين خرجا بعد أسبوعين تقريبا، وشاركا معا في أول لقاء تنظيمي للحركة بحلول يونيو من عام 2008.
كان الأمن يلاحق نشاط الحركة في الشارع، فلجأت إلى الفضاء الإلكتروني، وحينما عقد الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مؤتمره السنوي في عام 2009، نظمت الحركة مؤتمرًا موازيًا على شبكة الإنترنت بعنوان"مؤتمر القلة المندسة تحت رعاية 6 أبريل.. هنا القاهرة وليس الجابون"؛ استضافت فيه خبراء في السياسة والاقتصاد للرد على دعاية الحزب الوطني.
الحشد ليناير
قبل 25 يناير 2011، وزعت الحركة آلاف المنشورات الداعية إلى المشاركة، بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشرطة، وحملت المنشورات عنوان "أنا نازل يوم 25 يناير أجيب حقي".
على موقع التواصل الاجتماعي كانت الدعوة بعنوان "فعلتها تونس" ووجهت الحركة نداء لكافة الشباب للتعبير عن رفضهم لما أسموه "بعض الممارسات التي تنتهجها وزارة الداخلية".
وقبل حلول موعد التظاهر المقرر بأسبوع واحد، أعلنت الحركة حزمة مطالب تمثلت في: إقالة وزير الداخلية، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وحل مجلسي الشعب والشورى.
لكن بحلول 25 يناير ظهر مطلب "إسقاط النظام" مثلما تخيله أحمد ماهر في تدوينة نشرها عام 2008 قال فيها: "هل صدق القائل بإمكانية حدوث معارضة مليونية تتوجه للقصر الرئاسي لتسقط النظام ويهرب اللصوص؟؟.. ربما".
الانشقاقات
في أغسطس من عام 2011، انشق فصيل من الحركة واختار لنفسه اسم "الجبهة الديمقراطية" ردا على تمسك ماهر بمنصبه منسقا عاما على رأس الحركة.
وبحلول انتخابات الرئاسة عام 2012، تفاقمت الخلافات بإعلان جبهة أحمد ماهر دعم الرئيس الأسبق محمد مرسي، فانشقت مجموعة أخرى باسم "الجبهة الثورية"، معلنين مع "الجبهة الديمقراطية"، مقاطعة تلك الانتخابات.
ومع صدور الإعلان الدستوري أعلنت جبهة ماهر رفضها، وقالت إن حكم مرسي "تكريس للاستبداد"، وشاركت في التظاهرات ضده، وأطلقت حملة بشعار "انزل" لدعوة الناس للمشاركة في مظاهرات 30 يونيو.
ورغم تحمس الحركة لمظاهرات الثلاثين من يونيو، إلا أنها سرعان ما اختلفت، بشقيها، حول خارطة الطريق المعلنة في الثالث من يوليو، وما تبعها من أحداث، بدءًا بتشكيل حكومة الببلاوي وحتى فض اعتصامي الإخوان المسلمين في رابعة العدوية والنهضة.
حركة إرهابية
وبحلول نوفمبر من عام 2013 ألقى الأمن القبض على أحمد ماهر، ومحمد عادل، عضوي الحركة، بتهمة التظاهر من دون تصريح، ثم عانت الحركة من حالة ركود ضربتها لأشهر طويلة، وزاد وضعها سوءًا بعد إعلان القضاء في الثامن والعشرين من أبريل 2014، الجماعة، كيانا محظورًا مع مصادرة ممتلكاتها.
ثلاث سنوات قضاها ماهر وعادل قيد السجن، وخرجا مؤخرًا على أن يظل الاثنان قيد المراقبة لثلاث سنوات أخرى، بأقسام الشرطة التابعين لها.
في الثاني والعشرين من سبتمبر 2015 طالت يد الأمن عضو الحركة زيزو عبده ومنسقها عمرو علي، بتهمة التظاهر، خرج زيزو عبده قبل أن يعود للسجن مرة أخرى، ضمن المحتجزين في قضية مظاهرات "تيران وصنافير"، ثم أخلي سبيله مؤخرا بتدابير احترازية.
إلى نقطة الصفر عادت الحركة الشبابية في ذكراها التاسعة، ما يجعل فقرة كتبها مؤسسها أحمد ماهر في 2008 صالحة للتداول في 2017: "بالتأكيد الطريق طويل، لكنه ليس مستحيلا، نحاول الآن ترتيب الأوراق ومعالجة الأخطاء والتقييم، بالتأكيد يتطلب تحقيق حلم التغيير العمل الجاد والإخلاص ثم سياسة النفس الطويل، وقتها فقط سنعلم جميعا أي وسائلنا أكثر فاعلية وكيف نأتي بوسائل جديدة ومتى؟".