بعد «عشرين سنة خدمة».. عمال «هني ويل» في الشارع

جانب من عمال شركة هني ويل أمام المصنع

في غرفة رعاية مركزة خلت من كل شيء إلا من سرير قديم وبطانية متواضعة، ترقد نجوى التي أضربت عن الطعام منذ خمسة أيام غائبة عن وعيها الذي يرفض حقيقة فصلها من الشركة التي تفانت في خدمتها أكثر من عشرين عاما.

 

«الزيارة ممنوعة عنها».. يقول المسؤول الجالس في بهو مستشفى التأمين الصحي بمدينة العاشر من رمضان لكل من أراد الاطمئنان على صحة نجوى فؤاد (54 عاما) مراقبة إنتاج بشركة هني ويل للحلويات والشيكولاته، التي يقع مقرها في المنطقة الصناعية الثالثة بمدينة العاشر من رمضان.

 

يرفض المسؤول ذاته الإفصاح عن أسباب منع نجوى من الزيارة حتى لدقائق معدودات، مصرا على أن السماح بزيارتها يعرضه للمساءلة من جانب إدارة المستشفى غير أنه سمح لمحررة «مصر العربية» بالزيارة بعد محاولات حثيثة لكنه احتفظ بهاتفها وبطاقة تحقيق الشخصية.

 

 

وقبل الدخول مباشرة إلى غرفة «نجوى»، يصعد «ناصر» الدرج إلى الطابق الثالث، حيث تمكث والدته متمتما: «نصحت والدتي بعدم الإضراب عن الطعام نظرا لحالتها الصحية لكنها فضلت الموت على حياة لا تحصل فيها على حقوقها عقب فصلها تعسفيا الأسبوع الماضي».

 

بملامح عابسة ينظر الشاب العشريني الذي تخرج حديثا في الدبلوم الصناعي إلى المحاليل المعلقة لوالدته، قائلا: «إدارة الشركة فصلتها لاعتراضها مع زملائها في 4 سبتمبر الماضي على تقاضي راتبها شريطة الإمضاء على إيصالات أمانة.

 

يضيف ناصر لـ«مصر العربية» أن والدته التي تتحمل مسؤوليته وأخوته منذ نعومة أظافرهم تصدت لرئيس الشركة الذي حرر ضدها محضرا يتهمها فيه بالاعتداء عليه وفي المقابل حررت نجوى محضرا ضد رئيس الشركة.

 

 

«ناصر» الذي التحق حديثا بالعمل في إحدى شركات القطاع الخاص يتخوف من مصير والدته، شاكيا من انعدام الأمان الوظيفي: «ممكن في لحظة أكون في الشارع وسط الغلاء ده».

 

من الطابق العلوي إلى نظيره السفلي لا يختلف حال عمال الشركة الذين تجمعوا للاطمئنان على زملائهم المضربين، بعضهم يجلس صامتا واضعا يديه على خده بينما يمشي آخرون بخطى متثاقلة مرددين: «والله مظلومين».

 

 

على بعد خطوات منهم وفي غرفة جانبية يتفقد هاني الشيخ عضو اللجنة النقابية «جمال عبد القادر والمهندسة فوزية» المضربين عن الطعام قائلا: «رئيس مجلس الإدارة يريد تصفية العمال دون صرف مستحقاتهم المالية إذ حاول تغيير اسم الشركة وسجلها التجاري تمهيدا لبيعها».

 

المحضر الذي يثبت عدم إضراب العمال

 

تأكدت نية رئيس مجلس الإدارة أحمد منصور الضبع بتصفية العمال وبيع الشركة التي اشتراها عندما نقل 10 من العاملين إلى مصنع وهمي في مدينة السادس من أكتوبر ورفع بطاقات حضور وانصراف بعض من العاملين ومنع المواصلات أيضا عنهم - بحسب هاني الشيخ.

 

 

يتداخل معه السيد عبد الوهاب أحد أعضاء اللجنة النقابية، مضيفا أن رئيس الشركة حرر محضرا ضد العمال في 4 سبتمبر يتهمهم بالإضراب عن العمل لكنهم حرروا محاضر في مكتب العمل وقسم شرطة العاشر من رمضان يثبت عدم إضرابهم.

 

 

«السيد والشيخ» يرجحان حدوث تلاعب ما في مستندات القضية ما جعل المحكمة العمالية في بلبيس بمحافظة الشرقية تقضي بفصل 23 عاملًا الخميس الماضي، ما جعل العمال يدخلون في مفاوضات مع وزارة القوى العاملة لم تسفر عن شيء حتى الآن.

 

المستند الذي يعتقدالعمال أنه مزور

 

«إحنا ماشيين بالضالين والله».. صوت واهن يأتي من الخلف ينبه الحضور إلى «جمال عبد القادر» المستلقي على سرير في أقصى يمين الغرفة بعدما أنهك الإضراب جسده النحيل.

 

 

يعمل عبد القادر (54 عاما) وأب لخمسة أبناء في الشركة منذ 26 عاما مراقبا للإنتاج لا يتجاوز راتبه 1590 جنيه لكنه راضيا بما قسمه الله غيرأنه وجد نفسه فجأة في الشارع بدون داع كما يقول لـ«مصر العربية».

 

يتحشرج صوت «عبد القادر» منخرطا في البكاء بينما يحاول الجميع تهدئته لكنه يواصل: «أنا زوجت ابنتي في شهر 11 الماضي وجهازها بالقسط ووقعت على إيصالات أمانة بيضاء وممكن اتسجن في أي لحظة إزاي بعد ثورتين يحصل ده كله».

 

 

في السرير المجاور لجمال تحاول المهندسة فوزية الاعتدال قليلا لكن محاولاتها تنتهي بالفشل تستسلم لضعفها فترقد مجددا بلا حراك رافضة مطلقا إنهاء الإضراب الذي بدأته منذ الأحد الماضي، قائلة: «أنا لو مت ولادي الأربعة هيلاقوا معاش ياكلوا منه لكن لما اترمي في الشارع هايكلوا منين».

 

تنفجر المهندسة الأربعينية المسؤولة عن المعمل في البكاء، مرددة «مظلومة و الله معملتش حاجة مفيش مكان هيرضى يشغلني علشان سني كبير».

 

تترواح أعمار معظم العاملين في شركة "هني ويل"، والبالغ عددهم 450 عاملا، ما بين 40 إلى 55 عاما، ما يمثل عائقا أمام حصولهم على فرصة عمل جديدة.

 

في المقابل، يقول أشرف  الدوكار رئيس اتحاد عمال العاشر من رمضان والوسيط بين إدارة شركة هني ويل والعمال إن رئيس مجلس الإدارة  لا يريد بيع الشركة، مضيفا أن صاحب الشركة له مطلق الحق في تغيير اسمها وسجلها التجاري.

 

ويوضح الدوكار  لـ«مصر العربية» أن المفاوضات جارية الآن  بين إدارة الشركة ووزارة القوى العاملة لحل أزمة المفصولين الذين وصفهم بـ«كبش فداء» لآخرين نظموا وقفة احتاجية منذ أربعة  أشهر.

 

وبحسب العمال فإن أحد البنوك يتحفظ على الشركة التي تأسست في مطلع التسعينات بسبب ديون المالك الأصلي في 2009 وبعد ذلك تعاقب على الشركة ثلاثة من رجال الأعمال كل منهم فصل العديد من العاملين تمهيدًا لبيع الشركة.

مقالات متعلقة