تتزايد التكهنات بين الحين والآخر حول سعي حكومات عربية لتعويم عملتها المحلية مقابل سلة العملات الأجنبية، على غرار ما فعلته مصر قبل نحو 5 أشهر، في خطوة تراها تلك الدول إنها قد تساعدها على تجاوز أزماتها الاقتصادية.
وحررت مصر سعر صرف عملاتها أمام العملات الأجنبية في نوفمبر الماضي، في خطوة تهدف لاستقرار سوق الصرف لديها والقضاء على السوق السوداء للعملة.
وعادة ما يقدم صندوق النقد الدولي لدول مثل مصر والمغرب والأردن والعراق والسودان، النصيحة لحكوماتها بتعويم سعر صرف العملة المحلية، وفرض ضرائب جديدة ورفع الأسعار والتخلي عن سياسة الدعم بهدف دعم اقتصاداتها التي تعاني أوضاع غير جيدة.
ويعني تعويم العملة، جعل سعر صرفها محررا بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديد سعر صرفه بشكل مباشر، وإنما يتم تلقائيا من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
واختلفت آراء الخبراء والمحللين الاقتصاديين، حول تحرير أسعار صرف العملات فمنهم من رأى إنه قرار إيجابي يسهم في إعادة التوازن للاقتصاد، فيما يرى آخرون إنه سيساهم في زيادة معدلات التضخم ويشعل الأسعار ويدفعها نحو مستويات مرتفعة غير مسبوقة كما يحدث في مصر حاليا.
ويعاني المستهلكون في مصر من ارتفاع كبير في الأسعار منذ أن قررت الحكومة المصرية تحرير سعر صرف العملة، في إطار خطتها للإصلاح الاقتصادي والتي حصلت بموجبها على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار.
ثمار إيجابية
وقال جمال عجيز، الخبير الاقتصادي (مصري مقيم في الإمارات)، إن قرار تحرير سعر صرف العملة قد يؤتي ثمار إيجابية في بعض الأمور دون الأخرى مثلما حدث في مصر.
وأضاف في تصريح للأناضول، "لقد بدأت مصر تشهد نمواً في الودائع المصرفية والتحويلات، وبدأ هناك انجذاب واضح نحو الأسهم والسندات المصرية، لكنه في الوقت ذاته هناك ارتفاعات كبيرة في الأسعار ومشاكل اقتصادية جمة".
وزاد: "إن ترك تحديد سعر العملة للأسواق في المغرب – على سبيل المثال - من دون أي تدخل أو توجيه من الدولة، قد يكون أكثر إيجابية من دول أخرى، خصوصا وأن هذا الإصلاح جرى الترتيب له منذ فترة وبتحضيرات كبيرة وسيتم تنفيذه بشكل تدريجي.
وستبدأ المغرب في تعويم سعر صرف الدرهم المغربي بالتدريج ابتداء من النصف الثاني من العام الحالي 2017، بعد فترة قضتها مؤسسات الدولة وهي تعمل على تهيئة الأجواء المحلية لعملية تعويم سعر صرف الدرهم والدفاع عنها.
ويرتبط الدرهم المغربي في الوقت الحالي إلى حد كبير باليورو ولكن في خطوة نحو مرونة أكبر خفض البنك المركزي وزن اليورو في سلة العملات إلى 60% من 80% في أبريل 2016 بينما رفع وزن الدولار إلى 40% من 20%.
ويرى البنك المركزي المغربي أن هذه الخطوة مهمة لمواكبة انفتاح البلاد على الاقتصاد العالمي، وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد والمساهمة في تعزيزها وكذلك تخفيف الاختلالات والصدمات الخارجية، فضلاً عن الحد من الضغوط على احتياطات النقد وتجنب أزمات الصرف.
وأشار عجيز إلى أن هنا عدة تجارب على الصعيد العالمي لتحرير العملة، حققت نجاحاً خصوصا في الصين والهند، "لكن اعتقد ان الموضوع برمته يحتاج إلى مزيد من الدراسات قبل التنفيذ خصوصا فيما يتعلق بالأسر الفقيرة إذ يسهم التعويم في ضعف الدخل الحقيقي لتلك الأثر ويؤثر على الانفاق الاستهلاكي لهم".
وحررت دول عدة مثل الصين والهند والبرازيل والأرجنتين وماليزيا سعر صرف عملتها، لكن هذه التجارب لم يحالفها النجاح بنسبة كبيرة إلا في الصين والهند بفضل الصادرات المرتفعة وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجيا ومحليا.
ارتفاع المديونيات
من جانبه، قال محمد العون، الخبير والمحلل الاقتصادي، إن دول مثل السودان تعاني في الوقت الراهن من ارتفاع كبير في معدلات التضخم مدفوعة بسياسة تعويم سعر صرف عملتها مقابل الدولار الذي تبنته الحكومة نهاية عام 2015.
وتشهد أسعار المواد الغذائية في أسواق السودان ارتفاعاً بنسبة 32% الشهر الماضي، ما يؤشر على صعود كبير في معدلات التضخم، وفق الجهاز المركزي للإحصاء في جنوب السودان، وهو ما أرجعه مسؤولون إلى نقص معروض السلع وتراجع قيمة العملة الوطنية (الجنيه) بسبب التعويم.
وفي ديسمبر 2015، أعلن البنك المركزي في جنوب السودان تبني سياسة اقتصادية جديدة، ترمي إلى تعويم سعر صرف الجنيه الجنوبي في مواجهة الدولار الأمريكي، عن طريق توحيد سعر الصرف الرسمي للعملة الصعبة (الدولار) في البنك والسوق الموازية، وقفز سعر صرف الجنيه الواحد أمام الدولار من 2.9 جنيه في البنك المركزي، إلى 30 جنيهاً.
وأضاف العون، إن هناك تكهنات لكنها غير رسمية حول عزم الأردن تعويم عملته المحلية (الدينار) خصوصا مع تزايد نزيف الموازنة واستمرار ارتفاع المديونيات.
لكنه يرى في الوقت ذاته أن هذه الخطوة مستبعد حدوثها في القريب، خصوصا وإنها ستؤثر كثيراً على الطبقة الفقيرة والمتوسطة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها البلاد.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، يثبّت الأردن عملته المحلية عند 1.41 دولار أميركي للدينار الواحد، وهي السياسة النقدية ذاتها التي تعتمدها دول مجلس التعاون الخليجي الست.
وقال العون، أن تحرير سعر صرف العملات رغم إيجابياته الكثيرة فيما يتعلق بزيادة تنافسية الدول مع انخفاض أسعار سلعها في الأسواق الخارجية، لكنه يضع مزيد من الضغوط على الطبقات الفقيرة إذ ترتفع أسعار السلع والمنتجات بشكل كبير.
وزاد العوان أن التعويم يسهم أيضًا في إنعاش القطاعات السياحية من خلال جذب مزيد السياح نتيجة انخفاض قيمة العملة، وبالتالي زيادة العوائد السياحية، فضلا عن زيادة الاستثمارات الأجنبية وارتفاع حجم الصادرات المصرية، وتوفير مزيد من فرص العمل.
أشكال التعويم
والتعويم إما أن يكون خالصاً، عبر ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر، أو موجهاً ويترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة.