كان التفجير الأخير في مترو الأنفاق في سان بطرسبرج، المدينة الثانية في روسيا، وأسفر عن مصرع 14 شخصا، وإصابة اكثر من 50 آخرين، هو أهم حادث إرهابي ضرب الاتحاد الروسي منذ ديسمبر 2013 عندما فجرت انتحارية نفسها في محطة القطار الرئيسية بمدينة فولجوجراد جنوب روسيا قبل دورة الالعاب الاولمبية الشتوية 2014 في سوتشي.
ويرى مراقبون أن التفجير دلالة على تفاقم مشكلة الإرهاب في روسيا، فضلا عن كونها مؤشرا على ما هو قادم.
تكلفة الموقف في سوريا
يعتبر "إيلان بيرمان" نائب رئيس في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية أن هجوم سانت بطرسبرج يمكن اعتباره رد فعل على التدخل الروسي الجاري في سوريا.
فمنذ سبتمبر 2015، أصبح الكرملين لاعبا رئيسيا في الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا، مما أدى إلى تواجد عسكري كبير ومفتوح في البلاد دعما لنظام بشار الأسد.
وأوضح بيرمان في مقال نشرته مجلة "فورن أفيرز" مشاركة روسيا عوائد استراتيجية ملموسة، مكنتها من تعزيز قاعدتها البحرية التاريخية في طرطوس، وإنشاء قاعدة جوية جديدة في اللاذقية، ونشر قوة بحرية موسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، من بين مكاسب أخرى.
ولكنها جعل موسكو هدفا للغضب الإسلامي، مع تعهد كل من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، التابعة للقاعدة السورية، بالرد في روسيا.
وربما يكون تفجير بطرسبرج بداية لمثل هذا الهجوم، وحددت السلطات الروسية المشتبه فيه الرئيسي في التفجير، أكبرجون جليلوف البالغ من العمر 22 عاما، وهو مواطن روسي مولود في قيرغيزستان له صلات مع اسلاميين متطرفين.
ومن جانبه، سرعان ما احتفل تنظيم الدولة الإسلامية بالانفجار (على الرغم من أنه لم يعلن مسؤوليته مباشرة)، مما يشير إلى أن تصرف جليلوف على الأقل يتفق بشكل وثيق مع خطط داعش بخصوص روسيا.
الحشد الجهادي في روسيا
كما يثير التفجير مشكلة اكبر تواجه الكرملين وهي، أن المسلمين الروس يزدادون تطرفا ويقومون بالتعبئة.
و يشكل المسلمون الجزء الأسرع نموا في المجتمع الروسي، رغم أنهم يشكلون أقلية بنسبة 16 % تقريبا من السكان، وفقا لتعداد البلد لعام 2010.
ويشكل مسلمو روسيا طائفة قوية ديموجرافيا، بفضل قلة حالات الطلاق، بالنسبة لغيرهم وقلة إدمان الكحول ، وارتفاع معدل. وتشير بعض التوقعات إلى أنه بحلول نهاية هذا العقد، يمكن أن يشكل مسلمو روسيا خمس مجموع سكان البلاد.
ولكن هذا لا يعني أن المسلمين متماسكون بشكل جيد، فقد تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هوية قومية متطرفة أبعدت المسلمين من السياسة المعاصرة والمجتمع، مما جعلهم عرضة لإغراء الأيديولوجيات البديلة - أهمها الإسلام السياسي.
ويمكن ملاحظة ذلك في التأثير المتزايد لمجموعات مثل داعش على الجماعات الروسية المتطرفة مثل إمارة القوقاز، الجماعة الجهادية الرائدة في البلاد. (في عام 2015، أعلنت صفوف الجماعة، التي كانت في السابق من فروع القاعدة، ولاءها رسميا لداعش وأميرها أبو بكر البغدادي.) وقد أدى موقف بوتين أيضا إلى تزايد عدد الجهاديين الروس الذين يسافرون للانضمام إلى القتال في العراق وسوريا.
و كان الحجم الحقيقي للجهاديين الروس في سوريا موضع جدل كبير. الا ان بوتين اشار خلال خطاب علني مؤخرا الى ان جهاز المخابرات العسكرية في البلاد يعتقد ان ما يقرب من أربعة آلاف مواطن روسي بالإضافة الى خمسة آلاف مقاتل من جمهوريات سوفيتية سابقة يشاركون حاليا في الحرب الاهلية الدائرة هناك.
ويكشف ما أعلنه بوتين ، أن نسبة المقاتلين الأجانب في سوريا من الاتحاد السوفيتي السابق أكبر بكثير مما يعتقد عادة في الغرب. و أفادت دراسة التي أجراها المكتب القومي الأمريكي للبحوث الاقتصادية في أبريل 2016 أن داعش نجحت في اجتذاب أكثر من 31 ألف مجند لصفوفها منذ انطلاقها في عام 2014. ومن ثم فإن المقاتلين من روسيا وآسيا الوسطى قد يشكلون ما يقرب من ثلث المقاتلين الأجانب النشطين الآن في الجماعة. ولا عجب أن خبراء مثل يفجينيا ألباتس يقدرون أن الروسية أصبحت ثالث أكثر اللغات شيوعا بين مقاتلي الدولة الإسلامية.
القادم أسوأ
ويعتقد بيرمان أن هذه الحالة توافق هوى لدى الكرملين منذ وقت طويل. فبدلا من أن تمنع السلطات الروسية تدفق المسلحين إلى الشرق الأوسط، يسرت رحيلهم كوسيلة للتخلص من مشكلة الإرهاب المحلي في الداخل. وفي الوقت نفسه، أصدرت حكومة بوتين مجموعة من اللوائح الجديدة الصارمة، بما في ذلك توسيع تعريف ما يشكل التطرف، والذي يتطلب تصاريح رسمية لممارسة الأنشطة الدينية، وتشديد الرقابة على الإنترنت – لمواصلة مراقبة المسلحين المحتملين المتبقين في البلاد (وكذلك جميع المواطنين).
ومن الناحية الظاهرية، يبدو أن هذه الاستراتيجية قد نجحت. ويتحدث مسئولو الكرملين علنا عن نجاح حكومتهم في مكافحة الإرهاب، في محاولة لإقناع العالم بأن روسيا تكسب حربها ضد الإرهاب المحلى.
ففي نوفمبر 2015، على سبيل المثال، أشاد يفجيني سيسوييف، نائب مدير جهاز الأمن الداخلي الروسي، بأن روسيا نجحت في تقليص النشاط الإرهابي "بأكثر من عشر مرات" منذ عام 2010. لكن الهجوم الذي وقع مؤخرا دليل ملموس على استمرار تعرض البلد لأعمال الإرهاب المحلية.
ومن المتوقع أن تصبح المشكلة أسوأ بكثير. ويتخوف خبراء مكافحة الإرهاب منذ فترة طويلة من أن الصراع السوري يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى نزوح المقاتلين السابقين إلى بلدانهم الأصلية والانخراط في أنشطة إرهابية محلية. وقد أصبحت هذه المخاوف أكثر حدة في ضوء الانتكاسات الأخيرة في ساحة المعركة التي تعاني منها داعش في العراق وسوريا، وهناك دلائل على أن الجماعة تحول الآن تركيزها إلى مسارح أخرى.
ونظرا لحجم المقاتلين الروس حاليا داخل داعش، لا شك أن روسيا ستكون هدفا رئيسيا لهذا الاتجاه. وبعبارة أخرى، ينذر الهجوم الأخير يأن هناك ما هو أكثر في المستقبل، يهدد أمن وحرية الروس العاديين.