تخوض أربعة أجهزة في الجزائر، بينها الجيش، حربا يومية ضد عصابات تهريب المخدرات، حتى أنها تمكنت خلال عام 2016 من ضبط 109 أطنان من "القنب الهندي" (الحشيش)، بحسب ما أعلنه الديوان الجزائري لمكافحة المخدرات وإدمانها (حكومي).
ووفق خبراء ومختصين جزائريين، فإن أغلب كميات الحشيش، التي يتم تهريبها عبر الجزائر، تأتي من الجارة المغرب، وتكون وجهتها الأصلية هي دول أخرى في الشرق الأوسط، مرورا بالجارة ليبيا، التي تعاني اضطرابات أمنية، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالعقيد معمر القذافي، عام 2011.
ويواجه المغرب اتهامات إعلامية جزائرية بغض الطرف عن عمليات تهريب المخدرات إلى الجزائر، ردا على تأييد الجزائر لـ"الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (البوليساريو) في نزاعها مع الرباط على إقليم الصحراء.
وتقول من جهتها السلطات المغربية إنها تبذل جهودا كبيرة لضبط حدودها مع الجزائر وإحباط أي عمليات تهريب في الاتجاهين.
** تزاوج المخدرات والسلاح
وفي الجزائر، تعمل كل الأجهزة الأمنية، وبينها الجيش، على مكافحة المخدرات، والسبب، حسب الصحفي الجزائري، عبدون محمد، هو أن "عصابات تهريب المخدرات تحولت إلى خطر على الأمن القومي، حيث أثبتت تحقيقات أمنية ارتباطها بعصابات تهريب السلاح من ليبيا إلى الجزائر".
محمد، وهو صحفي في صحيفة "الشروق" الجزائرية (خاصة)، تابع، أن "أغلب المخدرات المحجوزة في الجزائر جرى تهريبها من (الجارة) المغرب (حيث توجد زراعات قنب هندي)، وكانت موجهة للتهريب إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، حيث تعمل عصابات متخصصة على نقلها إلى ليبيا، ومنها إلى مصر وباقي دول المنطقة". كما يتم استهلاك كميات في الجزائر.
ووفق الصحفي الجزائري، المتابع لنشاط تهريب المخدرات، فإن "هذا النشاط تفاقم بشكل رهيب في السنوات التي تلت اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، حيث وجدت عصابات التهريب ملاذا آمنا وطرقا تهريب سهلة نسبيا في ليبيا، التي تعمها الفوضى منذ 2011 ".
** أولوية قصوى
مع هذا النشاط المتفاقم، وبحسب الصحفي الجزائري، مهدي حميم، من صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية (خاصة)، فإن "أربعة أجهزة أمنية تعمل على مكافحة تهريب المخدرات، وهي المديرية العامة للأمن الوطني (تتبع وزارة الداخلية)، وقيادة الدرك الوطني، وهي قوة أمنية شبه عسكرية (تتبع وزارة الدفاع)، إضافة إلى المخابرات، بفرعيها مديرية المصالح الأمنية ومديرية أمن الجيش (تابعة لوزارة الدفاع)".
حميم، وهو أيضا متابع لملف عصابات تهريب المخدرات، مضى موضحا، في حديث مع الأناضول، أن "نشاط مكافحة تهريب المخدرات في الجزائر ينقسم إلى عمليات مراقبة تقوم بها حواجز أمنية للشرطة والدرك على الطرق الكبيرة والصغيرة، وخاصة الطرق التي تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب".
وتابع الصحفي الجزائري: "إضافة إلى دوريات كبيرة لقوات من الجيش والدرك في الحدود البرية، وتحقيقات وعمليات تحري ومراقبة تنفذها الأجهزة الأمنية الاستخبارية لمطاردة عصابات التهريب".
وشدد على أن "عمليات مكافحة تهريب المخدرات في الجزائر تحظى بأولوية قصوى لدى الأجهزة الأمنية، حيث تتعاون المخابرات مع الشرطة والدرك والجيش في التصدي لعصابات التهريب".
وأوضح حميم أن "عمليات مكافحة تهريب المخدرات حققت نتائج مهمة، فتم في عامي 2015 و2016 حجز أكثر من 230 طنا من المخدرات، منها 109 أطنان عام 2016، إضافة إلى ما لا يقل عن 300 مركبة بين سيارة وشاحنة".
** اقتصاد مواز
تهريب المخدرات عبر الجزائر يمثل، كما قدر الدكتور جيلالي حمود، أستاذ القانون في جامعة وهران الجزائرية، "اقتصادا مواز، حيث تتمتع العصابات بقدرات مالية ضخمة، إذ تبلغ قيمة كميات الحشيش التي حُجزت في الجزائر ما لا يقل عن 400 مليون يورو، باعتبار أن سعر الكيلوجرام الواحد يزيد عن 4 آلاف يورو".
وزاد حمود، بأن "سعر الحشيش يتضاعف عند وصوله إلى الشرق الأوسط، وهذا الأمر يشجع عصابات التهريب على تجنيد المزيد من المتعاونين، الذين ينتهي بهم الأمر في السجون".
ووفق إحصاءات رسمية، ألقت الأجهزة الأمنية الجزائرية القبض على أكثر من 37 ألف شخص عام 2016، متهمين في قضايا مخدرات، بينهم 226 أجنبيا، أغلبهم من دول إفريقية، علما بأن عدد السجناء في الجزائر لا يزيد عن 65 ألف سجين، كما أعلن وزير العدل، الطيب لوح، عام 2015.
وقال الصحفي حميم إن "قضايا تهريب المخدرات في الجزائر تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد المتهمين بعد قضايا السرقة والاعتداء.. بين كل 4 سجناء في الجزائر يوجد متهمان موقوفان بتهمة تهريب مخدرات".
** عقوبات وأرباح
وعن الردع القانوني، قال الدكتور عبد الناصر لونيس، أستاذ القانون وباحث في السياسة العقابية بالجزائر، إن "القوانين الجزائرية شددت عقوبة تهريب المخدرات، وأقصى عقوبة نطقت بها محكمة في حق متهمين بتهريب مخدرات هي السجن مدى الحياة، حيث لا ينص القانون الجزائري على عقوبة الإعدام في هذا الصنف من الجرائم".
وأوضح لونيس، في حديث مع الأناضول، أن "عقوبة مهربي المخدرات في الجزائر لا تقل في أغلب الحالات عن السجن 10 سنوات، لكن، ورغم هذا التشدد في العقوبة، فإن نشاط التهريب لا يزال مستمرا، والسبب في اعتقادي هي الأرباح المالية الكبيرة والمغرية التي يحققها المهربون".
وأردف قائلا إن "السلطات الجزائرية تدرك أنها في مواجهة عصابات جريمة منظمة لها امتدادات دولية تتجاوز الإقليم الجزائري، ولهذا تم تجنيد كل الأجهزة الأمنية في الجزائر لمواجهة تهريب المخدرات".
** خنادق وجدران
وبحسب الصحفي المتخصص في الشؤون الأمنية بالإذاعة الجزائرية، مكي خالد، فإن "اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا ووجود مناطق غير خاضعة لسيطرة أي حكومة في هذا البلد شجع عصابات التهريب على نقل كميات كبيرة من المخدرات إلى دول الشرق الأوسط، مرورا بليبيا والجزائر".
وحاليا، تتصارع ثلاث حكومات في ليبيا على الحكم والشرعية، هي حكومتان في العاصمة طرابلس (غرب)، وهما الوفاق، المعترف بها دوليا، والإنقاذ، أما الحكومة الثالثة فهي الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق).
وأضاف خالد، أنه "رغم الإجراءات الأمنية المشددة على الحدود البرية الغربية للجزائر (مع المغرب) ينجح مهربون في كل مرة في نقل شحنات من الحشيش من المغرب إلى الجزائر التي يخترقونها للوصول إلى ليبيا ".
وتابع موضحا أنه "رغم أن الحدود البرية بين الجزائر والمغرب مغلقة منذ 1994، إلا أن نشاط التهريب (يشمل هيروين وكوكايين) يتم بصفة سرية عبر هذه الحدود، حيث تنشط عصابات التهريب التي تبتكر في كل مر وسائل وطرقا للإفلات من الرقابة التي تفرضها الوحدات العسكرية الموجودة على الحدود".
ودفع هذا الوضع الجزائر، عام 2015، إلى اطلاق مشروع لحفر خنادق وبناء جدران على طول حدودها مع المغرب، كما أعلن مسؤولون، العام الماضي، عن مشروع لمراقبة الحدود مع الجارة الغربية بطائرات بدون طيار لرصد تحركات المهربين.
وأغلقت الجزائر حدودها البرية مع المغرب قبل 23 عاما، ردا على قرار الرباط فرض تأشيرة دخول على الجزائريين، بعد اعتداء إرهابي استهدف مدينة مراكش المغربية، حيث اتهمت الرباط ضباط مخابرات جزائريين بالوقوف خلف هذا الهجوم، وهو ما نفته الجزائر.