تشهد مصر، خلال الشهور الماضية، تحولا في خيارات تنظيم "داعش" الإرهابي باستهداف الأقباط، بعيدا عن مواجهات عسكرية أمنية مستمرة منذ 3 سنوات، وهو ما اعتبره خبيران أمنيان "إحراجا" للسلطات و"مساسا" بهيبة الدولة. وحمل خبيران أمنيان الأجهزة الأمنية المسؤولية الكاملة للتفجيرين اللذين وقعا أمس الأحد في بداية "أسبوع الآلام" المسيحي، مؤكدين أن استهداف كنيستين إحداهما يتواجد بها رأس الكنيسة المصرية، البابا تواضروس الثاني، وقبل أسبوعين من زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس، يحمل رسالة "تخويف وإحراج" للنظام المصري.
وأكدا أن تواصل عمليات التنظيم الإرهابي وانتقالها إلى شمال الوادي يأتي لثلاثة أسباب وهي "الخداع الاستراتيجي" ، و"ضعف التأمين"، و"تمركز فلول الخلايا الإرهابية". فيما اعتبر خبير في شؤون الحركات "الجهادية" المسلحة أن توجه التنظيم المسلح الذي يتواجد عبر ذراعه جماعة "ولاية سيناء"، التي بايعته في نوفمبر 2014، نحو "الحلقة الأضعف" وهم الأقباط، هو تعويض لخسائره في الفترة الأخيرة بسيناء. ووقع، أمس الأحد، تفجيران بكنيستين في محافظتي الغربية والإسكندرية (شمالي البلاد)، أسفر الأول عن وقوع 29 قتيلا و78 مصابا، بينما أسفر الثاني عن مقتل 17 شخصا بينهم قيادات أمنية وإصابة 48 آخرين، وفق تقديرات أولية لوزارة الصحة.
ويأتي التفجيران اللذان أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنهما، بالتزامن مع احتفالات مسيحيي مصر بختام الصوم الكبير وصلاة أحد الشعانين (الأحد السابع والأخير من الصوم الكبير وبداية أسبوع الآلام) قبل الاحتفال بعيد الفصح أو القيامة الأحد المقبل، فيما أعلنت الحكومة الحداد الرسمي 3 أيام. 3 دوافع لإرهاب المسيحيين الرئيس السابق لقسم التحليل والتنبؤ في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، العميد المتقاعد حسين حمودة، رصد 3 دوافع وراء ارتكاب الحادثين هي "عقاب الكنيسة لدعمها للنظام"، و"تشتيت جهود الأمن" و"الانتقام من عمليات الجيش بسيناء". وأضاف الخبير الأمني أنه بعد تكثيف قوات الأمن جهودها في سيناء (شمال شرق) وتطهير جبل الحلال الذي كان يعد مأوى لوجيستيًا للعمليات الإرهابية، فضل الإرهابيون تخفيف الضغط على الحزام الأول لعملياتهم والانتقال إلى نطاقات أخرى. وهو ما أكده الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في خطابه مساء الأحد، عقب اجتماع لمجلس الدفاع الوطني لبحث الأوضاع في أعقاب تفجيرين ، بأن "بعد نجاحنا في سيناء، تحركوا لمنطقة ثانية، وعندما ننجح فيها سيذهبون إلى مكان ثالث".
ومطلع الشهر الجاري، أعلن الجيش سيطرته على منطقة “جبل الحلال” بالكامل (60 كيلومتراً من مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء) الذي كانت تستخدمه عناصر إرهابية منطلقا لشن عملياتها. وأكد على أن موقف الكنيسة المصرية وتأييدها القوى ودعمها للنظام الحالي الذي تجلى في مظاهرات الأقباط المؤيدة للسيسي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن (مطلع الشهر الجاري) سبب رئيسي للانتقام منهم وهو ما أعلنه داعش صراحة وبدأ فيه فعليا في سيناء من تهجير قسري دون موقف قوي للدولة التي تراخت في التعامل مع الأزمة. وأشار إلى أن داعش يحاول تشتيت جهود الأمن عبر أكثر من عملية في يوم واحد وفي مناطق مختلفة عبر "تكتيكات الذئاب المنفردة" في مناطق نسبة التأمين فيها ضعيفة كالأقاليم. وتابع حمودة: "ما حدث هو خداع استراتيجي، الأمن بعد تفجير أحد معسكراته مطلع الشهر اتجهت لتأمين المراكز الشرطية، واعتبرت أن من قام بضربته فر ولن يعود للمحافظة مرة أخرى، إلا أنه عاد وبقوة". وأشار الخبير الأمني إلى أن طنطا والبحيرة والإسكندرية (شمال) والفيوم وبني سويف (وسط) وضواحي الجيزة (غرب القاهرة) تتمركز بها فلول الخلايا الإرهابية سواء المنشقين عن الإخوان المسلمين أو السلفيين الذي ينتهجون العنف سبيلا.
ووصف حمودة التفجيرين بـ "ضربات استباقية" قبل دخول تحالف السيسي مع نظيره الأمريكي في مكافحة الإرهاب حيز التنفيذ وإمداده بأسلحة متطورة وأدوات لوجستية وطائرات قد تحبط مخططاتهم. كما اعتبر حمودة أنها رسالة واضحة لبابا الفاتيكان، فرانسيس، قبل زيارته المرتقبة للقاهرة نهاية الشهر الجاري بأنه "حتى رأس الكنيسة المصرية لم يسلم" وإحراج للنظام والأمن المصريين. وتوقع الخبير الأمني أن تشهد الفترة القادمة تصاعدًا من الأجهزة الأمنية في الملاحقة ونشاطًا من العناصر الإرهابية في عمليات جديدة. قصور أمني وفشل ذريع محمود قطري، العميد المتقاعد بالشرطة المصرية والخبير الأمني، قال إن وقوع تفجيرين شمالي البلاد أحدهما بنفس طريقة وأسلوب تفجير البطرسية، شرقي القاهرة، يعد قصورًا أمنيًا شديدًا يصل إلى حد الفشل الذريع بكل المقاييس. ومنتصف ديسمبر الماضي، استهدف انتحاري بحزام ناسف مكانًا مخصصًا للنساء بالكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية (شرقي القاهرة)؛ أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وأضاف الخبير الأمني: "ما حدث معناه أن الدولة فشلت في محاربة الإرهاب رغم كل البروباجندا الإعلامية، فالواضح أنه كلما أعلنت وزارة الداخلية القبض على خلية تظهر بعدها خلايا أكثر ضراوة تؤكد أن الشرطة في سبات عميق". وأشار إلى أن الواقعتين تكشفان المشاكل والأمراض التي تعاني منها الدولة بصفة عامة والداخلية بصفة خاصة، فالأمن له ساقان منظومة "أمن وقائي" تمنع الجريمة قبل وقوعها ثم منظومة أمن علاجي وهي "المباحث" التي تضبط الجريمة بعد وقوعها إلا أن الأولى غير مفعلة من ثورة يناير 2011. ولفت إلى أن قيادات الداخلية "نمطية روتينية"، داعيا إلى "فكر جديد وتدريبات مختلفة حسب الأوضاع الحالية"، إذ إن "لكل وقت طريقة تفكير" حسب رأيه. "داعش" نفذ وعيده الخبير في شؤون الحركات "الجهادية" المسلحة، كمال حبيب، قال إن داعش أعلن صراحة أن الأقباط سيكونون هدفا قريبا للتنظيم وهو ما حدث في سيناء من تهجير قسري لهم بعد استهداف وقتل 7 مسيحيين، ومن ثم استهداف كنيسة البطرسية بالقاهرة تلاه تفجيران لكنيستين أخريين بطنطا والإسكندرية، فهو أعلن وخطط ونفذ وسط غياب للأمن. وأضاف حبيب، أن التنظيم الإرهابي داعش في مأزق كبير، والضغوط الأمنية ضده كبيرة في سيناء، وهو يريد أن يستخدم ورقة الأقباط "الحلقة الأضعف" كآخر ورقة له ليهرب من المواجهات الأمنية. وأشار إلى أن الحادثين جاء قبل أسبوع من عيد القيامة، وقبل أسبوعين من زيارة بابا الفاتيكان، فمن خطط لهذه العملية عقل إجرامي على درجة كبيرة لأنه يتخذ لنفسه منصة يعلن من خلالها قدرته على تحدي الدولة المصرية ويوصل رسالته للعالم كله". وتابع: "الرسالة وجهت إلى رأس الكنيسة نفسه وهو مشهد مروع ينذر بأن العمليات ليست عشوائية بل مدبرة بشكل كبير وعبر أسس يساعدها في ذلك الأساليب القديمة للأمن". ولفت إلى أن العناصر الإرهابية اتجهت إلى الأقاليم لأنها تكون أقل كثافة أمنية عنها في القاهرة رغم أن الأوضاع الأمنية في كافة البلاد "هشة". وفي منتصف فبراير، شن تنظيم داعش هجومًا عنيفًا على المسيحيين في مصر، متهمًا إياهم بمحاربة الإسلام، ومتوعداً بـ"أنهم سيكونون الهدف الأول لعمليات التنظيم قريباً". جاء ذلك في شريط مصور جديد تحت عنوان "وقاتلوا المشركين كافة" تناقلته صفحات منسوبة للتنظيم، اعتبر أن المسيحيين في مصر "ليسوا أهل ذمة ولا معاهدين"، واتهمهم بـ"موالاة وإعانة" ما أسماه "النظام الطاغوتي" في مصر. إحراج وتشويه جمال أسعد، المفكر والكاتب القبطي، اعتبر أن "التنظيم الإرهابي في مأزق بعد الضغوط الأمنية عليه في سيناء وتطهير جبل الحلال ولكن هذا لا يشفع للنظام، فاليوم مناسبة دينية ومعروفة للجميع، وكان لابد من استنفار أمني". وتابع: "عندما يصدر داعش بيانا يهدد صراحة الأقباط وكنائسهم ورأس الكنيسة لمساندتهم 30 يونيو 2013 أليس هذا إعلانا". واستنكر المفكر القبطي تكرار نفس سيناريو كنيسة البطرسية قائلا: "هل ذلك يدل على أن النظام لديه رؤية، أو أن هناك أمنا يعي مهمته الحقيقية"، قبل أن يجيب هو عن سؤاله: "للأسف الشديد لا". السبب الثاني من وجهة نظر أسعد، هو "إحراج النظام عالميا بإظهاره ضعيفا ولا يسيطر وتشويه أيضا زيارة بابا الفاتيكان القادمة، مستدركا: "هناك هدف أشمل وهو إسقاط الدولة". ولفت أسعد إلى أن ما يحياه المسيحيون ليس الأول بل متكرر في السنوات الثلاثة الأخيرة قائلا: "الأقباط زادت آلامهم في أسبوع الآلام (مناسبة مسيحية)". ويأتي التفجيران، قبل نحو أسبوعين من زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس لمصر، خلال يومي 28 و29 أبريل الجاري، وأيضًا عقب تفجير قرب مركز تدريب الشرطة بمدخل مدينة طنطا، أسفر عن إصابة 16 شخصًا.
ويقدر عدد المسيحيين في مصر بنحو 15 مليون نسمة.وفق تقديرات كنسية، من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ 92 مليونا، ما يجعلهم أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط.