ضربة أمريكا لسوريا.. انعدام للرؤية أم تغير في الاستراتيجية؟

ترامب وبشار

 

صباح يوم السابع من أبريل الجاري، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة صاروخية استهدفت مطار الشعيرات، في جنوبي شرق مدينة حمص السورية، ردًا على قصف قوات بشار الأسد لبلدة خان يونس في ريف إدلب بغاز السارين، ما تسبب بسقوط عشرات القتلى والمصابين أغلبهم من الأطفال.

 

الضربة الأمريكية للنظام السوري هي الأولى منذ بداية الحرب السورية، ومثلت مفاجأة للبعض نظرًا إلى تركيز الولايات المتحدة المستمر على حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولا مبالاتها تجاه الصراع السوري الذي سقط فيه أكثر من نصف مليون قتيل حتى الآن.

 

وقال تقدير موقف صادر عم المركز العربي للأبحاث، إن إدارة ترامب ما زالت لا تملك رؤية متماسكة لكيفية التعامل مع الصراع في سوريا، فقد ظلت تتبع سياسات إدارة أوباما نفسها في التركيز على الحرب على داعش، ودعم المقاتلين الأكراد الذين يشكّلون العمود الفقري "لقوات سوريا الديمقراطية". 

 

وأكد التقدير أن الضربة الجوية الأخيرة تعد تطورا تمثل في كسر إدارة ترامب للحاجز النفسي لناحية استعدادها لضرب النظام السوري من دون الارتهان بهواجس الرد الذي قد يتبعه حلفاء الأسد.

 

وطرح تقدير المركز العربي تساؤلًا مفاده: "هل تمثل هذه الضربة بداية تغيير في الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا؟

 

قرار الهجوم  

اتخذت ردة الفعل الأميركية على هجوم خان شيخون الكيماوي مسارًا تصاعديًا، بعد انتشار الصور المرَوِّعةِ لضحايا المجزرة الكيماوية يوم 4  أبريل 2017، وكانت البداية بتصريح للناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، دان فيه الهجوم، ووصفه بـ "الشنيع"، وبأنه لا ينبغي للعالم المتحضر تجاهله.

 

وفي إشارة إلى أن إدارة ترامب قد تقوم بعمل ما حيال الهجوم، انتقد سبايسر نهج الرئيس أوباما الذي وضع "خطًا أحمر" لنظام الأيد وحذره من استخدام الأسلحة الكيماوية، ثم تجاهله عندما أقدم الأسد على استخدامها في الغوطة الشرقية لدمشق، وهو الهجوم الذي تسبب حينها بمقتل نحو 1300 مدني. 

 

أما ترامب، فقد تجاوزت مجزرة خان شيخون بالنسبة إليه "العديد من الخطوط عندما يُقتل رضع وأطفال أبرياء بغاز سام". 

 

وأكد أن موقفه تجاه سوريا والأسد قد تغير كثيرا وعلى الرغم من تحميل ترامب سلفه مسؤولية الفوضى التي ورثها فإنه عاد ليؤكد أنه هو المسؤول اليوم وبأنه سيضطلع بمسؤولياته. 

 

وقد اجتمع ترامب بفريقي مستشاريه للأمن القومي لبحث الخيارات المتاحة للرد على الهجوم، وبحسب صحف أمريكية، أراد ترامب خيارا يظهره رئيسا خلافا لأوباما، بحسب تقدير الموقف.

 

وهذه مسألة سياسية داخلية وخارجية ويتضمن استخدام القوة، ولكن من دون توريط الولايات المتحدة في الصراع السوري أو حدوث مواجهة مع داعمي الأسد، وتحديدًا الروس من جهة، وكي يرسل إشارة بأن الولايات المتحدة لن تسكت بعد اليوم على استخدام الأسلحة الكيماوية، مع إشارات ضمنية إلى السكوت على غيرها، من جهة أخرى.

 

وأثناء توجه ترامب للقاء الرئيس الصيني في منتجع مارا لوغو فيولاية فلوريدا في اليوم التالي، قدم مستشاروه العسكريون ثلاثة خيارات لمعاقبة نظام الأسد، وكلها خيارات أعدت أصلًا زمن إدارة أوباما، وقد تم حصرها في خيارين؛ يتمثّل الأول بقصف قواعد عسكرية سورية عديدة، أمّا الثاني فأساسه الاكتفاء بقصف قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها الطائرة العسكرية التي نفذت الهجوم. 

 

وأشار التقدير إلى أن ترامب اختار الخيار الأضعف، مؤكدًا ضرورة تجنب إصابة جنود روس في الهجوم، وقد تم تبني هذا الخيار على أساس أن قصف الشعيرات سيوصل رسالة بوجود رابط بين استخدامها قاعدة لاستخدام غاز الأعصاب في الهجوم على خان شيخون والضربة الانتقامية الأمريكية، وهذا يعني ردًا محدودًا ومتناسبًا.

 

تنسيق الهجوم  

وقبل ساعة من الهجوم، قامت الولايات المتحدة عبر مكتب التنسيق العسكري مع روسيا في سوريا والموجود في العاصمة الأردنية عمان بإخطار الروس بموعد الهجوم؛ لسحب أي قوات ومعدات لهممن القاعدة.

 

وخلال مأدبة العشاء مع الرئيس الصيني، مساء الخميس، أصدر ترامب قراره ببدء القصف، وبدأت الصواريخ بالسقوط على مطار الشعيرات صباح الجمعة، وانطلق القصف من السفينتين الحربيتين الأميركيتين، "بورتر" و"روس"، المتمركزتين في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أطلقتا 59 صاروخ توماهوك، استهدفت مدرجات المطار ومهاجع الطائرات ومحطات الوقود والتخزين اللوجستي ومستودعات الذخيرة ونظم الدفاع الجوي. 

 

تغيير أم غياب؟  

أثار الهجوم الصاروخي الأميركي الأول على قاعدة عسكرية للنظام السوري تساؤلًا حول إن كان الهجوم يؤذن ببداية تغيير كبير في المقاربة الأميركية للصراع في سوريا،  فقد تجنبت إدارة أوباما الانخراط المباشر في الصراع من جهة وعملت على منع الأسد أو المعارضة من تحقيق انتصار عسكري حاسم من جهة أخرى. 

 

وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى حدوث فراغ في سوريا ملأه تنظيم "داعش"، قبل أن تتشجع روسيا نتيجة الانكفاء الأميركي وتتدخل مباشرة في الصراع إلى جانب الأسد للحيلولة دون سقوط نظامه.

 

ولم تكن مواقف ترامب مختلفة كثيرًا عن مواقف الرئيس أوباما في الموضوع السوري، بل كانت أكثر تحفظًا؛ إذ انتقد ترامب عام 2013 "الخط الأحمر" الذي وضعه أوباما للنظام السوري بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية، وحثه على عدم استخدام القوة في الرد على الهجوم الكيماوي في غوطة دمشق في أغسطس 2013 الذي لم يكن مدعاة لتأثره الإنساني في حينه. 

 

وبعد أن أعلن ترامب ترشحه للرئاسة، ظل ينتقد "تركيز" إدارة أوباما، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، على الأسد بدل داعش؛ وقال بأنه سيتحالف مع الروس لهزيمة داعش، ولن يسعى لإطاحة الأسد؛ لأن ذلك قد يفجر صراعًا مع روسيا.

 

حافظ ترامب على هذه المواقف بعد وصوله للرئاسة، وقد صرح وزير خارجيته ريكس تيلرسون في أنقرة، قبل أيام فقط من الهجوم، بأن مصير الأسد يحدده الشعب السوري، وهي العبارة ذاتها التي يكررها الروس والإيرانيون لضمان بقاء الأسد في الحكم. 

 

وعبرت عن الموقف نفسه السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هيلي، أواخر مارس 2017، وذلك عندما قالت إن إزاحة الأسد من السلطة "لم تعد أولوية" بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كما أن الناطق باسم البيت الأبيض وصف في مؤتمر صحفي في اليوم نفسه الذي وقع فيه هجوم خان شيخون، نظام الأسد بأنه قبول بـ "الواقع السياسي"، وبأنه "لا يوجد خيار جذري لتغيير النظام كما كان عليه الحال في السابق". 

 

وكان مستشار ترامب، ستيف يانون، يرى ضرورة قبول الأسد، وحتىالتحالف معه في "مكافحة الإرهاب". وإزاء هذا الكم من المواقف والتصريحات، كيف يمكن تفسير قرار الهجوم الأميركي الأول على نظام الأسد؟

 

أسباب الضربة  

يبدو أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة مفادها وجود خطوط حمراء في سوريا لن تقبل بتجاوزها ومنها استخدام الأسلحة الكيماوية، وبأنها على خلاف إدارة أوباما قادرة وراغبة في التحرك وحتى بصورة منفردة للدفاع عن خطوطها الحمراء، لكنها لا تريد التورط في الصراع السوري ولم تغير جذريًا مقاربتها للدور الأميركي في هذه الحرب، وفقا لـ "تقدير الموقف".

 

ويؤكد تيلرسون هذا المعطى بقوله "لا يوجد تغيير في سياستنا أو موقفنا في سوريا"، وبأن الرد الانتقامي الأمريكي جاء متناسبا لأنه استهدف المنشأة التي انطلق منها الهجوم الكيماوي الأخير"، وليس بداية لتدخل عسكري. 

 

كما أكد أن أولوية الولايات المتحدة في سوريا ستبقى محاربة داعش وهزيمته".

وبحسب تقدير الموقف، يصعب التسليم بأن الصور المروعة للمجزرة السورية هي التي دفعت ترامب إلى اتخاذ قرار الهجوم، في ضوء استمرار المذبحةالسورية بالكيماوي أو بوسائل أخرى، ويمكن الوقوف على جملةمن الأسباب قد تكون مجتمعة وراء توجيه الضربة، وهي:

 

• أولًا، تراجع شعبية ترامب إلى مستويات تاريخية؛ جراء فشله في عدد من الملفات الداخلية، وعلى رأسها نقض قانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما، والفوضى العارمة التي تجتاح إدارته، ومن ثمّ، فإن الهجوم كان محاولة منه لصرف الأنظار عن هذه الملفات، وعن الجدل المتصاعد حول العلاقة بين حملته الانتخابية وروسيا؛ إذ إن تحقيقين، فدرالي وتشريعي، يجريان للبحث عما إذا تمّ تنسيق بين الطرفين لإضعاف هيلاري كلينتون. كما أن هذه الضربة التي أغضبت الروس قد تخفف الشكوك حول ارتهان ترامب، لسبب أول لآخر، بهم.

 

• ثانيًا، من خلال توجيه ضربة عسكرية محدودة إلى نظام الأسد؛ تريد إدارة ترامب إيصال رسالة واضحة إلى خصوم آخرين، كإيران وكذلك كوريا الشمالية المدعومة من الصين، خصوصًا أن القصف تمّ خلال تناول ترامب طعام العشاء مع الرئيس الصيني، مع أن مستشاريه اقترحوا عليه تأجيل القصف ليوم واحد إلّا أنه رفض.

 

فكأن رسالة إدارة ترامب هي أن زمن التردد تحت إدارة أوباما قد انتهى، وأن الولايات المتحدة مستعدة لتحمل نتائج اتخاذ قرارات باستخدام القوة. 

 

• ثالثًا، من خلال هذه الضربة تكون إدارة ترامب قد عادت بقوة إلى طاولة المفاوضات المتعلقة بمستقبل سورية، وذلك بعد أن حيدت نفسها وحُيِّدت في الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما، خاصة أنها لم تكن طرفًا مركزيًا في محادثات أستانا التي دعت لها كل من روسيا وتركيا. وقد أظهرت الضربة حجم روسيا الحقيقي، وأن دورها الفاعل يعود أساسًا إلى غياب الفعل الأميركي.

 

• رابعًا، رسم خطوط حمراء للنظام السوري لا ينبغي لهتجاوزها في استخدام القوة ضد شعبه. وكأن القتل بالوسائل التقليدية الوحشية، كالبراميل المتفجرة، والتعذيب في السجونأمر يمكن تفهمه، ولكن الموقف يتغير إن كان القتل يتم باستخدام أسلحة كيماوية.

 

كل هذه الأسباب لا تراعي الاعتبارات الإنسانية؛ نظرًا إلى استمرار سفك دماء السوريين على أيدي نظام الأسد وروسيا وإيران وميليشياتها، بـ "طرق تقليدية"، واستمرار إدارة ترامب في فرض حظر على قدوم اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، كما أنها لا تزال تتحدث عن إقامة "مناطق آمنة" في سوريا، من دون أن يصدر عنها ما يترجم كلامها إلى واقع.

 

مقالات متعلقة