"الحقوق البسيطة التي ما زال يمكلها المواطنون يتوقع أن تختفي تماما، وسيجد الكثيرون أنفسهم وراء القضبان. ربما ستضطر المحاكم لتعجيل أحكام الإعدام بحق من تجرى إدانته بالإرهاب".
"لم ينجح الرئيس المصري في القضاء على الخطر الحقيقي على بلاده، وقرر مجابهة أولئك الذين ينتقدون عجزه بالقلم أو بلوحة المفاتيح. لا يكمل حقيقية مشوار جمال عبد الناصر، هو ليس أكثر من زعيم ضعيف وخائف يمنح السعودية جزرًا مصرية للحصول على النفط المجاني".
"كلما اكتسب السيسي مزيدا من الصلاحيات وقمع المزيد من الحقوق الأساسية، كلما تزايدت نشاطات جناح داعش والتنظيمات الأخرى في البلاد".
"خلال المستقبل المنظور، يتوقع أن يواصل المواطنون المصريون المعاناة. سواء من عنف داعش، أو من القمع المتواصل على يد الفرعون من ورق".
كانت هذه مقتطفات من مقال المحلل الإسرائيلي "جي إليستر"، توقع فيه استمرار معاناة المصريين مع فرض حالة الطوارئ إثر التفجيرات الإرهابية التي ضربت الأحد كنيستين في مدينتي الإسكندرية وطنطا.
وقال في تحليل نشره الاثنين 10 أبريل موقع "’walla” العبري بعنوان "فرعون من ورق: داعش يستغل عجز السيسي ويفتت مصر من الداخل"، إن الصلاحيات الواسعة التي يحظى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تجعله قادرا على حماية الأقلية المسيحية والمدن الكبرى، من داعش الذي عاد لتكتيك غرس الخوف في قلوب الجماهير مع خسارته مناطق سيطرته بالمنطقة.
إلى نص المقال..
أحد الإنجازات الأكثر رمزية لثورة التحرير في مصر إلغاء حالة الطوارئ المكروهة، التي سرت في البلاد منذ اغتيال أنور السادات عام 1981، وحتى سلم خلفه حسني مبارك زمام الحكم. ترمز الطوارئ للقوة المهولة للنظام، الذي يمكنه من خلالها قمع أغلب الحريات والحقوق الأساسية. والكل باسم الحق المقدس للأمن، الأبعد ما يكون عن مدن أكبر دولة عربية تكدسا بالسكان.
حتى أمس، كانت حالة الطوارئ قد عادت لسابق عهدها لفترة محددة فقط، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو 2013، وهي الخطوة التي مهدت التربة لبذور الدمار التي حُصدت في السنوات الماضية. اعتقل رجل "الإخوان المسلمين" وتجرى محاكمته لفترات سجن متواصلة- بما فيها حكم بالإعدام لم يُنفذ- وبدلا منه صعد الجنرال المحبوب عبد الفتاح السيسي، الذي حظي في بداية حكمه بتمجيد قطاعات واسعة من الجماهير، الذين رأوا فيه منقذا من مصير مشابه لليبيا وسوريا والعراق.
دمر الرجل الحديدي جماعة "الإخوان المسلمين" بلا شفقة، وقتل المئات واعتقل الآلاف، وحظرها وصنفها كتنظيم إرهابي، لكن النتيجة كانت عكسية. لم تتحول مصر إلى أكثر أمنًا فقط، بل على العكس. بدأت تنظيمات إسلامية مسلحة في الازدهار بشبه جزيرة سيناء المضطربة، أحدها أنصار بيت المقدس- الذي يعشق فكرة الخلافة "الدولة الإسلامية" (داعش).
كلما اكتسب السيسي مزيدا من الصلاحيات وقمع المزيد من الحقوق الأساسية، كلما تزايدت نشاطات جناح داعش والتنظيمات الأخرى في البلاد. زُج بآلاف النشطاء السياسيين، الليبراليين الذين أدوا لإسقاط مبارك ومؤيدي "الإخوان المسلمين" في السجون، لكن استمرت قوات الأمن في تكبد خسائر فادحة بسيناء، وفي غيرها أيضا.
لم ينجح الرئيس المصري في القضاء على الخطر الحقيقي على بلاده، وقرر مجابهة أولئك الذين ينتقدون عجزه بالقلم أو بلوحة المفاتيح. لا يكمل حقيقية مشوار جمال عبد الناصر، هو ليس أكثر من زعيم ضعيف وخائف يمنح السعودية جزرا مصرية للحصول على النفط المجاني.
قبل عامين، بعد أن أعدم داعش 21 مسيحيا قبطيا إثر اختطافهم في ليبيا، تعهدت القاهرة برد حازم على التنظيم، واعترف السيسي بأن الصراع سيكون طويلا. هنا على الأقل صدق، حيث ضرب داعش أمس (الأحد) قلب المجتمع المصري، باستهداف كنيستين مكتظتين بالمصلين لدى احتفالهم ببدء أسبوع الآلام، وذلك بهدف إثارة الفتنة بين مكونات المجتمع مثلما فعل في دول أخرى بالمنطقة.
يشكل المسيحيون الأقباط نحو 10% من إجمالي عدد سكان مصر الذي يصل إلى نحو 90 مليون نسمة، هم أكبر مجتمع مسيحي وأكثره رسوخا في الشرق الأوسط. غيرهم تبخروا وانقرضوا منذ تفشي داعش في العراق وسوريا، وفي الشهور الماضية أصبح الأقباط هدفا سهلا ومريحا للتنظيم. في فبراير وقعت موجة من أعمال القتل بحق الأقباط بسيناء وفي ديسمبر، عشية عيد الميلاد، فجر إرهابي انتحاري نفسه في الكاتدرائية القبطية بالقاهرة.
مع تفكك الخلافة، عاد تنظيم "الدولة الإسلامية" للتكتيك القديم الذي ميز نسخته القديمة قبل انفصاله عن جناح داعش في العراق- الكثير من العمليات الانتحارية ضد أهداف مدنية وضعيفة، والقليل من محاولات احتلال الأراضي.
على أية حال، في مصر لم يتمكن التنظيم من إعادة نجاحاته في العراق، وسوريا وأيضا في ليبيا الجارة، والسيطرة بشكل فعلي على منطقة، و الآن يتعهد بالاستمرار في مطاردة المسيحيين، الذين فروا بدينهم من سيناء. حلم "الدولة الإسلامية" يتبدد، لكن ذلك لا يمنع التنظيم من تفتيت المجتمع المصري وتخريب اقتصاده.
للحيلولة دون ذلك، أعلن السيسي أمس فرض حالة الطوارئ بشكل مؤقت، ونشر الجنود في الشوارع لتعزيز الأمن. ما زال على البرلمان، ختامة السيسي، الموافقة على عودة العمل بحالة الطوارئ، لكن عمليا يدور الحديث عن نظام عسكري بكل معاني الكلمة.
الحقوق البسيطة التي ما زال يملكها المواطنون يتوقع أن تختفي تماما، وسيجد الكثيرون أنفسهم وراء القضبان. ربما ستضطر المحاكم لتعجيل أحكام الإعدام بحق من تجرى إدانته بالإرهاب، لكن طالما ظلت الحدود المصرية الفوضوية مع ليبيا وقطاع غزة مفتوحة أمام تهريب السلاح، فسوف يستغل داعش المساحة العملاقة في الصحاري للنيل من مصر.
بعكس السنوات الماضية، في عهد إدارة باراك أوباما، لدى السيسي الآن اليد الطولى للعمل كما يحلو له ضد داعش. لم تعد واشنطن تنزعج بشدة حيال الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي يرتكبها نظامه، وسارع دونالد ترامب للإدانة والحديث مع السيسي بعد الهجمات الفتاكة أمس.
كذلك تلقى الرئيس المصري حضنا دافئا عندما زار البيت الأبيض مطلع الشهر الجاري وتعهدا بتحسين العلاقات بين الدولتين. مع ذلك فإن الخيارات التي أمامه محدودة ومليئة بالمخاطر، كشن عملية عسكرية في ليبيا المجاورة على سبيل المثال. لذلك وخلال المستقبل المنظور، يتوقع أن يواصل المواطنون المصريون المعاناة. سواء من عنف داعش، أو من القمع المتواصل على يد الفرعون من ورق.
الخبر من المصدر..