فاطمة ناعوت: لم أسمع كلمة في الكنيسة تسيء لمسلم.. ومدينون بالكثير للأقباط

فاطمة ناعوت

وجّهت الكاتبة فاطمة ناعوت رسالةً إلى أقباط مصر، في أعقاب تفجيري كنيسة مارجرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، واللذان وقعا الأحد الماضي، بالتزامن مع احتفال الأقباط بـ «أحد الشعانين».

 

وكتبت «ناعوت» تدوينة طويلة عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك»، أعربت فيها عن حزنها الشديد للظروف التي يمر بها الأقباط في كل مناسبة يحتفلون بها، مؤكدة على احترام الأقباط للديانات الأخرى والإنسانية.

 

وجاءت تدوينة «ناعوت» على النحو الآتي..

 

إبراء ذمّة

أقباطَ مصر المسيحيين، أنتم أكثر سموًّا وشرفًا وغفرانًا مما نستحقّ. أقباط مصر المسيحيين أنتم أكثر وطنيةً من كل أدعياء الوطنية والتديّن. أقباط مصر المسيحيين، لن أطلب منكم أن تسامحونا على ما يفعل السفهاءُ منّا كل يوم في حقكّم. لأنني أعلم أنكم مجبولون على السماحة والغفران، وتلاقون إساءاتنا الكثيرة بالمحبة والغفران. وأقرُّ أننا مدينون لكم بالكثير والكثير وأننا غير قادرين على سداد ديوننا نحوكم مهما فعلنا.

الآن لم يعد بوسعي حتى تقديم واجبات العزاء لكم لأنني غارقةٌ في الشعور بالخجل والخزي مما نفعله بكم منذ عقود طوال، وإلى أمد لا يعلمه إلا الله. كلما فعلنا بكم سخافةً أو كارثة أو تفجيرًا أو مجزرة، أعزّي نفسي بأنها الأخيرة بإذن الله، لكنها لا تكون الأخيرة، وتتبعها سخافةٌ أخرى وسخافاتٌ وتفجيرٌ وتفجيرات، ومذبحةٌ ومذابحُ، فتظلُّ رأسي تنخفضُ أمامكم يومًا بعد يوم حتى بِتُّ أتمنى أن تنشقَّ الأرضُ وتبتلعني قبل أن ألتقي مسيحيًّا لأقول له: أعزيّك، البقاء لله، سامحني!

منذ تفجيري الأمس في طنطا والأسكندرية وأنا لم أستطع أن أنام لحظةً واحدةً، وضغطي ارتفع ولم أسع حتى لعلاج لأنني أرجو أن أرتاح من هذه الدنيا الظالمة المدنسة بكل سوءات العالم. لحسن الحظ أنني الآن خارج الوطن حتى لا يرى أطفالي دموعي فيجزعون ويشعرون بالخجل من النفس كما أشعر أنا الآن. لن أقول لكم أعتذر لكم، ليس فقط لأنكم لا تحتاجون اعتذاري ولا تنتظرونه، بل لأن الاعتذار فقد معناه وبات لونًا من البلاهة والاستعباط الذي لا يليق بي، لأنني حتى لا أملك يقينًا أنه سيكون اعتذاري الأخير.

تعبتُ من كثرة أخطائنا، وتعبتُ من كثرة غفرانكم، وتعبتُ من الرجاء بأن ينتهي كل هذا دون أن ينتهي، وتعبتُ من عدم القدرة على فهم ما يحدث حولي. عقلي لا يستوعب أن يقتل أحدٌ أحدًا حتى مع وجود سبب للقتل مثل الثأر أو القصاص أو غيره. فكيف يستوعب عقلي المُجهد المُرهق أن يقتل إنسانٌ إنسانًا أعزلَ لا يعرفه وهو يصلي! وهو يصلي! وهو يصلي! وهو يصلي في عيده! أشهدُ أنني لم أسمع في كنيسة كلمة تسيء لي كمسلمة ولا لديني ولا لأي إنسان. أشهدُ أنني أسمعكم في كنائسكم تدعون لمصر ونيل مصر ورئيس مصر وللمصريين مسلمين قبل مسيحيين. أشهدُ أنكم ترعون في طقوسكم الخدمية أبناءنا المسلمين الفقراء كما ترعون أطفالكم المسيحيين.

أشهد أن راهبةً مسيحية لم ألتق بها إلا مرة واحدة في حياتي تُصلّي منذ سنوات لابني المريض "عمر نبيل" في كل صلواتها حتى يشفيه الله. أشهد أن مسيحيين قد ساندوني في محنتي بما لا مجال لأن أنساه ما حييت. أشهدُ أن صلوات كثيرة رُفعت باسمي في محنتي طوال العامين الماضيين أنا المسلمة التي لم تقدم لكم أي شيء.

أشهدُ أنكم لا تعرفون إلا الحب لكل الناس دون قيد أو شرط. ومن يفعل غير هذا منكم فهو ليس منكم. أنتم تتبرأون منه قبل ان يرتدّ إليه طرفه كما تتبرأ منها نصوصكم في العهد الجديد وكما علمكم السيد المسيح رسول السلام عليه السلام. ومن يفعل الشر منكم فهو لا يسير على خطى السيد المسيح ولا تقبلونه بينكم. أشهدُ أنني تعلمت من أساتذتي المسيحيين في مراحل التعليم المختلفة ألا أكره حتى من آذاني لأن الكراهية دنسٌ للنفس، وألا أقابل الإساءة بالإساءة.

أشهدُ أن مفاتيح بيتي وسيارتي وكافة شؤون حياتي تكون في أسفاري في حوزة ورعاية أسرة مسيحية شريفة ترعى مصالحي وتخاف علىّ أكثر مما أفعلُ أنا لنفسي وأكثر مما يفعل أقربائي وشقيقي الوحيد. وأشهدُ أنني لم يعد في جعبتي كلمات تعبر عما في نفسي من حزن وأسى وخجل وفقدان أمل في هذا العالم. هذا العالم لم يعد صالحًا للحياة. هذا العالم صار أبشع من قدرتي على الاحتمال.

هذا العالم تعسٌ ودنسٌ وغير جميل. سامحني يا ربُّ فأنا لا ألعن الدهرَ؛ بل ألعن الفحشاء والوحشية والغدر وانعدام الإنسانية في بني الإنسان. وفي بني جلدتي. وفي بني ديني الذي من المفترض أن يحثنا على الرحمة والتراحم.

أقباطَ مصر، أقدِّم لكم احترامي، وأضع بين أيادكم خجلي وشعوري بالعار. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

وقتل ما لا يقل عن 44 شخصا وإصابة أكثر من 120 آخرين، الأحد الماضي، جراء التفجيرين الإرهابيين اللذين ضربا كنيسة مارجرجس في طنطا والكنيسة المرقسية في الإسكندرية.

مقالات متعلقة