تتوالى التحذيرات من تزايد السخط العام في مصر مع مضي السلطات قدما في تحقيق الأهداف لضبط أوضاع المالية العامة، وخفض مستويات الدين الحكومي، وتحسين وضع السيولة الخارجية.ويقول الخبراء والمحللون إن أحد المشاكل الرئيسية في الإدارة المالية العامة في مصر هو بعد المسافة بين المتوقع أو المستهدف، كما تعكسه الموازنة من ناحية، والمتحقق فعليا كما يعكسه الحساب الختامي من ناحية أخرى.
وتضمن البيان التمهيدي لمشروع الموازنة العامة المصرية للعام المالي 2017-2018، استهداف رفع معدلات النمو الاقتصادي، لتحقيق المزيد من معدلات التشغيل عبر حزمة من الاجراءات لحفز النشاط الاستثماري والصناعي. ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو حتى نهاية يونيو من العام التالي، وفقا لقانون الموازنة العامة. وتعد مصر مشروع الموازنة للعام المالي المقبل، بعد التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار. أغراض سياسية وطبقت مصر عددا من شروط الصندوق مثل فرض ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر الصرف، وخفض الدعم الموجه للكهرباء، والمواد البترولية. وتؤكد مصر أن استكمال الاصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو والحفاظ على شبكة الحماية الاجتماعية وتعزيزها أهداف تسعى لتحقيقها بالموازنة العامة للعام المالي المقبل. وأعلنت الحكومة المصرية في 29 مارس 2017، الموافقة على مشروع الموازنة العامة والخطة الاستثمارية للدولة للعام المالي 2017/2018، وإرسالها لمجلس النواب لمناقشتها تمهيدا لإقرارها. زيادة النمو ويقول المحلل الاقتصادي، مجدي عبد الهادي، إن مشروع الموازنة العامة المصرية يتضمن عدداً من التناقضات بين " الإصلاحات" التي تعتزم الحكومة القيام بها وفق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبين أهداف زيادة النمو والحماية الاجتماعية. ويستهدف مشروع الموازنة العامة للعام المالي المقبل تحقيق معدل نمو اقتصادي 4.6%، في ضوء تحسن النشاط الاقتصادي خاصة بقطاعي البترول والصناعة، مقابل 4% في العام المالي الجاري، بيان وزارة المالية المصرية. ويضيف عبد الهادي، في حديثه مع "الأناضول"، أن التناقض الأول يتمثل في خفض العجز كسياسة انكماشية ورفع معدل النمو كسياسة توسعية، خصوصاً أن الانكماش استهدف الاستهلاك المحلي أكبر مُحرك للنمو الاقتصادي في مصر. وتابع قائلا: "من غير المنتظر الاستثمار من القطاع الخاص (محلي أو أجنبي) بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتدهور الدخول والاستثمار العام، بسبب تدني الكفاءة والفساد. ويستهدف المشروع تحقيق استثمارات في العام المالي المقبل بقيمة 646 مليار جنيه (35.8 مليار دولار) تمول الجهات الحكومية والعامة ما نسبته 45% منها في حين يسهم القطاع الخاص بنسبة 55% الأخرى. ويتوقع المشروع أن يبلغ إجمالي المصروفات العامة حوالي 1.2 تريليون جنيه (66.6 مليار دولار) في العام المالي المقبل مقابل 936 مليار جنيه (52 مليار دولار) في العام المالي الجاري. ويهدف المشروع أيضا إلى زيادة الإيرادات العامة بنحو 27% لتصل لنحو 830 مليار جنيه (46.1 مليار دولار) في العام المالي المقبل، مقابل نحو631 مليار جنيه (35 مليار دولار) في العام المالي الجاري. أدوات انكماشية وأشار المحلل الاقتصادي، لــ "الأناضول"، إلى وجود تناقض بين أدوات خفض العجز في الأجلين القصير والمتوسط، "فاستخدام أدوات انكماشية متعجلة في الأجل القصير تقوم أساساً على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وفي ظل وضعية ركود وسوء توزيع للدخل؛ إنما يعني خفض إمكانات النمو الحقيقي في الاقتصاد ومن ثم خفض الإيرادات الضريبية التي تسعى الحكومة لزيادتها". واعتبر عبد الهادي، أن الحكومة المصرية "مفرطة في التفاؤل فيما يتعلق بالقدرة على تحصيل الضرائب، بسبب ضعف كفاءة الجهاز الضريبي، حيث افترضت تحقيق قفزة تتجاوز 30% في عام. وتستهدف مصر تجميع حصيلة ضريبية بقيمة 604 مليارات جنيه (33.5 مليار دولار) في العام المالي المقبل مقابل نحو 460 مليار جنيه (25.5 مليار دولار) في العام المالي الجاري. وأشار إلى "التناقض" بين خفض سعر صرف العملة من خلال التعويم وبناء شبكات حماية اجتماعية، لأن المزايا المالية المُستهدفة من هذه السياسة تتأتى أساساً من خلال خفض الاستهلاك. ويستهدف المشروع في العام المالي المقبل أيضا رفع قيمة الأجور إلى 240 مليار جنيه (13.3 مليار دولار) مقابل نحو 223 مليار جنيه (12.3 مليار دولار) للعام المالي الحالي. وطالب عبد الهادي الحكومة المصرية بأن تفسّر تقديرها "المتفائل" للدولار بـ 16 جنيهاً، "فلا يوجد ما يؤيده في الواقع الحالي ولا في المُعطيات الواقعية في المستقبل القريب، خصوصاً مع تأكيدات العديد من الخبراء أن الدولار لن يستقر قبل نوفمبر المقبل". ويقدر مشروع الموازنة سعر الدولار عند 16 جنيها، ومعدل تضخم 15% وسعر فائدة لأذون وسندات الخزانة بنحو 18% وسعر برميل بترول مقابل 55 دولارا. وقالت وكالة موديز، في تقرير صدر عنها مؤخراً، إن برنامج صندوق النقد الدولي في مصر سيدعم حدوث تحسن تدريجي في الوضع المالي والخارجي للبلاد، ولكن تكاليفه الاجتماعية والاقتصادية قد يؤدي إلى تباطؤ وتيرة زخم الإصلاح المالي. أزمة خانقة من جانبه، رأي أستاذ الاقتصاد، كمال الوصال، أن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة يعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد المصري بأكثر مما يمثل محاولة لتجاوز هذه الأزمة. واعتبر الوصال في حديثه مع "الأناضول، أن إعلان وزير المالية المصري عمرو الجارحي عن استهداف تخفيض نسبة الدين وعجز الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة التحصيل الضريبي، وكأن مشروع الموازنة معد لبلد غير مصر". ويتوقع مشروع الموازنة المصرية تراجع حجم المنح الدولية إلى 1.1 مليار جنيه (61 مليون دولار) في العام المالي المقبل مقابل نحو 2.2 مليار جنيه (122 مليون دولار) في العام المالي الجاري. وانتقد الوصال "عدم وجود خطة لإصلاح الإدارة الضريبية أو زيادة الاستثمارات التي من شأنها زيادة معدلات النمو الاقتصادي ناهيك عن ضبابية المشهد السياسي وتزايد الغضب الاجتماعي نتيجة جنون الأسعار". واعتبر الوصال إن "مشروع الموازنة يعكس بوضوح أسباب الأزمة ولا يقدم حلولا لها، ويتسم بغياب الرؤية والتخطيط وتضارب الأولويات ومعالجة قشور لا جذور المشكلات، وتوسع غير محسوب في الاقتراض".