تشهد الجزائر منذ أيام حملة انتخابية موازية على صفحات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي للترويج لمرشحيها واستهداف أكبر عدد ممكن من الناخبين، تحسبا للانتخابات النيابية المقررة في 4 مايو المقبل.
وانطلقت الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية الجزائرية رسميا يوم الأحد 9 أبريل بمشاركة قرابة 12 ألف مرشح يمثلون 53 حزبا سياسيا وعشرات القوائم المستقلة التي تتنافس على 462 مقعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان).
وتستمر الحملة الانتخابية 3 أسابيع لكسب تأييد أكثر من 23 مليون ناخب، وهذه هي سادس انتخابات نيابية تعددية في البلاد منذ إقرار دستور الانفتاح السياسي في فبراير العام 1989.
وسجلت آخر انتخابات نيابية جرت العام 2012 نسبة عزوف غير مسبوقة عن صناديق الاقتراع، حيث لم تتعد نسبة المشاركة 43 بالمائة من مجموع أعداد الناخبين.
ولجأت الأحزاب والقوائم المستقلة على حد سواء إلى العالم الافتراضي لتنشيط الحملة الانتخابية التي انطلقت عبر وسائط التواصل الاجتماعي حتى قبل موعدها الرسمي الذي حددته السلطات بالتاسع من أبريل.
وعمدت تشكيلات سياسية حزبية وأخرى مستقلة لإطلاق صفحات لها على شبكة فيسبوك حيث قامت بتقديم قوائمها ونشرها على نطاق واسع مرفوقة بتصورات هذه التشكيلات السياسية للحلول الممكنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وعلى سبيل المثال تفاعلت الصفحة الرسمية لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) مع الحملة الانتخابية، حيث قامت بنشر نشاطات قيادات الحركة (خصوصا الرئيس عبد الرزاق مقري) وتجمعاتها في إطار الحملة الانتخابية مرفقة بشروحات وصور وفيديوهات.
ونفس الشيء تقريبا لجأت إليه صفحات الحركة على مستوى المحافظات، حيث تقوم ليس فقط بالتطرق لنشاط القيادة في إطار الجملة الانتخابية وبرنامجها للأيام المقبلة، لكن أيضا تقوم بنشر نشاط المترشحين على مستوى ذات المحافظة والنقاط التي سيتوجهون إليها في قادم الأيام.
من جهته قام حزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني أكبر أحزاب الإتلاف الحكومي) بتنشيط صفحته الرسمية على شبكة فيسبوك من خلال نشر صور وفيديوهات التجمعات ومواعيدها، فضلا عن تقارير تلفزيونية تطرقت لنشاطات حملة الحزب.
وقال المكلف بصفحة الحزب على مستوى العاصمة لطفي رمضاني لـ "الأناضول" إن فريقا يضم أكثر من 10 أشخاص مجند خصيصا للحملة الانتخابية ويقوم يوميا بنشر شروحات وأفكار وبرنامج الحزب على الصفحة الرسمية على شبكة فيسبوك.
وذكر لطفي رمضاني بأن عددا من أعضاء الفريق ينتقل يوميا عبر بلديات العاصمة أين تنشط تجمعات الحملة الانتخابية ويقوم بنشر الصور والفيديوهات على ذات الصفحة.
وفي سياق آخر استغل العديد من نواب البرلمان الجزائري المنتهية ولايتهم والذين ترشحوا للولاية جديدة، صفحات فيسبوك لتقديم حصيلتهم السابقة وشرح أهدافهم وما ينوون القيام به في حال تم انتخابهم مرة أخرى.
ونشر نورالدين بلمداح النائب عن الجالية الجزائرية بأوربا، المستقيل من حزب التحرير الوطني الحاكم، حصيلة نشاطه خلال العهدة النيابية المنتهية على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وشرح بلمداح أسباب استقالته من الحزب الحاكم وترشحه تحت مظلة حزب آخر هو التحالف الوطني الجمهوري (موالي) بكونه لم يستكمل بعد الأهداف والبرامج التي سطرها من قبل لفائدة الجالية الجزائرية، وذكر عددا من الإجراءات التي كان وراء اتخاذها لصالح هذه الفئة من الجزائريين.
ومضى على نفس الدرب النائب عن حركة مجتمع السلم (إسلامي) ناصر حمدادوش المنتخب عن محافظة جيجل الساحلية (350 كيلومتر شرق العاصمة) الذي قدم حصيلة نشاطه لفائدة سكان المحافظة وما ينوي القيام به في حال انتخابه لولاية جديدة.
كما لجا رافضو ومقاطعو الانتخابات بدورهم إلى الفضاء الافتراضي للترويج لأطروحاتهم الداعية إلى مقاطعة هذا الموعد الانتخابي.
ونشر المعارض الجزائري واحد أبرز دعاة مقاطعة الانتخابات البرلمانية، سمير بن العربي على صفحته الرسمية على فيسبوك، دعوات لمقاطعة هذا الموعد الانتخابي وأرفقه بصور لخرجات ميدانية في محافظات جزائرية رفقة عدد من الناشطين.
وبرأي الخبير في الاتصالات والعالم الرقمي فريد فارج فإن مسببات هذه الحملة على العالم الافتراضي مردها محاولة استهداف وكسب وعاء انتخابي ضخم ينشط في هذا العالم في ظل عزوف كبير للجزائريين عن حضور تجمعات الحملة الانتخابية.
ووفق الخبير فريد فارح الذي يشتغل أستاذ الاتصالات بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بالعاصمة (حكومية) فإن عدد معتبر من الجزائريين يمضي يومه وهو يتصفح العالم الرقمي الافتراضي وهذا ما يدفع بالأحزاب والمشاركين في هذه الانتخابات لمحاولة استهداف هذه الفئة.
وقال: "في الجزائر هناك نحو 18 مليون حساب فيسبوك وهذا وعاء انتخابي ضخم ومهم ولذلك يتم استهدافه من خلال العالم الرقمي".
وبحسب المتحدث فإن ما ساهم بروز هذه الحملة الموازية في العالم الافتراضي هو الزيادة الكبيرة في عدد الجزائريين المتصلين بالأنترنت مقارنة بعمليات الاقتراع السابقة.
وأوضح فارح أن الجزائريين اليوم صاروا أكثر اتصالا بالأنترنت اليوم بفضل انتشار تقنيات الجيل الثالث والرابع للهاتف الجوال والانترنت الثابت أيضا (الأرضي).
وذكر محدثنا أن هناك عزوفا للجزائريين على حضور التجمعات الخاصة بالحملة الانتخابية في بدايتها ولذلك يمكن لهذه الحملة على هذا العالم الافتراضي أن تكون بمثابة نوع من البدائل لهذا العزوف خصوصا أيضا وأنها مجانية ولا تتطلب أي تكاليف مالية ويمكن الوصول للمتلقين بسهولة.
لكن أستاذ الاتصالات بجامعة هواري بومدين استدرك بأن هذه الحملة الموازية على الفضاء الافتراضي يمكن أن تكون لها نتائج معاكسة لتطلعات وآمال الأحزاب والمرشحين، كون هذا الفضاء معروف بنشاط لافت للمعارضين للانتخابات ودعاة المقاطعة.
ووفق دراسة أصدرها مكتب الدراسات التونسي "ميديا نت" في ديسمبر الماضي فقد فاق عدد الجزائريين مشتركي شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك 17 مليونا، من أصل 41 مليون هو عدد سكان البلاد.
ووفق ذات الدراسة فإن 43 بالمائة من العدد الإجمالي لسكان الجزائر يتوفرون على سحاب فيسبوك وهي الثانية في إفريقيا بعد مصر التي تحصي 33 مليون مشترك في هذا الفضاء.
وأحصت الجزائر 29.5 مليون خط انترنت (جوال وثابث) في عام 2016، حسب احصائيات حديثة قدمتها سلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية (حكومية) بحر الأسبوع الماضي، بزيادة بلغت 37 بالمائة عن العام الذي قبله.
ويعزى ارتفاع خطوط الانترنت في الجزائر إلى إتمام البلاد إطلاق الجيل الثالث للهاتف الجوال شهر ديسمبر كانون الثاني 2016 عبر كافة محافظات البلاد الـ 48، وشروعها في تسويق الجيل الرابع لمختف الجوال أيضا مطلع شهر أكتوبر الماضي.