ناثان براون : القضاء المصري.. المستهدف الحقيقي من الطوارئ

البروفيسور ناثان براون

الجمهور الحقيقي المستهدف من فرض حالة الطوارئ هو جهاز الدولة صعب المراس، لا سيما المحاكم التي لم تثبت أنها حليفا للنظام يعتمد عليه، فقد أعاقت المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة اتفاقية تسليم تيران وصنافير للمملكة السعودية. وعلاوة على ذلك، أسقطت المحكمة الدستورية العليا جزءا من قانون التظاهر. كما أبطلت محكمة النقض كذلك، أعلى سلطة استئناف، العديد من الأحكام التي أصدرتها الدوائر الخاصة المكافحة للإرهاب.

 

 

جاء ذلك في سياق تحليل مطول بصحيفة واشنطن بوست لناثان براون الباحث بمعهد كارنيجي للسلام الدولي و أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، تحت عنوان "مصر في حالة طوارئ.. هذا ما يعنيه القرار بالنسبة لحكومتها"

وإلى النص الكامل 

 

بعد تفجيري أحد السعف الذي قتل 45 من رواد كنيسيتي مارجرجس والمرقسية، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تطبيق حالة الطوارئ في أنحاء مصر، وسرعان ما وافق البرلمان عليها.

 

وبالرغم من أنها تمنح للحكومة مجموعة سلطات أكبر نطاقا، لكن الإجراء لا يمت بصلة بقوانين إذا أن السلطات المصرية تفعل ما يحلو لها.

 

لكن المرجح أن إعلان الطوارئ يستهدف التواصل مع المجتمع المصري، لا سيما جهاز الدولة مترامي الأطراف، لركوب طائرة النظام الجديد.

 

المحاكم المصرية بشكل خاص تلقت رسالة ضمنية صارمة مفادها  أن القضاة لا ينبغي أن يتركوا النظام القانوني الصارم يعرقل دورهم الأكثر أهمية في الحرب ضد الإرهاب.

 

تاريخ مصر الطويل في قانون الطوارئ

 

عندما ذهب البريطانيون لمحاربة الإمبراطورية العثمانية عام 1914، أعلنوا الأحكام العرفية، التي سمحت بقائد قوات الاحتلال البريطانية في مصر بأن يضحى "حاكما عسكريا" يمتلك سلطة إصدار مراسيم بقوة قوانين.

 

واستطاعت بريطانيا تحويل الدولة إلى بوليسية، وحشد مواردها، دون مضايقة سياسية أو قضائية  أو حتى من الدبلوماسية الدولية.

 

وفي 1939، عندما دخلت بريطانيا في الحرب ضد سلطات "المحور"، دعت مصر إلى دعم جهودها في الحرب، وامتثلت القاهرة عبر إعلان الأحكام العرفية.

 

وعززت ثورة 1952 الأحكام العرفية، وباستثناء فترات قصيرة، ظلت الدولة بأكملها تحت مظلة هذه الحالة حتى 2012.

 

وعلى مدى سبعة عقود، اتسع نطاق التشريع الحاكم لقانون الطوارئ.

 

وفي بعض الأحيان، أحدثت قرارات قضائية عكسية تغييرات، لكن في أحيان أخرى، أثبتت المحاكم الخاصة أنها أدوات مفيدة في دعم الأحكام العرفية.

 

وفي عام 1958، تم تغيير قانون الأحكام العرفية إلى "حالة الطوارئ"، لأن السلطات الخاصة لم تعد في وقت الحرب لكنها باتت وضعا مستمرا.

 

وخارج قانون الطوارئ نفسه، تم إعطاء الأدوات القمعية أساسا قضائيا واسع النطاق، سامحا للنظام بالسيطرة على الصحافة، وإغلاق منظمات المجتمع المدني والزج بالمعارضين في السجن.

 

وامتلأ النظام القانوني ببصمات استبدادية سلطوية، ومع ذلك، تعرض هذا النظام  للهجوم خلال انتفاضة 2011.

 

3 إصلاحات قلصت قانون الطوارئ بعد انتفاضة 2011

 

الإصلاح الأول حدث عام 2012 حيث انكسرت للمرة الأولى حالة الطوارئ، ورغم فرضها بعد ذلك بعض المرات، لكنها كان لفترات محدودة، وغالبا ما تنحصر في مدى جغرافي محدد.

 

الثاني، في يونيو 2013، حيث قيدت المحكمة الدستورية العليا شرطا في قانون الطوارئ يمكن من الاعتقالات.

 

ولأن مصر لم تكن في ظل حالة طوارئ في ذلك الوقت، أحدث الحكم تأثيرا قليلا، لكنه أوضح أن المحكمة الدستورية مستعدة للنظر في أمور كانت تنأى عنها في الماضي.

 

جرأة المحكمة الدستورية ربما تكون نابعة في ذلك الوقت من كون الرئاسة في أيدي إسلاميين.

 

الإصلاح الثالث حدث حينما اعترضت الأحكام الدستورية حالات الطوارئ غير محددة المدة التي ميزت الدولة على مدى عقود.

 

دستورا 2012 (الذي تمت صياغته تحت إشراف الإسلاميين)، ودستور 2014 (الذي تمت صياغته تحت مظلة نظام أعاد بزوغ السلطوية) أظهرا جهودا في هذا الصدد.

 

المادة 2014 من دستور 2014 يقيض حالة الطوارئ إلى 3 شهور ويتطلب أن تكون الموافقة عليها عبر أعضاء مجلس النواب.

 

لماذا سمح الجيش بأي تغييرات؟ لأنه بالنسبة إليهم لم يتغير الكثير.

 

الجيش المصري وأجهزة الأمن الداخلية كانت مستعدة على الأرجح لتقديم تلك التنازلات، لأن هناك أحكام أخرى تجعلها فارغة من محتواها.

 

محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية جرت حمايتها من خلال مادة دستورية أخرى.

 

اشتراط موافقة البرلمان أمر يبدو آمنا أيضا أيضا لأن الرئيس والأجهزة الأمنية شعرا أن لديهم أدوات للسيطرة على مجلس النواب.

 

وبالفعل، فإن البرلمان ختم بصورة شكلية على الإعلان الرسمي للطوارئ هذا الأسبوع.

 

حالة الطوارئ التي أعلنها النظام المصري مؤخرا تمنح حكام مصر سلطات بوليسية ومراقبة أكبر، وتفوض خلق محاكم خاصة، وتمكن السلطات من اتخاذ إجراء خاصة لتأمين النظام العام ويجعل إحالة  "الحاكم العسكري" قضايا إلى المحاكم العسكرية أكثر اعتيادا.

 

وعلى مدى سنوات، اعتقل النظام المصري آلاف الأشخاص، وسمح بمحاكمات عسكرية، وأنشأ دوائر خاصة لمكافحة الإرهاب في المحاكم العادية، وراقب المساجد، وطهر المناصب العامة من المعارضين، وحظر المظاهرات، وحلَّ منظمات المجتمع المدني، وتحرش بمنتقدين، وراقب محادثات خاصة والفيسبوك، بدون استخدام حالة طوارئ.

 

الجمهور الحقيقي المستهدف من فرض حالة الطوارئ هو جهاز الدولة صعب المراس، لا سيما المحاكم التي لم تثبت أنها حليفا للنظام يعتمد عليه.

 

فقد أعاقت المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة اتفاقية تسليم تيران وصنافير للمملكة السعودية.

 

وعلاوة على ذلك، أسقطت المحكمة الدستورية العليا جزءا من قانون التظاهر. كما أبطلت محكمة النقض كذلك، أعلى سلطة استئناف، العديد من الأحكام التي أصدرتها الدوائر الخاصة المكافحة للإرهاب.

 

محاولات فرض نظام على القضاء اتضحت في المزيد من الجوانب الدنيوية في العملية التشريعية.

 

وعلى سبيل المثال، ثمة مشروع قانون في البرلمان يستهدف تحكم الرئيس في المناصب القضائية البارزة.

 

واعترضت الهيئات القضائية بشكل عنيف على مشروع القانون لكنها تبدو الآن واقعة تحت وطأة ضغوط.

 

وبعد إعلان قانون الطوارئ، تحدث رئيس المحكمة الدستورية الخجول إعلاميا عادة في مقابلة تلفزيونية مؤيدا بعضا من خطوات الدولة، وواصفا القانون المصري بأنه عفا عليه الزمان ويحتاج إلى تحديث.

 

وأشار رئيس المحكمة الدستورية بشكل ضمني إلى أن القضاء ينبغي أخذ مشورته بشأن أي تغييرات لكنه سيشارك ولن يعترض عملية تكييف القوانين المصرية مع التهديدات الراهنة.

 

وفي هذا السياق، وبالرغم من أن حالة الطوارئ قد تكون قصيرة الأجل، لكن تأثيرها قد يكون طويل المدى.

 

الدولة المصرية بعثت من خلال فرض حالة طوارئ رسالة عالية، داخلية من أجل الامتثال للأوامر.

 

الحكام المصريون طالما يفعلون ما يحلو لهم، لكن حالة الطوارئ مصممة من أجل دفع آخرين إلى التعاون.

 

رابط النص الأصلي 

 

مقالات متعلقة