اختلفت آراء محللين سياسيين فلسطينيين، إزاء تداعيات التصريحات الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي قال فيها يوم الأربعاء الماضي إنه "سيتّخذ خطوات حاسمة وغير مسبوقة بشأن موضوع الانقسام في الأيام القليلة القادمة". ففي الوقت الذي أبدى فيه بعضهم تشاؤمه من النتائج المترتبة عليها، قال آخرون إن الخطاب "كان فضفاضاً"، إلإ أنه قد يُهيّئ لمصالحة "حقيقية" مع حركة "حماس"، التي تُسيطر على قطاع غزة. واعتبر المحللون، في حواراتٍ منفصلة، مع وكالة "الأناضول"، الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية بحق موظفيها بقطاع غزة من خلال خصم 30 % على الأقل من رواتبهم، أداة للضغط على "حماس"، كي تتنازل عن حكمها للقطاع، في إطار ما قال عباس إنها "خطوات حاسمة". وتسود حالة من التوتر "الداخلي" في الأراضي الفلسطينية، عقب قرار الحكومة بتخفيض رواتب موظفيها في القطاع. وقالت الحكومة في بيان أصدرته، الثلاثاء الماضي، إنها ستعيد الخصومات في حال توفر الموازنات اللازمة، واستجابة حركة حماس، لمبادرة الرئيس محمود عباس. وكانت اللجنة المركزية لحركة "فتح"، قد أعلنت في ختام اجتماعها برئاسة محمود عباس، 5إبريل الجاري، عن رفضها "كل الخطوات الأخيرة التي اتخذتها حركة حماس مؤخرا"، في إشارة إلى قرار تشكيل لجنة إدارية للإشراف على الوزارات الحكومية. وقال بيان صادر عن حركة "فتح"، إنها قررت تشكيل لجنة للاتصال والبحث مع حركة حماس للتوصل إلى "تصورات واضحة وحلول نهائية في هذا المجال بشكل سريع بما لا يتجاوز يوم 25 من الشهر الجاري". ووصف المحلل تيسير محيسن، مدرس العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، خطاب عباس الأخير تجاه قطاع غزة بـ"التصعيدي". واعتبره بداية لتطبيق الخطة التي رسمتها الإدارة الأمريكية بالتعاون مع اللجنة الرباعية العربية وأطلق عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اسم "صفقة القرن"، وتهدف لإغلاق ملف القضية الفلسطينية. وقال إن كل طرف من الأطراف المشاركين في "صفقة القرن" له دور فيها، وأول الأدوار مُناطة بـ"عباس"، وهذا ما بدأه بالفعل ضد غزة من خلال قرار اقتطاع 30% من رواتب موظفيه بالقطاع، على حدّ قول محيسن. وقال الرئيس المصري، خلال لقاء جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 3 إبريل الجاري: " إنه سيدعم وبشدة كل الجهود التي ستبذل لتنفيذ صفقة القرن"، (فسرها مراقبون بأنها تخص القضية الفلسطينية) ". وتابع محيسن، في حديثه مع مراسلة "الأناضول": " عباس يستخدم أسلوب القمع وقوة السلطة التي يملكها كرئيس، وقوة الموقف الذي يعززه التعاطي الإقليمي والدولي معه". وأوضح أن الفلسطينيين مقبلون على مشروع يُراد منه "إغلاق ملف القضية الفلسطينية، وهذا الأمر لا يتحقق –في نظر حلفائه-إلا باستعادة سيادته على غزة. وأضاف محيسن: " ما دامت حماس تسيطر على غزة، فالسلطة تسعى لإضعافها من خلال استخدام الضغط على السكان، وجاءت خطوة الخصم من رواتب موظفيه بغزة، بداية تنفيذ لهذا المشروع، وفي إطار تهديداته". ورغم تشكيل حكومة الوفاق في الثاني من حزيران/ يونيو 2014، إلا أن حركة حماس لا تزال تدير قطاع غزة، حتى الآن، حيث لم تتسلم الحكومة مسؤولياتها فيه، نظرًا للخلافات السياسية بين حركتي "فتح وحماس". ويرى أن إسرائيل سيكون لها دور "عسكري" في زيادة الضغط على حركة "حماس"، في سبيل كسر قوتها بغزة. واستكمل قائلاً: " عندما ينتهي دور السلطة في توجيه ضربات موجعة لمفاصل الحياة الاجتماعية لسكان القطاع، عندها سيكون الدور الإسرائيلي حاضراً باستخدام القوة العسكرية لتقضي على البقية الباقية من امكانيات القوة لدى الفصائل الفلسطينية". ويصف محيسن الخطة الإقليمية والدولية لإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، بـ"الوصفة الطبيعية والدقيقة لاندلاع حرب أهلية (فوضى) داخل القطاع". ووفق السياسة، فإن الأداة الناجعة لهدم أي نظام سياسي هو ضرب "حالته الأمنية"، وهذا الأمر الذي يتم تطبيقه على قطاع غزة، خاصة وأن الحالة الأمنية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بـ"الحالة المعيشية"، بحسب محيسن. وأضاف قائلاً: " بدأوا بالحلقة المعيشية، خصم رواتب، وربما مفاقمة أزمة الكهرباء، المواطن بغزة رأس ماله هو الأمن وتوفر قوت يومه، عدم توفر هذا الأمر يتسبب بانهيار الأمن، فيما لا يوجد أي قوة يمكنها الحفاظ على حالة الأمن في ظل انهيار مجتمعي". واستعبد محيسن إمكانية استسلام حركة "حماس" أمام هذا المخطط، أو تنازلها عن قطاع غزة، للسلطة الفلسطينية. وبيّن أن "ما يحدث الآن مقدمة لإغلاق ملف القضية، كي تستطيع إسرائيل أن تُنهي حالة العداء مع الدول العربية، وبناء حلف عربي-اسرائيلي على غرار حلف الناتو لمواجهة الأخطار العالمية". واتفق معه المحلل السياسي عبد السلام الحايك، من قطاع غزة، الذي أعرب عن اعتقاده بوجود قرار عربي لإعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية. وقال: " هذا قرار عربي، تم اتخاذه في قمة الدول العربية التي عُقدت، نهاية الشهر الماضي، في البحر الميت في الأردن". وقال الحايك إن التحديات الواقعة على حركة حماس، كونها الجهة التي تسيطر على قطاع غزة، حقيقية، خاصة في ظل "هامش ضيق للمناورة المتاح لديها". وتابع: " إن تعامل حركة حماس مع مطلب الرئيس الفلسطيني بتسلم حكومة القطاع لسلطته، يتحدد وفق تعامل عباس مع الملفات الأمنية والمُتعلقة بالمقاومة في غزة". وتساءل الحايك: " مطالبه الأساسية إدارة الحكم بغزة، لكن كيف سيتم التعاطي مع بقية الملفات الأخطر، بالملف الأمني (الذي تتمسك حركة حماس به بشكل مطلق، وهذا ما أكدته خلال جولات المصالحة السابقة)، والملفات المتعلقة بالمقاومة بغزة، ونزع سلاحها". ويرى أنه إذا ارتبط الأمر بوجود شراكة سياسية حقيقة مع حركة "حماس"، فإن الأخيرة ستقبل تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، فيما سترفض ذلك قطعياً في حال أُريد من خلال هذه الخطوة إضعاف وكسر "المقاومة بغزة"، بحسب الحايك. وقال: " هذا الرفض سيؤدي إلى المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية بغزة". وعبّرت "حماس"، في تصريحات سابقة لها، عن رفضها لما وصفته بـ"تهديدات عباس لغزة"، متهمةً إياه بـ" صناعة الأزمات في غزة والتضييق على سكانها". وقالت الحركة، في بيان لها وصل "الأناضول نسخة منه: " إجراءات عباس، تهدف إلى تعزيز الانقسام وتطبيق خطته المتقاطعة مع خطة الاحتلال لعزل غزة وفصلها عن الوطن". وحذّرت الحركة من وجود مخطط دولي يقضي بفصل غزة عن الضفة الغربية، مؤكدةً في ذات الوقت أنه "لا دولة بدون غزة، ولا دولة بغزة". بدوره استبعد فريد أبو ضهير، أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية (غير حكومي)، اتخاذ "عباس" خطوات تصعيدية تجاه قطاع غزة، مشيراً إلى أن كل الخطوات التي استخدمت للضغط على "حماس" لم تؤدِ لنتيجة، نافياً وجود "حلول سحرية لحل الانقسام". ويسود الانقسام السياسي والجغرافي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف يونيو 2007. ولم تُكلّل جهود إنهاء الانقسام، بالنجاح طوال السنوات الماضية، رغم تعدّد جولات المصالحة بين الحركتين. وتابع أبو ضهير: "خطابه هذا ليس الأول، فقد سبقه إشارات بنفس المعنى، ولم يكن هناك أي تغير في الوضع". واعتبر ضهير ما جاء بخطاب عباس "فضفاضاً" يحمل توقعيْن باتجاهين متعاكسين. واستكمل قائلاً: " إما أن تأخذ منحى إيجابيا، يتمثل بالوصول إلى اتفاق مع حماس وإنهاء الانقسام، أو السيطرة على غزة بالقوة أو أي أسلوب آخر، ومن الصعب التكهن بخطواته". وبيّن أن "عباس" أدرك في السنوات الأخيرة أن الطريق للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي مسدوداً، وبالتالي بحث عن حلول وخطوات للضغط على الجانب الإسرائيلي والمجتمع الدولي بالذهاب لـ"الوحدة". أما أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية (مقرها جنين-غير حكومية)، فقد قال إن "عباس" سيتخذ إجراءات جديدة بشأن الانقسام، أولها تصالحي، وفي حال الفشل سيذهب عباس لمسار الانتخابات والتي بدأت بـ"المحلية"، المنوي عقدها في الفترة القادمة، ومن ثم "التشريعية وانتخابات المجلس الوطني". وأضاف : "عباس سيبرهن للعالم، وللدول العربية وخاصة قطر والسعودية ومصر بالإضافة لتركيا أن حماس هي العائق في انهاء الانقسام". واستبعد "يوسف" تخلي الحكومة الفلسطينية عن مسؤولياتها تجاه قطاع غزة، مشيرا إلى أن "مثل هذه الخطوات تضعف موقف حركة فتح وشعبية الرئيس محمود عباس".