"انطلق أبو البراء المصري نحو الكنيسة المرقسية في الإسكندرية ليفجر سترته الناسفة، كما انطلق أبو إسحاق المصري ليفجر سترته الناسفة داخل كنيسة مارجرجس في طنطا".. هكذا تحدث بيان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لإعلان مسؤوليته عن تفجير الكنيستين قبل أيام.
انطلاق اثنين من الانتحاريين لتفجير كنيستين، له ما سبقه من عمليات تجنيد لهما وإعداد خاص لتمكينهما من التنفيذ في إطار خطة التنظيم المسلح لاستهداف المسيحيين، وهو ما عبر عنه صراحة في إصداره المرئي بعنوان "وقاتلوا المشركين كافة" فبراير الماضي.
ويبقى السؤال كيف يتحول شاب في مقتبل حياته إلى انتحاري فجأة، ويذهب لاستهداف الكنائس؟
اتفق خبيران على مصطلح "الباحثون عن الجنة" لوصف الانتحاريين الذين يعتمد عليهم تنظيم "داعش"، لتنفيذ عمليات إرهابية.
البحث عن الجنة
"ينضمون للتيارات التكفيرية كنوع من البحث عن الجنة".. بهذه العبارة لخص أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة الدكتور جمال فيروز، الهدف والغاية التي يسعى إليها الانتحاري.
فيروز قال لـ "مصر العربية"، إن هناك عدة أسباب تدفع الشباب إلى الانضمام إلى التنظيمات التكفيرية والإرهابية، والتحول بعد ذلك إلى انتحاريين.
وأوضح أن عمليات الاعتقال التي تقوم بها قوات الأمن قد تدفع بعض الشباب فور خروجهم من السجن إلى الانضمام لتلك التنظيمات، خاصة إذا ترتب على عملية القبض فقدان العمل والأسرة.
وأشار إلى أن الشاب الذي ليس لديه خلفية دينية كاملة، يقع فريسة لعمليات التجنيد من هذه التنظيمات، ويظهر عليه السمت الديني من إطلاق اللحية وتقصير الجلباب ولكنه في الحقيقة لا يعرف حقيقة الدين.
ولفت إلى أن الشباب الذين يتم تجنيدهم لدى داعش، شخصيات انقيادية ويسهل التأثير عليهم، وبعضهم يعاني من أخطاء حياتية ويبحث عن مخرج من هذه المحنة، ويذهب إلى أنه بتفجير نفسه يتوب عما فعل.
شخصيات انطوائية
وعن شخصية الانتحاريين، قال أستاذ علم النفس، إنهم يتسمون بالانطوائية الشديدة ليس بالضرورة في مراحل عمرية متقدمة، ولكن هذه طبيعتهم منذ الصغر.
واعتبر أن هناك شخصيات ارتكبت ذنوبا كثيرة وتسعى للخلاص منها، عبر الوصول لجند الخلد، كما تصور لهم تلك التنظيمات التكفيرية.
واستطرد: "بعض الشخصيات تنجذب إلى الحديث عن متعة الجنة وأنهم شهداء وسينعمون بالحور العين".
الولاء والانتماء
وأشار فيرزو، إلى أن الشخصيات التي يسهل تجنيدها في التنظيمات الإرهابية، لديها سمة أساسية لكي يتم البناء عليها، وهى عدم الولاء للوطن.
وأوضح أن عدم الولاء والانتماء بفعل عوامل عديدة منها على سبيل المثال عدم وجود فرص عمل والحصول على فرصة للظهور كعضو فاعل في المجتمع، تدفع بعض الشخصيات ممن لهم تركيبة معينة كما سبقت الإشارة إلى الانضمام للجماعات التكفيرية.
وطالب بضرورة توفير فرص العمل وعدم إهمال محافظات الصعيد على وجه التحديد، التي تضم المحافظات الأكثر فقرا في مصر، فضلا عن وصول رجال الدين من المشهود لهم بالمصداقية والقبول لدى الناس إلى كل المحافظات لتوعية الناس بمخاطر الأفكار التكفيرية.
غسيل مخ
واتفق مع فيروز، أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق، حول بحث الانتحاريين عن الجنة، عن طريق تعرضهم لعملية غسيل مخ شديدة.
وقال صادق لـ "مصر العربية"، إن التنظيمات التكفيرية تعتمد على شحذ همم هؤلاء الانتحاريين مثل القول: "مبروك عليك الجنة"، بما يرفع من درجة جاهزية هذا الانتحاري، ليقوم بحمل قنبلة أو حزام ناسف وتفجير كنيسة وقتل المدنيين والأبرياء.
وأضاف أن عملية تجنيد الشباب وإعدادهم كانتحاريين أمر شديد التعقيد، لأنه يتطلب وجود تنظيم كبير، يرصد الأهداف ويجهز المتفجرات ويحدد الوقت ويعد الانتحاري، والأخير يصعب أن يكون في إطار عمل منفرد.
شخصية سطحية
واعتبر أن الشخصيات التي يسهل التأثير عليها وتجنيدها "سطحية" وبالتالي يسهل انحرافها فكريا والانضمام إلى التنظيمات التكفيرية، وبالتأكيد لا بد أن تكون هناك بيئة حاضنة للتجنيد.
ولفت أستاذ علم الاجتماع، إلى أن الانتحاريين ليس لهم هوية ولا مكانة اجتماعية وفي الغالب يكون شخصية "نكرة"، ويبحث عن مكانة كبيرة وشهرة، إذ سيكون شهيدا في اعتقادهم ومثار اهتمام الجميع.