أسند رأسه على عصاه، منكفئًا على ذاكرة ممتلئة بمشاهد الجنائز، عندما أخبره أحد حضور قداس أحد الشعانين بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية عن "تفجير مارجرجس طنطا"، كتم آلامه المتجددة في أسبوع الآلام، وانفرد بهمومه في مقره البابوي، تاركًا صورة أبلغ من آلاف التصريحات عن حالته، ملخصة في مسحة حزن، ودموع مكتومة على عتبات عينيه.
إلى مقر إقامته حين كان أسقفًا مساعدًا بـ"إيبارشية البحيرة"، انطلق البابا تواضروس الثاني نظير احتياطات أمنية بعد التفجيرات، أمضى 3 أيام في كنف أستاذه، ومرشده الروحي "الأنبا باخوميوس"، انقطعت الزيارات، وحلت مشاورات هاتفية بشأن تنسيق استثنائي لـ"قداس القيامة"، وموعد تلقي العزاء في ضحايا التفجيرات.
قدر "تواضروس الثاني" –منذ صعوده للكرسي المرقسي نوفمبر 2012-لم يمهله في احتفال خالص بـ"أعياد الكنيسة الرسمية"، تأخذه الأحداث المتجددة منذ (فتنة الخصوص مايو 2013، وما تبعها من اعتداءات على الكاتدرائية)، مرورًا بـ( حرق الكنائس أغسطس 2013، مذبحة المسيحيين المصريين بليبيا فبراير 2015)، وانتهاءً بـ"تفجيرات الكنائس –البطرسية بالقاهرة-مارجرجس طنطا-المرقسية بالإسكندرية)، إلى رقم قياسي في تلقي العزاءات، لم يحققه بطريرك سابق، وتضع فترته البابوية في خانة "سنوات الآلام"، إذ لم تمر ذكرى التفجيرات ضمن طقوس الكنيسة على أنها "أسبوع آلام المسيح"، وفقط.
رغم الدماء، لم يعلن البابا تواضروس الثاني اعتكافًا بالدير على خطى نظيره الراحل "البابا شنودة"، وتأتي تصريحاته عقب كل حادثة في سياق التأكيد على "وحدة المصريين"، ممهورة بصورة لـ"جسد أنهكته الآلام" متكيء على عصا الرعاية.
صباح اليوم الجمعة المعروفة كنسيًا بـ"الجمعة العظيمة"، ترأس البابا صلاة طقسية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، كأول صلاة رسمية يرأسها بعد قداس أحد الشعانين الدامي، توسط الحضور المحدود للأقباط، ومن خلفه "خورس الشمامسة"، وقليل من الكهنة.
أطلق البطريرك -الذي دخل من باب الكاتدرائية الرئيسي في حلة سوداء-بصره للسماء، في متلازمة لدموع متحجرة تبرزها بجلاء نظارته الطبية، ووجه شاحب، ويدين مضمومتين على عصا تسنده حين يشتد الحزن.
في مثل هذا اليوم تعرض السيد المسيح للمحاكمة بتهمة ملفقة، وعوقب بقرار جائر من محكمة دينية، يقول البابا تواضروس في عظته أيضًا: أنه مارس في هذا اليوم غسل أرجل تلاميذه ليبقى في أذهان الجميع كيف يكون المعلم.
20 دقيقة تقريبًا سرد خلالها البابا تواضروس الثاني مشاهدًا من آلام المسيح، دون أثر لحديث عن آلام الأقباط الكامنة على خلفية تفجيرات الكنائس، متنقلًا بين شروح مختصرة لطقوس أسبوع الآلام، الذي يختتم مساء اليوم بصلاة أخرى ضمن "صلوات البصخة"-وهي طقس كنسي يبدأ بأحد الشعانين موعد دخول المسيح لمدينة "أورشليم"-القدس-.
ويرأس البطريرك مساء غد السبت قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، على أن يقتصر احتفال الكنيسة بعيدها الرسمي على صلاة طقسية خالية من مظاهر الفرح، ودون تلقي التهنئة من الحضور عقب انتهاء كلمته-كما هو معتاد في قداسات الأعياد-.