"لو استقال الطيب.. فمن المؤهل لخلافته بمشيخة الأزهر؟".. سؤال فرض نفسه بقوة على الساحة مؤخرًا بعد الهجوم العنيف الذي تعرض له الأزهر وإمامه الأكبر على خلفية قضية الطلاق الشفهي تارة، أو الاتهامات التى تخرج بين الحين والآخر تشير إلى تقصير المؤسسة الدينية الأولى فى مصر والعالم الإسلامي فى تجديد الخطاب الديني تارة أخرى، خاصة بعد واقعة تفجير كنيستين مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية.
وشيخ الأزهر هو منصب مستقل غير قابل للعزل، ويعتبر الشخص الذى يصل لمنصب الإمام الأكبر، صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئونِ الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهرِ وهيئاته.
في عام 2011 أعيد إحياء هيئة كبار العلماء، ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن، لم يكتمل التشكيل النهائي لهذه الهيئة والمقدر 40 عضوا، فقدت ضمت حتى الآن 26 عضوا فقط، منهم الدكتور أحمد الطيب 71 عاما، والدكتور أحمد عمر هاشم 76 عاما، والدكتور نصر فريد واصل 80 عاما ، والدكتور محمد عمارة 86 عاما، والدكتور حسن الشافعي 87 عاما، والدكتور حمدي زقزق 84 عاما، والدكتور على جمعة 65 عاما، والدكتور محمود مهني 73 عاما.
وتضم الهيئة أيضًا، الدكتور عبد الفضيل القوصي 73عاما، والدكتور أحمد معبد78 عاما، والدكتور أحمد على طه ريان 78 عاما، والدكتور طه أبو كريشة 80 عاما، والدكتور عبد الفتاح بركة 85 عاما، والدكتور محمد الراوي 89 عاما، والدكتور عبد الرحمن العدوي 94 عاما، الدكتور حمدي صبح طه، والدكتور جلال عجوة والدكتور ربيع الجوهري، وآخرين .
ورغم وجود هذه الكوكبة من كبار العلماء، إلا أن باحثين في شئون المؤسسات الدينية، أكدوا أن قطاعا كبيرا من هؤلاء لا يصلح لخلافة الدكتور أحمد الطيب، لأسباب تتعلق بالسن أو المرض أو الموقف السياسي من النظام الحالي.
وانحصرت اختيارات الباحثين حول ثلاثة أو أربعة أسماء واحد منهم في عضوية الهيئة وهو الدكتور على جمعة، وثلاثة آخرين من خارجها وهم الدكتور شوقى علام مفتي الجمهورية 56 عاما (أول مفتى منتخب بعد إعادة إحياء هيئة كبار العلماء)، والدكتور أسامة الأزهري المستشار الديني لرئيس الجمهورية 41 عاما، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف 51 عاما.
وبحسب قانون الأزهر فإن شيخ الأزهر ينتخب من بين ثلاثة من أعضاء هيئة كبار العلماء عن طريق الاقتراع السرى المباشر، ويشترط فيمن يتولى هذا المنصب أن يكون مصرياً، وألا يقل سنه عن خمسة وخمسين عاماً ، وأن يتخرج من إحدي كليات الأزهر الشرعية، والالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، وأن يكون له مؤلفات منشوره في تخصصه، وأن يكون معروفًا بالتقوى والورع فى ماضيه وحاضره.
ويباشر عمله – شيخا للأزهر- اعتباراً من تاريخ انتخابه ويصدر باعتماد تعيينه قرار من رئيس الجمهورية، وتنتهى خدمة شيخ الأزهر ببلوغه سن الثمانين أو بالموت، وخلال فترة توليه المشيخة يعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة و الراتب و المعاش وكافة المزايا.
من جانبه قال الأستاذ إسلام عبد العزيز الباحث في شئون المؤسسات الدينية الإسلامية، إن منصب مشيخة الأزهر فقد زخمه الذى اكتسبه عبر العصور، بسبب ضعف من جلسوا على هذا الكرسي فى الفترتين الأخيرتين، وتحديدا منذ تولى الشيخ طنطاوي المنصب، ومن بعده الدكتور أحمد الطيب، وإن كان الأخير بدأ يستيقظ، إلا أن استيقاظه جاء متأخرا ولم يعد يجدى نفعا وسيجر عليه من الويلات.
وأضاف عبد العزيز لـ"مصر العربية"، : "على أي حال، فإن النظام الحالي يتحدد اختياراته الحقيقة فيمن يتولى مشيخة الأزهر بين ثلاثة أو أربعة أشخاص، الأول الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية وهو المرشح بقوة من وجهة نظري، لعدة أسباب منها نجاحه في اختبارات الولاء التي اجتازها بجدارة خلال فترة توليه الأولى مما جعلهم يمددون له فترة ولاية ثانية فى دار الإفتاء ، أضف إلى ذلك طبيعة شخصية الرجل التي تقترب من طبيعة شخصية الراحل محمد طنطاوي والتي يغلب عليها الطابع الوظيفي ولا يمكنه تجاوز الخطط المرسومة له، وممن يدركون مصلحة الدولة العليا حسب فهمه.
وتابع :"ومن بين الأسباب أيضًا الانزواء الإعلامي الذى يجنح إليه علام، مما يجعله فى كل أحواله غير مثير للمشاكل، سواء كان سلبا للنظام كأحمد الطيب، أو إيجابا للنظام ودفاعا عنه كمختار جمعة، واعتقد أن هذا الانزواء جعله مصدر طمأنينة للنظام، وجعل أسهمه دائما تعلو على غيره من رجال المؤسسة الدينية، أضف إلى ذلك النجاح الذي حققه مفتى الجمهورية الحالي فى التواصل مع بعض الدوائر الغربية عن طريق أحد الشخصيات ذات الصلات العميقة بالغرب والتي تعمل فى دائرة المستشارين".
وأوضح الباحث فى شئون المؤسسات الدينية أن الشخصية الثانية التي يمكن للنظام أن يفكر فيها، هى شخصية الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق، الذي يتميز بأنه شديد الولاء للنظام، وتحديدا المؤسسة العسكرية، وأنه صاحب تاريخ علمي لا يمكن لأحد أن يعترض عليه وربما تكون الخلافات السياسية هى مكمن الاعتراض.
ولفت إلى أن الدكتور على جمعة يتميز بكونه يستطيع أن يبني مؤسسات قوية في إطار لا يغضب النظام، إلا أن ما يمكن أن يضعف أسهمه، هو أن النظام ربما يبحث عن شخصية يغلق بها ملف الشأن الديني.
ونوه إسلام عبد العزيز إلى أن الرجل الثالث الذي يفكر فيه النظام ربما يكون أسامة الأزهري، وهنا سيكون النظام أمام معضلة وعليه أن يغير في قانون اختيار هيئة كبار العلماء وشيخ الأزهر لأن أسامة ليس عضوا بها.
وأردف: "وإذا حدث وفكر النظام فى أسامة الأزهري فسيكون هذا من رئيس الدولة نفسه، لأنه يراه من الشخصيات الواعدة التي يمكن أن تدير الملف الديني، وقد تم ملاحظة ذلك من خلال اختياره عضوا فى المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب، وكونه المستشار الديني لرئيس الجمهورية، وفى عدائه الأخير مع شيخ الأزهر والذى عبرت عنه بعض مقالاته التي كتبها فى محاولة أن يقدم نفسه بديلا عن شيخ الأزهر الحالي".
وعن الشخصية الرابعة، ذكر عبد العزيز أن بعض مؤسسات الدولة صانعة القرار ربما ترشح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف لمشيخة الأزهر، لأنه شخصية تقدم أكثر مما يطلب منها، بمعنى أنه شخصية ملكية أكثر من الملك.
وحول الأسماء الأخرى التى تصلح لتولى هذا المنصب من داخل هيئة كبار العلماء، قال إسلام عبد العزيز، : "هناك فقر استطاع الطيب أن يجمعه داخل هذه الهيئة باستثناء، الدكتور محمد عمارة، والدكتور حسن الشافعي، وهؤلاء لا يمكن أن يتولوا منصب المشيخة لمواقفهم السياسية وعدائهم الشديد للنظام، وهناك علماء داخل الجامع الأزهر لا يعلم أحد عنهم شيئا كالشيخ طه ريان"، مضيفا :" لو أن لديك قدرة على الاختيار الحقيقي وعاد منصب شيخ الأزهر بالانتخاب بين العلماء، لرأيت أسماء تستطيع أن تقود الأزهر إلى أعالي المجد".
وعن رأيه فى مسألة تولى الدكتور عبد الفضيل القوصي البالغ من العمر 73 سنة هذا المنصب، أوضح عبد العزيز أن "القوصي كان وزيرا للأوقاف فى عهد المجلس العسكري، وهو لا يختلف كثيرا مع المجموعة الموجودة، لكنه لن يصلح مع هذا النظام، لأنه رجل علم شأنه شأن أحمد الطيب وربما يحدث بعض الاختلافات مع النظام، لذا أعتقد أن أفضل شخصية للنظام هو شوقي علام".
وعن السبب الوحيد الذي قد يدفع الدكتور أحمد الطيب إلى تقديم استقالته، قال إسلام عبد العزيز : " لا أعتقد أن الطيب ابن الصعيد الذي جاء من فرنسا وتولى الإفتاء ثم جامعة الأزهر والمشيخة أن يسلم بسهولة، إلا فى حالة واحدة فقط أن يتم تهديده فى سمعته ففي هذه الحالة قد يستقيل حفاظا على سمعته هو وعائلته"، لافتا في الوقت ذاته إلى النظام لن يقبل من أحمد الطيب أن يقدم استقالته بطريقة تجعل منه بطلا .
وبدوره قال حسين القاضى، الباحث فى الشئون الإسلامية، : "لا أعرف أشخاصا معينين يمكن أن يخلفوا الطيب، ولم يخطر على بالي هذا السؤال من قبل، لكن إن أردت أشخاصا يؤدون واجبهم على أكمل وجه في تجديد الخطاب الديني، وفي مقاومة التيارات المتطرفة، فلا أعلم إلا مدرسة الدكتور علي جمعة، والدكتور أسامة الأزهري".
وأضاف : " أن للدكتور علي جمعة تجربة ناجحة في العمل الإداري، حيث تجربة دار الإفتاء المصرية، وتجربة في العمل الخيري ( مصر الخير )، أما الدكتور أسامة فأعتقد أن جماعة الإخوان نشأت على يد البنا وستموت على يد الأزهري، لكن مازال دوره في منصبه كوكيل للجنة الدينية بمجلس الشعب يحتاج إلى جهود من كل اللجنة ومنه لأداء دورها".
في المقابل أعلن عدد من أئمة وزارة الأوقاف، عبر استطلاع رأى أجرته "مصر العربية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، دعمهم الكامل للدكتور أحمد الطيب، بمطالبين إياه بمواصلة مسيرته الدعوية، وإلا ستكون فتنة يضيع بعدها الأزهر – حسب تعبيرهم- مؤكدين في الوقت ذاته أنه شخصية قوية وليس من السهل أن يستفزه أحد أو يجعله يقدم استقالته، فيما قال آخرون إنه استقال فلن يحترمه أحد لأنه ضيع الأمانة وقت الحرب.
وفيما يلى الاستطلاع ..