تشهد تركيا أهم استفتاء شعبي على تعديل دستوري في تاريخها الحديث والمعاصر، بموجبه سيتحدد نظام الحكم فيها من برلماني إلى رئاسي، ربما على أسره تتغير ملامح الدولة التركية.
السلطان التركي رجب طيب أردوغان يراهن على نتيجة الاستفتاء، والذي اقترحه حزبه "العدالة والتنمية" قبل شهرين، أعقبه تصويت برلماني بأغلبية 339 صوتًا، وذلك من أجل كسب المزيد من الصلاحيات الرئاسية. بحسب مراقبين.
تركيا التي مرت منذ انقلاب 1960 بستة استفتاءات شعبية على تعديلات دستورية، يستفتى شعبها بتعديل سابع، وصف بالأهم لتغيير نظام حكمها، وهو تغيير جذري لا بدّ أن تكون له انعكاساته على مساراتها المستقبلية.
ومع بدء الاستفتاء التركي، وتزامنًا مع توجه الناخبين صوب صناديق الاقتراع لا يزال الاستقطاب الثنائي في المشهد السياسي يسيطر؛ فهناك التيار المحافظ المؤيد للتعديل ممثلاً في حزب العدالة والتنمية الحاكم مدعومًا من القوميين، والتيار العلماني اليساري ممثلاً في حزب الشعب الجمهوري مدعومًا من اليسار الكردي الرافض لهذه التعديلات.
علاء فاروق المتخصص في الشأن التركي قال: إنه بمراجعة الدعاية الانتخابية التي قام بها حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل الاستفتاء، نجد أن تلك الدعاية خدمت أردوغان، بكسب تعاطف الشارع التركي معه، كما أن الحصار الأوروبي وعدم السماح للجاليات التركية بتنظيم وقفات داعمة للاستفتاء كلها صبت في صالح أردوغان.
العدالة والتنمية
وأوضح لـ"مصر العربية": الشارع التركي الآن مهيأ لدعم "نعم للتعديلات الدستورية"، فهناك أعداد كبيرة تراهن على العدالة والتنمية ويرون أن "نعم" معناها استمرار العدالة والتنمية واستمرار أردوغان.
المعارضة التركية وبالأخص حزب الشعب الجمهوري يعمل الآن على الترويج لدعاية عكسية للضغط على الشارع التركي، قائلًا: "هم يعلمون أن الكلمة ستكون بـ"نعم"، لكنهم يعملون الآن من أجل تقليل فارق التصويت، حتى لا يحرجوا أمام الشارع.
وأكد أن الانشقاقات ضربت أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري)، انشقاق لـ3 قيادات كبير بسبب تعنت الحزب المعارض على القول بـ"لا" للتعديلات، دون إبداء أية أسباب.
سليمان الحاظري الناشط السياسي السوري وأحد السوريين الموجودين في تركيا، قال إن الاستفتاء الدستوري سيحدد ملامح تركيا الجديدة، مضيفًا أن التعديلات ستتيح للنظام الرئاسي فرصة أكبر لتشكيل حكومات قوية بعيدة عن عباءة الأحزاب.
وأضاف لـ"مصر العربية" أيضًا، البرلمان سيتمكن من تفعيل عمله الرقابي بشكل جدّي، مضيفا أن الاستفتاء بمثابة عنق زجاجة للأتراك الذين اختاروا الديمقراطية من قبل في الـ 15 يوليو قبل الماضي.
صعوبة الاستفتاء
الناشط السوري وأحد المقيمين في تركيا، أشار لصعوبة الاستفتاء والذي رأى أنه وتر الشارع التركي قبل فتح باب الصناديق، خصوصًا من قبل أنصار "لا" للتعديلات الدستورية، فالأحزاب العلمانية مثل الشعب الجمهوري أرسلت رسائل وإيميلات خاصة لإقناع أنصارهم برفض التعديلات، لاعبين على وتر الصلاحيات الكبيرة والتخويف من القمع وفزاعة الملاحقات الأمنية.
في حين يرى مراقبون أن ثمة تحديات وعراقيل تقف أمام النظام البرلماني الحالي في تركيا تتمثل أولى هذه المشاكل في تقاطع وتضارب الصلاحيات بين مؤسسات الدولة المختلفة؛ إذ يمكن للرئيس صاحب المنصب شبه الرمزي والفخري في النظام البرلماني أن يرفض التوقيع على تشريعات يصدرها البرلمان فضلاً عن صلاحيات واسعة معطاة له فيما يتعلق بعمل الحكومة (السلطة التنفيذية).
المشكلة الثانية تتعلق بكون السلطة التنفيذية في تركيا وفق الدستور الحالي برأسين، فرئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية وله صلاحياته المقرة في الدستور، لكن الرئيس أيضًا رأس الدولة ويحق له التدخل في عمل السلطة التنفيذية ومن ضمن ذلك رئاسة المجلس الوزاري متى أراد وغير ذلك من الصلاحيات، وقد أدّت هذه الثغرة إلى تكرر الأزمات بين كل رئيس ورئيس وزراء منذ 1982، حتى بين المنتمين لنفس الحزب السياسي مثل سليمان دميريل وتانسو تشيلر (حزب الطريق القويم) وتورغوت أوزال ومسعود يلماظ (حزب الوطن الأم).
نسب المشاركة
وكانت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا أعلنت أن نسبة مشاركة الناخبين من أتراك الخارج في الاستفتاء الشعبي المتعلق بالتعديلات الدستورية، التي جرت قبل أيام في عدد من البلدان الأوروبية خاصة، بلغت 44%.
ويشير استطلاع الرأي إلى سباق متقارب يتقدم فيه معسكر "الموافقة" بفارق طفيف لكن نصف الناخبين تقريبًا يرفضون التعديلات التي ستغير نظام الحكم البرلماني برئاسة تنفيذية يقول أردوغان إنها ضرورية لمد البلاد بالقوة.
وتشمل التعديلات المقترحة زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب، وخفض سنّ الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا، وحصر مدة ولاية الرئيس بولايتين فقط؛ كل منها خمس سنوات.
ولإقرار التعديلات الدستورية، ينبغي أن يكون عدد المصوّتين في الاستفتاء الشعبي بـ "نعم" أكثر من 50% من الأصوات (50+1).
نواب البرلمان
يذكر أن البرلمان التركي في يناير الماضي أقر مشروع التعديلات الدستورية، الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي يتضمن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، كما تشمل التعديلات المقترحة زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى ستمائة نائب، وخفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا.
وشهدت الدولة التركية الحديثة والتي تأسست عام 1923 عقب انتهاء حقبة الدولة العثمانية 6 عمليات استفتاء للتعديل على الدستور في مراحل مفصلية من تاريخها.
وكتب لأغلب عمليات الاستفتاء النجاح والموافقة الشعبية على التعديلات باستثناء استفتاء واحد عام 1988 والذي فضلت الغالبية الشعبية فيه ترجيح كفة "لا" وإبقاء الهيئات المنتخبة في ذلك الوقت وعدم التوجه لانتخابات مبكرة في ظل ظروف أمنية صعبة.
استفتاء عام 1961: كلف مجلس الأمن القومي الذي نفذ أول انقلاب عسكري في تاريخ الدولة الحديثة بتركيا عام 1960 أعضاء هيئة التدريس بكلية الحقوق في جامعة اسطنبول بإعداد مسودتين للتعديلات الدستورية للعرض على اللجنة الدستورية وتمت الدعوة للاستفتاء المباشر من قبل الشعب في يوليو 1961.
تمرير الاستفتاء
وتم تمرير الاستفتاء وأقرت التعديلات بعد مشاركة أكثر من 10.321 ملايين مواطن تركي وكانت نسبة التصويت 61.7 في المائة من المشاركين قالوا "نعم" وصوت 38.3 بـ"لا" على التعديلات.
استفتاء عام 1982: ولم يكن الاستفتاء الثاني على الدستور التركي في ظروف أفضل حالا من الاستفتاء الأول إذ جاءت عقب انقلاب عسكري أيضًا وعلى غير رغبة من الشعب.
ودعا رئيس مجلس الأمن القومي آنذاك كنان إيفرن وهو قائد الانقلاب العسكري لعام 1980 إلى الشروع في تعديلات دستورية وأصبحت المسودة الجديدة جاهزة عام 1982 وتم الدعوة للاستفتاء بتاريخ 7 نوفمبر من نفس العام.
استفتاء عام 1987: وجاء الاستفتاء الثالث في ظل حكم رئيس انقلاب عام 1980 كنان إيفرين عقب انتهاء الأحكام العرفية وكان الاستفتاء يستهدف المادة الرابعة من الدستور والتي قضت بمنع قيادات الأحزاب التي حلّت بعد الانقلاب من المشاركة لفترات ما بين 5 إلى 10 سنوات في العملية السياسية.
وعلى الرغم من نجاح الاستفتاء بنسبة مئوية ضئيلة إلا أنّ عدد الأتراك الذين شاركوا في الاستفتاء كان كبيرًا ووصل إلى أكثر من 24.436 مليون مواطن وكانت نسب التصويت على خيار "نعم" 50.16 بالمائة وعلى خيار "لا" 49.84 بالمائة.
استفتاء عام 1988: وجرى الاستفتاء الرابع في مرحلة العسكر وللمرة الثانية في ظل رئاسة كنان إيفرين والذي دعا في حالة طوارئ كانت تسود البلاد إلى استفتاء على الذهاب لانتخابات مبكرة لكن الاستفتاء فشل وصوت أغلب الأتراك بـ"لا" خاصة أن تلك الفترة شهدت اشتباكات عنيفة في جنوب وشرق الأناضول مع حزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية.
وحصد خيار التصويت بـ"لا" على 65 بالمائة من مجمل المشاركين فيما حصل خيار "نعم" على 35 % وشارك في الاستفتاء أكثر من 23.750 مليون وهي نسبة أقل من نسبة المشاركين في استفتاء عام 1987.
استفتاء عام 2007: تقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي كان يرأسه الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان في تلك الفترة بجملة من التعديلات الدستورية، وكتب للتعديلات عند طرحها للاستفتاء العام على الشعب النجاح وحصلت على نسبة موافقة كبيرة وشارك في الاستفتاء أكثر من 28.794 مليون مواطن تركي.
وحصل خيار "نعم" في التصويت على 68.95 بالمائة في حين حصل خيار "لا" 31.05 بالمائة.
وفي استفتاء عام 2010: أعاد حزب العدالة والتنمية الكرة وتقدم بتعديلات دستورية لكن هذه المرة فتحت ملف انقلاب عام 1980 وأفسحت المجال أمام محاسبة المشاركين فيه وتضمنت توسيع نطاق الحريات العامة وتقليص صلاحيات المؤسسة العسكرية، وحصل خيار "نعم" على 57.88 % في حين حصل خيار "لا" على 42.11 % وكان مجمل المشاركين في التصويت 38.369 مليون مواطن.