في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" اﻷمريكية ، سعت الكاتبة "الميرا بيراسلي" للتأكيد على أن نتيجة الاستفتاء الذي يجري في تركيا اليوم على 18 تعديلا على الدستور، لن يمنع الرئيس رجب طيب أردوغان عن مسعاه في الحصول على كافة الصلاحيات التي يريدها.
وأوضحت الكاتبة اﻷمريكية أن أردوغان شخص مقاتل، وسوف يذهب إلى أبعد مكان للحصول على ما يريد، وإذا حرمته الصناديق مما يريد، فسوف يسعى إليه من خلال تمديد حالة الطوارئ ربما لأجل غير مسمى.
وفيما يلي نص المقال:
يصوت اليوم اﻷحد الأتراك على 18 تعديلا على دستور بلادهم بينها إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل سلطاته إلى الرئيس.
الرئيس رجب طيب أردوغان يدفع باتجاه التصويت بـ"نعم"، النظام الرئاسي لن يمنح أردوغان مزيدا من السلطة لتعيين القضاة والوزراء، والسيطرة على الميزانيات، بل سوف يسمح له أيضا بالحكم لفترتين رئاسيتين جديدتين - حتى عام 2029 - مما يعزز تحول تركيا إلى الاستبداد، ولكن حتى لو كان التصويت بـ "لا" الأفضل، لن يكفي لإنقاذ الجمهورية التركية من أضرار أردوغان.
الديمقراطية النموذجية لن تأتي بسهولة إلى تركيا، تأسست الجمهورية التركية عام 1923، ولم تجر أول انتخابات متعددة الأحزاب حتى عام 1946، حتى أن العدد القليل من الحكومات التي أدارت البلاد، لم يلتزم أي منها بسيادة القانون، وساهم الجيش في غياب الديمقراطي عن تركيا، وفي عام 1960 و 1971 و 1980 و 1997 قام الجيش بالاستيلاء على السلطة من الحكومات.
ودعا عدد من أسلاف أردوغان لتعزيز سلطة الرئاسة لترويض الجيش، وبعدما أصبح أردوغان رئيسا للوزراء عام 2003، تمكن من وضع رقابة مدنية على النفقات العسكرية، وعدد من الإجراءات التي بسببها فتح الاتحاد الأوروبي مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد عام 2005.
وفي عام 2006، بدأ أردوغان الحديث عن ضرورة انتقال تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي "مثل أمريكا". ورأى الكثيرون أنها خطوة أخرى ضد الجيش، الذي كان يعتبر منذ فترة طويلة حامي "العلمانية التركية"، وهو ما عارضه أردوغان.
وفي عام 2010، قدمت حكومة أردوغان عدة مئات من الضباط إلى المحكمة بتهمة التخطيط للإطاحة بالحكومة، وأدين أكثر من 200 منهم.
وفي أعقاب محاولة انقلاب يوليو، حصل أردوغان على سلطة واسعة على الجيش عندما أعلن - وأيد البرلمان - حالة الطوارئ، بموجبها يتمتع الرئيس بسلطة على التعيينات العسكرية، وقلصت هذه السلطات أيضا دور البرلمان.
كما يجوز لمجلس الوزراء الآن وضع مشاريع قوانين للموافقة عليها من قبل البرلمان، فقط من خلال التصويت بنعم أو لا، كما أن المحكمة الدستورية ليس لها اختصاص خلال هذه الفترة.
ولكن رغم السلطات الكثيرة التي في أيدي أردوغان، أصبحت تركيا أقل استقرارا، حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا في العمليات الإرهابية، والاضطرابات الاجتماعية.
وخلال العامين الماضيين وحدهما، هزت سلسلة من التفجيرات جميع أنحاء البلد، ويعتقد أن الدولة الإسلامية داعش وراء العديد منها، وأعلن حزب العمال الكردستاني، مسؤوليته عن الآخرين.
وقال أردوغان في نوفمبر 2015 عن موجة العنف:إن أحد أهم الرسائل هو أن تركيا يجب أن تحل هذه المسألة الدستورية فورا، وتنقل السلطات التنفيذية إلى الرئيس هذا هو الطريق، وبذلك تركيا سوف تكون قادرة على هزيمة الإرهابيين".
واستنادا إلى رد فعل الرئيس على محاولة الانقلاب في يوليو قد يشمل مصطلح اﻹرهاب أي شخص يعارضه أو ينتقده.
ومنذ يوليو الماضي سجن أردوغان الصحفيين والمعارضين السياسيين، بما في ذلك "ديميرتاس" زعيم الحزب الديمقراطي الشعبي المؤيد للأكراد.
وخلال الاشهر القليلة الماضية قام الرئيس بإقالة أكثر من 100 ألف مسؤول عمومى من بينهم قضاة ومدعون عامون، وضباط شرطة، وموظفون مدنيون، ومدرسون، وعاملون بالجامعة لاتهامهم بالانتماء إلى فتح الله كولن الواعظ الذي يتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، واعتقل أكثر من 45 ألف شخص.
كما تخلى أردوغان عن السياسة الخارجية الطموحة التي عززت اقتصاد تركيا وساعدت على زيادة دور البلاد في الشؤون الدولية، ليحل محلها القومية.
تركيا اليوم معزولة بشكل متزايد، وخاصة من الغرب، وفي السنوات الأخيرة، اتهم أردوغان واشنطن وبروكسل بـ "المؤامرات القذرة" ضد تركيا.
هذا الاصطدام قد يردد صداه المسلمين المحافظين الذين يشعرون بالغربة عن الغرب، واستياء من تزايد الإسلاموفوبيا التي يرونها هناك.
ولن يكون من المستغرب إذا كان هؤلاء السكان يتوقعون أن تكون النتيجة "نعم" في الاستفتاء الدستوري.
ولكن إذا اختار الناخبون "لا"، فلن يتم ردع أردوغان، رئيس تركيا شخص مقاتل، وسوف يذهب إلى أبعد مكان للحصول على ما يريد.
ولمواجهة الهزيمة في صناديق الاقتراع، من المرجح أن يشتد في حربه ضد الأكراد، مما يجعله يبدو وكأنه المدافع عن اﻷمة، ومن شأن هذه الخطوة أن تساعده على كسب التأييد بين الناخبين القوميين، كما أنه إذا حرم مما يريد عن طريق التعديل الدستوري، سوف يسعى إليه من خلال تمديد حالة الطوارئ - ربما حتى لأجل غير مسمى.
كما يمكن ﻷردوغان الدعوة ﻹجراء انتخابات مبكرة، مما يمكنه من الحصول على "ولاية" أخرى، وفي مواجهة معارضة ضعيفة يواصل حزب العدالة والتنمية الحصول على تأييد كبير، والذي لن يقدمه الشعب التركي في 16 أبريل، سوف يحصل عليه أردوغان من أغلبيته في البرلمان.
ومع ذلك، تحتاج تركيا إلى فوز "لا" اليوم، رفض التعديلات الدستورية المقترحة من أردوغان من شأنه أن يبقي على قيد الحياة احتمال أن تكون تركيا في النهاية قادرة على كبح سلطة حكامها، وربما في يوم من الأيام، تمهد الطريق أمام الديمقراطية النموذجية الشاملة.
الرابط اﻷصلي