في هدوء اعتاد عليه، وحذر وتيقظ عرف به، يجلس الشيخ السبعيني الذي لا تبدو عليه علامات الكبر كثيرا، على مقعد الإمام الأكبر للجامع الأزهر الشريف الذي تجاوز عمره أكثر من 1000 عام، بين سندان هيمنة السلطة التنفيذية ومطرقة الآلة الإعلامية منذ سبعة سنوات.
ولد أحمد الطيب بـالقرنة بمحافظة الأقصر في يناير 1946، وألحقه أبوه شيخ الطريقة الصوفية بالأزهر حتى حصل على شهادة الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969 ثم شهادة الماجستير عام 1971 ودرجة الدكتوراه عام 1977 في نفس التخصص.
في مارس 2010 أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارا بتعيين الطيب شيخا لجامع الأزهر، خلفا للراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، الذي كان يشغل في الوقت ذاته عضوية أمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل.
رفض الطيب، في البداية، الاستقالة من الحزب الوطني الديمقراطي متذرعا بعدم وجود تعارض بين المنصبين، ولكنه استقال من الحزب في النهاية.
وعن احتمالية تبعية الأزهر للنظام السياسي وقتها، قال الطيب: «مؤسسة الأزهر لا تحمل أجندة الحكومة على عاتقها، لكن الأزهر لا ينبغي أن يكون ضد الحكومة؛ لأنه جزء من الدولة وليس مطلوبا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة، وعندما جئت شيخا للأزهر وافق الرئيس مبارك على استقالتي من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني؛ كي يتحرر الأزهر من أي قيد».
لم يمض على قرار تعيين أستاذ العقيدة والفلسفة في منصبه أكثر من 9 أشهر، حتى اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتطيح بالنظام، ليجد نفسه في موقف لا يحسد عليه.
لخصت الكاتبة زينب عبد اللاه موقف أحمد الطيب من ثورة 25 يناير بأنه « أيد الحقوق المشروعة للشعب في العدل والحرية والعيش الكريم، وفي الوقت نفسه عبر عن قلقه ورفض أي عمل يؤدي إلى إراقة الدماء وإشاعة الفوضى في البلاد».
الشيخ السبعيني عاد بعد خطاب مبارك الثاني ووصف مظاهرات التحرير بأنها "بهذا الشكل حرام شرعا" ودعوة للفوضى.
وبالتزامن مع "موقعة الجمل"، أعرب الطيب عن أسفه الشديد مشددا على ضرورة التوقف فورا عن العصبية الغاشمة، وكرر دعوته للشباب المتظاهر للتحاور.
دعا الطيب أيضا للتعقل ورأب الصدع والحفاظ على الأمن وقطع السبيل أمام ما أسماه حينها بمحاولات التدخل الأجنبي معتبرا «الأحداث يراد بها تفتيت مصر».
وبعدما أعلن مبارك نقل سلطاته إلى نائبه عمر سليمان، حذر الطيب من استمرار المظاهرات التي أصبحت «لا معنى لها» و «حرام شرعا» بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب، ومن ثم زال المبرر الشرعي للتظاهر.
استقلال الأزهر
سعى الطيب سعيا حثيثا لاستقلال الأزهر ووصل إلى مبتغاه بحنكة ودهاء سياسي منقطع النظير، ففي أوج التقلبات السياسية، ضغط الطيب على المجلس العسكري والقوى السياسية لإصدار قوانين وتشريعات تضمن استقلالية شيخ الأزهر بحيث يصبح غير قابل للعزل ويتم اختياره من بين هيئة كبار العلماء وهو ما استطاع تحقيقه لينهي وصاية السلطة التنفيذية عليه وفقا للقانون الذي أقره الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.
الشيخ الصعيدي أشار لهذا الاستقلال بكلمات صريحة في أكثر من مناسبة قائلا، «الأزهر فوق الثورة والسلطة» وفي مناسبة لاحقة قال: «استقلال الأزهر الشريف وفقا للدستور الجديد، و تعيين رئيس شيخ الأزهر خارج سلطات رئيس الجمهورية، وأصبح تعيينه من مسؤولية هيئة كبار العلماء»
الطيب والإخوان
فى يوم السبت الموافق 30 يونيو 2012 تعرض الطيب لأول اختبار حقيقي من قبل جماعة الإخوان المسلمين، حينما دخل لحضور كلمة الرئيس الأسبق محمد مرسى فى قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة فلم يجد مكانا لعلماء الأزهر داخل قاعة كبار الزوار، ليقرر على الفور الانسحاب.
30 يونيو
إثر لقائه مع الرئيس الأسبق محمد مرسي، قبل 30 يونيو بأيام قليلة، خرج بعدها ليؤكد أن الخروج عن الحاكم بطريقة سلمية ليس حراما.
ولم يغب الطيب عن مشهد 3 يوليو فقد ظهر جالسا على يسار الفريق عبد الفتاح السيسي وقتها، وبجواره رأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني، في تعبير صريح عن موافقته لما تلاه السيسي من إجراءات.
اعتصام رابعة
"إن الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا صباح اليوم، ويحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء".. بشفتان ترتجفان أدلى الطيب ببيانه الأول الذي بثه التليفزيون المصري تعليقا على فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013 الذي أودى بحياة المئات.
وأكد الطيب أنه لم يكن يعلم بموعد فض الاعتصام في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، إلا عبر وسائل الإعلام، ودعا جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وتغليب صوت الحكمة والاستجابة إلى الجهود الوطنية للحوار والمصالحة الشاملة".
لم يشفع بيان الإمام الأكبر ورفضه لإراقة الدماء بعد الفض، فرد عليه الشيخ يوسف القرضاوي قائلا: "رغبتك في الانسحاب من المشهد السياسي لا تبرئك بعد أن كنت ركنا ركينا، وعضوا أصيلا في 30 يونيه".
الموقف من داعش
مع صعود داعش على الساحة الدولية رفض الأزهر تكفير داعش في ديسمبر 2014، "حتى لا ينتشر التكفير في المجتمع كله"، لكنه أقر بحد الحرابة عليه.
أزمة الطلاق الشفوي
مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة، ظهرت تقارير إعلامية عديدة حول عدم رضا السيسي الكامل عن أداء الطيب، غير المتماهي مع حكمه، بالمقارنة بـالحماسة الزائدة، التي يبديها كل من مفتي الجمهورية السابق علي جمعة، ووزير الأوقاف، للوضع السياسي القائم.
«تعبتني يا فضيلة الإمام»
نقاط التعارض بين السيسي والطيب عديدة، حيث وجه الأزهر انتقادات حادة لانتهاكات الحشد الشعبي في العراق ضد أهل السنة في وقت كانت الإدارة المصري تبدي تقاربامع إيران، وبالتزامن مع إلحاح مصر في الطلب على صندوق النقد الدولي، انتقد الطيب سياسات الأخير قائلا: «إن العولمة اتخذت خطوات تنذر بخطر محدق، على طريق إفقار العالم الشرقي، ووضع العوائق والعقبات على طريق تقدّمه، وإحكام السيطرة على مفاصِلِ دُوَلِه وأوطانه، من خلال منظمات عالمية، وبنوك دولية، وقروضٍ مجحفة».
أبرز خلاف واضح بين الطيب والسيسي كان خلال احتفالات عيد الشرطة الأخيرة حين طلب السيسي من شيخ الأزهر فتوى شرعية بمنع الاعتراف بالطلاق الشفوي في معرض حديثه عن الإحصاءات المرتفعة للطلاق في مصر.
وقال السيسي:«هل نحن يا فضيلة الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، لكي يكون أمام المأذون، حتى نعطي للناس فرصة لتراجع نفسها، ونحمى الأمة بدل تحولها لأطفال فى الشوارع بسلوكيات غير منضبطة».
وتابع السيسي: «ولا إيه يا فضيلة الإمام.. تعبتني يا فضيلة الإمام»، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعاتب فيها السيسي شيخ الأزهر بشكل معلن وفي خطابات، ولكن في تلك المرة تأخر رد الشيخ لأيام لتصدر هيئة كبار العلماء التي يترأسها بيانا رافضا لاقتراح السيسي.
وجاء البيان بعد اجتماع طارئ بعنوان »بيان للناس من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف« بصيغة غير معتادة تدل على أهمية الأمر.
بيان الهيئة رفض دعوة السيسي، كما رفض إقرار وقوع الطلاق الشفوي وتنقل البيان لسرد المسائل الشرعية لتأييد رأيه، ولم يكتف البيان برفض طلب السيسي فقط ولكنه اختتم بعبارات غاية في القوة تقول: «على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق(…) أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم».
العلاقات الخارجية
جمد الأزهر الحوار مع الفاتيكان في 20 يناير 2011 إلى أجل غير مسمى بسبب ما اعتبره تهجما متكررا من البابا بنديكت السادس عشر على الإسلام ومطالبته بـ"حماية المسيحيين في مصر" بعد حادث تفجير كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية. وهو ما اعتبره أحمد الطيب شأن داخلي تتولاه الحكومات باعتبار المسيحيين مواطنين مثل غيرهم من الطوائف الأخرى.
ورفض الطيب إعادة العلاقات مع الفاتيكان إلا بعد اعتذار صريح وهو ما حدث بالفعل. وعن إسرائيل، يرفض الطيب مصافحة الإسرائيليين أو التواجد معهم في مكان واحد؛ لأن « مصافحتهم ستحقق مكسباً، لأن المعنى أن الأزهر صافح إسرائيل، وسيكون ذلك خَصماً من رصيدي، وخَصماً من رصيد الأزهر؛ لأن المصافحة تعني القبول بتطبيع العلاقات، وهو أمر لا أقرّه إلى أن تعيد إسرائيل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة».
وكثف الأزهر في الفترة الأخيرة من الزيارات الخارجية لدول عديدة كان بينها ذهابه إلي الفاتيكان بعد دعوة رسمية.
البرلمان يناوش
صرح أكثر من مرة النائب محمد ابو حامد القيادي في "دعم مصر"، المقرب من دوائر السلطة، أنه بصدد إعداد مشروع لتعديل قانون الأزهر مشيرا إلى أن هيئة كبار العلماء يتم تشكيلها من خلال قرار تعيين يصدر من شيخ الأزهر، إلا أن فلسفة التعديل الجديد تتمثل فى ضرورة أن تدخل المؤسسات الدينية المختلفة لترشيح أعضاء هيئة كبار العلماء وإن كان هناك تعيين لأعضائها يكون من خلال رئيس الجمهورية وليس شيخ الأزهر.
تجديد الخطاب الديني
في يناير 2015 خلال الاحتفال بمناسبةالمولد النبوي الشريف طلب السيسي صراحة ما أسماه «ثورة في الخطاب الديني» قائلا: «إننا في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره».
طلب السيسي تجديد الخطاب الديني ترجمته وسائل الإعلام المقربة منه في شكل هجوم عنيف وانتقادات لاذعة عقب كل عمل إرهابي يصدر من الجماعات المتطرفة.
الشيخ الصامت
و ينأى الشيخ الصوفي الذي عرف بقلة الحديث لوسائل الإعلام بنفسه عن الرد على الهجوم على الأزهر الشريف، تماما كما يليق بشيخ في محنة.