الأزهر والسياسة..لماذا يخشى الحكام من نفوذ المؤسسة الدينية الأعرق ؟

الرئيس السيسي والدكتور أحمد الطيب

عراقة المبني تتلمسها خطى الزائرين للقاهرة الفاطمية منذ الوهلة الأولى لافتات الشوارع تحيلك لقداسة المسمى المأخوذة من السيدة فاطمة الزهراء، فالاسم جاء تيمنا بفاطمة بنت النبي محمد، لكن العراقة لا تقف على القبلة الدينية فقط ، فالجامع القديم لم يكن مركزا للعلم فقط، لكنه حرك ثورات، وعزل حكام ونصب آخرون، لاسيما في العهد المصري الحديث.

 

تبدأ تفاصيل الحكاية بخروج أحد أبنائه الذي قدم من حلب للدراسة في الأزهر، ونسج خيوطه لاغتيال رأس الحملة الفرنسية في عقر داره، القريبة من حي الأزبكية، فهناك تقدم الأزهري سليمان الحلبي من قائد الجند الفرنساوي كما يقول الدكتور حسين فوزي في كتابه " سندباد مصري جولات في رحاب التاريخ، وانقض على كليبر وأرداه قتيلا وطعنه 4 طعنات".

 

 

السرد لم ينتهي فالأزاهره لم يغيبوا عن الأحداث السياسية في مصر الحديثة، كما يقول الدكتور سعيد إسماعيل علي في كتابه دور الأزهر في السياسة المصرية الصادر عن دار الهلال في عام 1986، فالجامع الذي تبلغ مساحته 11500 متر مربع لم يكن رمزا للدين فقط، لكن الدور ممتد للسياسة وتحريك الجماهير وحشدها.

 

 

وتنبه الفرنسيون لدور الأزهر وتأثيره في الواقع المصري حتى أنهم حاولوا ترويض شيوخه في البداية وانتخابهم في تشكيل الهيئات التي أجروها بمصر بعدما استقر حكمهم كمحتلين للبلاد، إلا أنهم لم يستطيعوا فعل ذلك في النهاية.

 

 

يقول الدكتور سعيد إسماعيل علي في كتابه إن نابليون أبدا احترامه لعلماء الأزهر وأمر جنود الحراسة المرابطين على مقر إقامته بالأزبكية بأداء التحية العسكرية لعلماء الأزهر عند دخولهم، و استقبلهم رجال البارون وأدخلوهم على الفور صالة الاستقبال الرئيسية، ومعهم المترجمين الذين نقلو احترام القائد الفرنسي لهم، لكن الود لم يدم طويلا.

 

 

ويصف المؤرخ المصري المعاصر للحملة الفرنسية عبد الرحمن الجبرتي ذلك بقوله “ثم دخل الفرنساوية إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل… وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأروقة وكسروا القناديل… ونهبوا ما وجدوه من المتاع… ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها.”

 

 

 

وبالعودة لكتاب دور الأزهر في السياسة المصرية، يقول: إن الأزهر كان رمزا للأمة، فما أن سقطت الدولة المصرية بقيادة المماليك في موقعة إمبابة حتى باتت المواجهة مع الأزهر وجها لوجه، وكانت المواجهة الأشرس بعد ثلاثة أشهر من الاحتلال.

 

 

في يوم الأحد 12 أكتوبر 1898 انطلق علماء الأزهر وطلابه في الحارات والشوارع المجاورة للجامع يحرضون الناس على الثورة ضد الاحتلال ومقاومته، ويدعونهم للجهاد الديني ضد الفرنسيين، وألقوا الحجارة على منزل نابليون، وحاصروا حاكم القاهرة الجنرال ديبوي، بعدما اقترب من التظاهرة وقتلوه، وانتهى الأمر بحملة قمع شديدة وجهت للثوار.

 

 

مذكرات نابليون

 

الدور الذي لعبه الأزهريون في ثورة القاهرة الأولي سجله نابليون نفسه في مذكراته حين قال إن الثوار أنشأوا ديوانا للثورة يتزعمه الشيخ عبدالله الشرقاوي وكانوا يعقدون اجتماعاتهم بالجامع الأزهر.

 

 

 

 

لم يتوقف دور الأزهر السياسي عند جلاء الحملة الفرنسية فكان لعلماء دور هام في اختيار الحاكم الجديد محمد علي باشا، فبعدما نجحت ثورتهم ضد الاحتلال ناضل علماء الأزهر بقيادة عمر مكرم ضد خورشد باشا الوالي العثماني وقتها، ونجحوا في عزله فيما يعرف بثورة الشرع، و عين محمد علي بدلا منه تلبية لمطالب الشعب رغم أن الخلافة العثمانية أعلنت رفضها لتوليه.

 

 

ويصف الجبرتي في كتابه " تاريخ الجبرتي" مكانة الشيخ عمر مكرم أحد الأزاهرة المناضلين قائلا: "ارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والمرجع في الأمور الكلية والجزئية فكان يجلس إلى جانب محمد علي في المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه”.

 

 

  الأزهريون في هوجة عرابي

 

 

لكن لم يدم الود طويلا، وانقلب محمد علي على علماء الأزهر وقضي على نفوذهم وعزل بعض المشايخ ونفي آخرين، لكن الأزهر لم يغب عن المشهد السياسي المصري وحضر طلابه بالثورة العرابية وكان بعضهم يمسك بزمام القيادة، رغم صدور فتوى من شيخه ضد الثورة.

 

فرغم أن شيخ الأزهر وقتها، محمد العباسي المهدي، جاهر معاداته للنظام الدستوري الذي طالب أحمد عرابي بتطبيقه من جهة، وأعلن موالاته للسلطة الحاكمة دون النظر إلى مصالح الشعب المصري من جهة أخرى، إلا أن معظم طلبة العلم وعدداً من كبار المشايخ الأزهريين من أمثال محمد عبده، وأحمد عبد الغني، وعلي المليجي، ومحمود إبراهيم وقفوا في صف الجيش وعرابي.

 

 

وعندما تطور الموقف في يوليو 1882، بإصدار مرسوم من الخديوي يقضي بعزل عرابي من قيادة الجيش وعزل وكبار قادة الجيش الموالين له، اجتمعت الجمعية الوطنية في مؤتمر حاشد، وكان من بين الحاضرين شيخ الأزهر الجديد محمد الإنبابي ومفتي المذهب الحنفي محمد مهدي ونقيب الأشراف عبد الباقي البكري، وكوكبة من علماء الأزهر، واختتم اللقاء بفتوى العلماء حسن العدوي، ومحمد عليش ومحمد أبو العلا الحلفاوي التي تضمنت عزل توفيق، وعدم شرعية ما يصدره من أوامر وإبطال سريانها في البلاد.

 

 

 

وطال الأزهريون ما طال غيره من نفي وتنكيل بعدما فشلت الثورة العربية وزج بعدد منهم في السجون كما أورد الدكتور سعيد إسماعيل علي في كتابه، إلا أنهم لم يتوقفوا عند ذلك وكان لهم دور بارز في ثورة 19 حيث تولوا حشد الناس وتنظيم صفوف المتظاهرين.

 

 

الأزهريون يقفون مع سعد

 

 

ويقول الكتاب إنه في ثورة 1919 كان الجامع الأزهر مركزا للتحريض على قوات الاحتلال البريطاني “ولم يتورع جنود الاحتلال البريطاني من انتهاك حرمة الجامع الأزهر كما فعل الفرنسيون” حيث قام جنود الاحتلال يوم 11 ديسمبر 1919 بمطاردة المتظاهرين المحتمين بالجامع، واقتحموه “بنعالهم” واحتج علماء الأزهر بشدة على هذا السلوك فاضطر الجنرال اللنبي المندوب السامي البريطاني إلى “تقديم اعتذار رسمي لشيخ الجامع الأزهر.”

 

ونجح الإضراب الذي قاده طلاب الأزهر فخرج العمال من اشغالهم ليشاركوا في الثورة، حتى أن التقرير المرسل من سير تشينام إلى وزير الخارجية البريطاني في تاريخ 23 مارس 1919، قال إن طلاب الأزهر قادو التظاهرات، وأنهم نظموا تظاهرة يوم 17 مارس شارك فيها نحو 10 آلاف مصري غالبيتهم من طلاب الأزهر، وأصبح الأزهر مركزا للثورة وإثارة الغضب ضد المحتل الإنجليزي.

أزهريون ينظمون الصفوف في ثورة1919  

 

 

ويقول الدكتور عمار على حسن في مقال له بعنوان الأزهر والسلطة مدللا على دور الأزهر التاريخي في السياسية المصرية، إن الشيخ الجيزاوي رفض الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919، وانحاز للشعب المؤيد لمطالب الوفد الذي قادها سعد زغلول وصدر فى عهده قانون قيد سلطة الملك فى تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء فى هذا.

 

 

ويضيف : "لم ترق محاولة الحكومة حرمان شيخ الأزهر من بعض الأوقاف الخاصة به، للشيخ المراغى فاستقال، لكنه لم يكن مناهضاً للسلطة، شأنه فى ذلك شأن خلفه الظواهرى، الذى تعاون مع الملك فؤاد فى توسله بالأزهر لكسب الشرعية، وتدعيم سلطته المضادة لمصالح الشعب ، وكانت ذريعة الظواهرى فى هذا هى أن مصلحة الأزهر فى التبعية للملك لا للحكومة أو الأحزاب.

 

 

ورغم تأييد الأزهريون لثورة يوليو 1952، لكن ضعف دور الجامع الأزهر بعد الثورة لاسيما عقب إصدار قانون، الأزهر رقم 103 لسنة 1963 والذي حول الأزهر إلى جهة تابعة للدولة؛ الأمر الذي أثر في قراره واستقلاليته.

الإمام عبدالحليم محمود على الجبهة إبان حرب أكتوبر

 

ورغم سحب بعض الصلاحيات من المشايخ بعد قيام الجمهورية، إلا أن الأزهر كان حاضرا في وقت الأزمات، وفهم الرئيس عبد الناصر الدور التاريخي للمؤسسة وقرر أن يلقي خطابه في حرب العدوان الثلاثي 1956 من منبره

 

وفي أعقاب الهزيمة في 1967، كان للأزهر خطوات لدعم القوات المسلحة فدعا علمائه إلى إنشاء صندوق للجهاد فى كل بلد إسلامى.

 

 

وبحسب منشور نشرته الصفحة الرسمية للأزهر الشريف عبر موقع التغريدات المصغرة "تويتر"، صورة توضيحية لما قام به الأزهر دعما للجيش المصرى فى أعقاب النكسة، مشيرة إلى مجمع البحوث الإسلامية عقد فى سبيل ذلك مؤتمره الخامس يوم 28 فبراير 1970 وخصصت الجلسة الأولى لمعالجة جوانب العدوان الإسرائيلي على سيناء.

 

وكان للأزهر حضوره البارز في حرب رمضان/ السادس من أكتوبر 1973، فبحسب ما قاله الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبا العلماء بالأزهر،في تصريحات صحفية كان الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الراحل مهتما بإسهام الأزهريين في معركة العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.

 

 

وأضاف هاشم، أن الشيخ محمود استعان في هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة للتعبئة الروح المعنوية لأبناء قواتنا المسلحة، وأنه عند لقاء العلماء بأبناء الجيش في شهر رمضان أثناء الحرب أفتى بعض الدعاة للجنود بأنه، نظرًا لحرارة الجو وحاجة الحرب إلى كامل طاقتهم، من المستحب الأخذ برخصة الفطر لتكون عونا لهم فى الانتصار على العدو الصهيوني، بيد أن بعض الجنود أجابوا قائلين: "لا نريد أن نفطر إلا في الجنة!".  

مقالات متعلقة