"يا أصدقاءنا احترموا خيارنا".. وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محتفلُا، بعد النصر في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وتمريرها، غير أنَّه منذ الوهلة الأولى لم تكتب المعارضة كلمة النهاية.
بعد تشكيكها في شرعية التصويت، وحديثها عن تزوير وقع، وتهديدها بالطعن على ما جرى، صعَّدت المعارضة التركية من نبرتها، ورفعت سلاح "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".. هكذا لوَّحت وهدَّدت.
المعارضة تهدِّد.. هل تنفِّذ؟
الحزب الجمهوري – أكبر أحزاب المعارضة - على لسان نائب رئيسه بولنت تزكان طالب بإلغاء نتيجة الاستفتاء، حيث قال: "ليس هناك إلا قرار واحد يجب اتخاذه هو إلغاء الاقتراع من قبل المجلس الانتخابي الأعلى".
وأكَّد أنَّ حزب الشعب سيقدم طعنًا في النتائج إلى المجلس الانتخابي الأعلى فور الانتهاء من استعداداتهم، مشيرًا إلى احتمال طلب التماس المحكمة الدستورية التركية أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
بالتزامن مع ذلك، أصدرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بيانًا قالت فيه إنَّ "موارد الدولة أسيء استخدامها"، فضلًا عن أنَّ فعاليات معارضي الاستفتاء تمَّ فرض قيود عليها".
المنظمة أكَّدت أنَّ الطرفين المتنافسين في تركيا لم تتوفر لهما فرصة متكافئة، وذكرت: "حملة الدعاية شوهتها تعليقات مسؤولين كبار تساوي بين التصويت ضد التعديلات ومساندة الإرهاب، وفي العديد من الحالات واجه مؤيدو حملة الرفض تدخلات من الشرطة واحتكاكات عنيفة في مسيراتهم وتجمعاتهم".
تلويحٌ المعارضة باللعب بالورقة الأوروبية يفتح الباب عن مستقبل تركيا واستفتائها قانونيًّا وسياسيًّا، فبات التساؤل عن إمكانية تدخُّل أوروبي عبر إحدى محاكم القارة، يغير النتيجة وربما الوضع كليًّا، فضلًا عن جدوى تصعيد المعارضة على الصعيد السياسي.
إطار قانوني
قانونيًّا، قال الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية إنَّه لا يمكن لأي محكمة أوروبية أن تلغي الاستفتاء في تركيا وتعتبر نتيجته باطلة، مرجعًا ذلك إلى أنَّ تركيا ليست عضوة في الاتحاد.
وأضاف لـ"مصر العربية": "إذا أرادت المعارضة الطعن على نتيجة الاستفتاء فهناك المحكمة العليا أو المحكمة الدستورية داخل تركيا هي التي تفصل في الأمر".
مواد التعديلات الدستورية التي وافق عليها الأتراك يرى غباشي أنَّها تضم موادًا مقيدة لحق الرئيس، ضاربًا المثل أنَّه لا يمكنه أن يحل البرلمان، وأنَّه إذا ما أصدر الرئيس قرارًا والبرلمان قرارًا آخرًا في حدثٍ ما يسري قرار البرلمان، مشيرًا إلى أنَّه تمَّ إلغاء منصب رئيس الوزراء ومُنح رئيس الوزراء حق تعيين أو إقالة الوزراء، معتبرًا أنَّ ذلك هو الجدل الدائر داخل الساحة التركية.
غباشي قال: "حالة الصراخ التي أصابت حزب الشعب الجمهوري هي راجعة إلى إدراكه أنَّه أمام نهاية لعصر كمال أتاتورك والدولة التي صنعها".
وأشار إلى أنَّ الطعون على نتيجة الاستفتاء تكون داخلية وليست خارجية، مشيرًا إلى أنَّه إذا ما كانت تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي لكان للمحكمة ولاية على الأمر، غير أنَّه أوضح أنَّها لا تلغي النتيجة ولكن تطعن فيه، ما اعتبرها خطوةً ضمن غيرها على خط سير إلغاء النتيجة.
إطار سياسي
سياسيًّا، ربما أرادت المعارضة استغلال الاحتقان بين أردوغان ودول أوروبا، وهو الخلاف الذي احتدَّت شظاياه كثيرًا خلال فترة "الدعاية للاستفتاء".
شظايا الاستفتاء امتدت لتحرق - أو تكاد تكون - علاقات تركيا مع دول أوروبية، والحديث هنا عن دول بينها ألمانيا وهولندا وآخرون.
فالسلطات الألمانية منعت تجمعات للأتراك تحشد للتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء قبل التصويت، لكنَّ هولندا منعت دخول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للغرض نفسه، ضمن سلسلة زيارات خطَّط مسؤولون أتراك لإجرائها من أجل لقاء مواطنيهم ودعوتهم للتصويت بـ"نعم".
هولندا التي اعتبرت أنَّ زيارة وزير الخارجية التركي كانت ستهدِّد أمنها القومي، هدَّدها أوغلو نفسه بفرض عقوبات، فمنحته عرضًا، وهو أن يلتقي أعضاء جاليته بلاده في سفارة بلاده أمَّا دون ذلك فــ"لا".
ردَّت أنقرة باستدعاء القائم بالأعمال بالسفارة الهولندية، أمَّا أردوغان فوصف السلطات الهولندية بأنَّها "بقايا الفاشية والنازية"، قبل أو يلوِّح هو الآخر بفرض عقوبات.
أوغلو صعَّد من وقْع الهجوم، فقال إنَّ أمستردام تحتجز الأتراك كرهائن عبر حظرها اللقاءات الحاشدة معهم، وأعاد تهديده بعقوبات سياسية واقتصادية وصفها بـ"القاسية"، بينها إلغاء الاتفاقات حول تدفق المهاجرين.
ما فعله أردوغان
السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق أكَّد أنَّه لا يمكن لأي جهة خارجية أن تغيِّر من الأمر شيئًا بعد موافقة الشعب التركي على التعديلات الدستورية.
بيومي رأى أن تحرُّك المعارضة أوروبيًّا – كما هدَّدت لن يفيد داخليًّا، مشيرًا إلى أنَّه لا توجد سلطة خارج تركيا تملك فعل شيء، غير أنَّه تحدَّث عمَّا أسماها ضغوطًا سياسية قد تمارسها أوروبا تتمثل في اللعب على وتر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
بيومي قال لـ"مصر العربية": "أردوغان لا يمكن أن يخضع لأي قوة خارجية.. وهو يدرك جيدًا أنَّ أوروبا لن تتيح له المجال ليدخل الاتحاد الأوروبي، لأنَّ الاتحاد لا يمكن أن يقبل بدولة مسلمة داخله".
الخطورة في الاستفتاء التركي يراها "السفير الأسبق" تتمثل في أنَّ عدد مؤيدي ومعارضي التعديلات يكاد يكون متساويًّا، لافتًا إلى أنَّه بإمكان المعارضة أن تفوز بالانتخابات إذا ما أعادت تنظيم صفوفها واستعدت جيدًا، حسب قوله.
في امتداد لحراك المعارضة أيضًا، تحدَّث حزب الشعب الجمهوري، فضلًا عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، عن عمليات تلاعب خلال الاستفتاء، وأكدا أنهما سيطعنان في نتيجته.
الحزبان انتقدا إجراء أعلنه المجلس الانتخابي الأعلى في اللحظة الأخيرة، يؤكد صلاحية البطاقات التي لا تحمل الختم الرسمي لمركز التصويت الذي يجري الاقتراع فيه، وهو إجراء اعتبره زعيم حزب الشعب كمال كيليتشدار أوغلو يجعل مسألة شرعية الاستفتاء قابلة للنقاش ويثير شكوكًا.
حزب الشعوب أيضًا نقل عنه إنَّه بغض النظر عن النتيجة، فإنَّ الحزب سيعترض على ثلثي نتائج صناديق الاقتراع، وأنَّ معطيات الآلية الانتخابية تشير إلى أنَّ هناك تلاعبًا بثلاث نقاط إلى أربع.
عاصفة أوروبية
ردود أفعال واسعة، ظهرت عقب إعلان تأييد الأتراك للتعديلات الدستورية، فشدَّدت المفوضية الأوروبية على ضرورة السعي للتوصل إلى توافق وطني واسع بشأن تعديلاتها الدستورية في ضوء الفارق البسيط بين مؤيدي التعديلات ومعارضيه في الاستفتاء.
مجلس أوروبا رأى أنَّ القيادة التركية يجب أن تفكر بعناية بشأن خطواتها القادمة بالنظر إلى النتيجة المتقاربة في الاستفتاء.
في بيانٍ مشترك، قال رئيس المفوضية الأوربية جان كلود يونكر ومنسقة الشؤون الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ومفوض سياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع يوهانس هان إنَّ التعديلات الدستورية، وخصوصا تطبيقها العملي، سيجري تقييمها في ضوء التزامات تركيا كدولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي وكعضو في مجلس أوروبا.
وزير الخارجية الألماني زيغمار جابريل علق قائلًا: "يجدر بنا الآن أن نحافظ على هدوئنا وأن نتصرف بتعقل"، في حين رأى زعيم الخضر الألماني جيم أوزديمير أنَّه لن تكون هناك عضوية في الاتحاد الأوروبي لتركيا في ظل حكم أردوغان.
مرشح الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون رأى أنَّه لا يجب أن يؤدي الاستفتاء التركي إلى السيطرة الكاملة على السلطة، وقال: "في حال انتخابي رئيسًا، سأمد يدي إلى كل الناس الذين يؤمنون بالديمقراطية".
وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورز اعتبر أنَّه بغض النظر عن النتيجة النهائية لاستفتاء تركيا، إلا أنَّه يظهر مدى انقسام البلاد، لافتًا إلى أنَّ التعاون مع الاتحاد الأوروبي سيصبح أكثر تعقيدًا.
السياسي اليميني الهولندي خيرت فيلدرز تحدَّث عمَّا وصفه "اختيار تركيا مزيدًا من الإسلاموية والشمولية".
الهجوم الأوروبي على نظام أردوغان يأتي في سياقٍ لصيقٍ بما شهدته الأشهر الماضية بين الجانبين، إلى حدٍ اعتبره محللون مؤشرًا على أنَّ تركيا لن تنضم لعضوية الاتحاد.
ما دعَّم وتيرة الخلاف والتصعيد أيضًا هو أنَّ أردوغان تعهَّد فور إعلان تأييد الشعب للتعديلات بأنَّه سيعمل على عودة العمل بعقوبة الإعدام عبر استفتاء شعبي، وهو ما كان محل هجوم من قبل دول أوروبا.
هذا التعهد قوبل رد سريع من فرنسا، التي حذَّرت من أنَّ إقدام تركيا على تنظيم استفتاء حول معاودة العمل بعقوبة الإعدام سيكون بمثابة ابتعاد عن القيم الأوروبية.