أثارت الخطابات المتبادلة بين قادة حركتي "فتح"، و"حماس"، مخاوف الشارع الفلسطيني، والمراقبين، إزاء إمكانية اندلاع جولة جديدة من الصراع السياسي بين الجانبين، غير أن خبراء رأوا ان هذا الخطاب التصعيدي أقرب للخطاب "الشكلي" متوقعين قيام احد الأطراف المعنية كمصر بوساطة بين الجانبين.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأسبوع الماضي، إنه بصدد القيام "بخطوات غير مسبوقة، وحاسمة"، تجاه حركة حماس في قطاع غزة، لإنهاء الانقسام.
وقلصت الحكومة الفلسطينية بداية الشهر، رواتب موظفيها في قطاع غزة، بنحو "الثلث"، وهو ما فسره مراقبون على أنه رسالة موجهة لحركة حماس، نظرا لتأثير هذه الخطوة على اقتصاد قطاع غزة، الذي يعتمد بشكل كبير على رواتب الموظفين.
وكان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، قد قال الأحد الماضي، لتلفزيون فلسطين (حكومي) إن وفد حركة فتح المتوقع وصوله للقاء حركة حماس، في غزة، خلال الأيام القادمة، سيضعها أمام خيارين من أجل تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.
وأضاف مجدلاني:" إما حل حكومة الأمر الواقع، وتوفير الفرصة لحكومة الوفاق الوطني بتسلم كافة مهامها في القطاع، أو الذهاب لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج منظمة التحرير والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية".
وفي حال عدم موافقة حماس على أي من الخيارين، فعليها تحمّل مسؤولياتها في القطاع، بحسب مجدلاني.
ولم يوضح الرئيس عباس، وقادة حركة فتح، الخطوات "غير المسبوقة"، التي قد ينفذها ضد حركة حماس، لكن بعض المراقبين يعتقدون أنه قد يلجأ إلى قطع الرواتب عن الموظفين، ووقف تقديم أي خدمات للقطاع، وهو ما يتسبب بحالة "شلل" كبيرة.
في المقابل، ردت حركة "حماس"، الثلاثاء الماضي، برفض أي "شروط أو تهديدات"، ووضعت شروطا لقبول الاجتماع بحركة فتح، منها إعادة الخصومات التي فرضت على الموظفين، ورفع الضرائب المفروضة على وقود محطة الكهرباء بغزة، وحضور بقية الفصائل لجلسات الحوار.
وأثارت هذه السجالات الإعلامية، قلق الشارع الفلسطيني في غزة، من إمكانية تأثيرها على الظروف المعيشية الصعبة في القطاع.
ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، الكاتب في صحف فلسطينية محلية، أن الخطاب المتبادل بين الحركتين "تصعيدي"، و"لا يفتح المجال للانفراج".
وقال في حديثه لـ"الأناضول":" رسالة حماس لفتح (الثلاثاء) تصعيدية، تريد أن توصل أن الحلول وإنهاء الانقسام لن يتم بالإخضاع".
ويقول إبراهيم إن "إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، يجب أن تحدث بالتوافق".
واستكمل قائلاً:" كل طرف ما زال متمسكاً حتّى اللحظة بشروطه، لكن حسب اعتقادي يتوجب على كل طرف تقديم تنازلات، لأن الأمر لا يتعلق بسيطرة حماس على القطاع، إنما يتعلق بإعادة الحياة للمشروع الوطني الفلسطيني".
ويُرجّح إبراهيم "زيادة الضغط على قطاع غزة، من طرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إطار استعادة الوحدة (حسب وجهة نظر عباس)، خاصة على قطاعات الصحة والتعليم".
وقال:" هناك عدة طرق للضغط على حركة حماس من أجل تحقيق المصالحة، لكن لا يجب أن يكون على حساب الناس ومعاناتهم".
وحول مستقبل العلاقة بين حركتي "فتح" و"حماس" في المرحلة المُقبلة، قال إبراهيم:" لا يوجد وضوح لما ستشهده الفترة المقبلة بين الطرفين، وهذا مرتبط بنتيجة اللقاء بين عباس وترامب، والخطة التي ستتمخض لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هل ستكون على حساب المشروع الوطني أم لا".
لكن المحلل السياسي طلال عوكل، والكاتب في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، يرى أن التصعيد الحالي، "شكلي" فقط.
وأضاف:" لغة الخطابات ذات النبرة المرتفعة لا تعني بالضرورة غلق الأبواب، إنما قد تؤدي هذه الشروط التي وضعتها حركة حماس، الثلاثاء الماضي، إلى فتح الأبواب على المُغلقة لحل الأزمة الحالية".
ويرى عوكل أن المطروح من قبل حركة فتح هي مطالب سياسية وليست إدارية، أما ما طُرح من قبل حماس، وشروطها الثلاثة، فمن السهل أن يلبيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفق عوكل.
وبيّن أن تلبية شروط حركة "حماس" مرتبطة بـ"قبولها للاشتراطات السابقة التي وضعتها حركة فتح، وأهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتبنى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية".
وعبّر عوكل عن توقعاته بـ"دخول حركتي فتح وحماس بحوارات جادة، خلال الفترة المقبلة".
وأضاف:" اللقاءات المُقبلة ستحدث، وربما لن تأخذ طابع الحوارات السابقة، أي أنها لن تكون مجرد عودة لحوارات طويلة، تنتهي إما باتفاقيات أو بدونها".
وأوضح عوكل أن الحوارات المُقبلة ستأخذ طابعاً "عملياً"، توضع خلاله "النقاط على الحروف، في مسألة المصالحة الفلسطينية".
لكنه في سياق آخر، يرى أن الأزمة بين حركتي "فتح" و"حماس" ستبقى قائمة، قائلاً:" هذه الحالة لن تنتهي بضربة عصا، وستأخذ وقتها بشكل طبيعي".
ويتفق مع عوكل، الكاتب في الشأن السياسي جهاد حرب، وأستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة بيرزيت، بالضفة الغربية، حيث يرى، أن تصعيد حركة حماس في خطابها ووضعها لشروط كي تلتقي بوفد حركة فتح، جاء ردا على خطاب الرئيس عباس.
وقال:" هذا مجرد تصعيد إعلامي، قائم على أن كل طرف يزيد من شروطه، إلى أن يلتقي الطرفان عند الحد الأدنى من المطالب والشروط، والتي ستشكّل فيما بعد نقطة لبدء الحوار".
واعتبر حرب الاعتذار الذي قدّمته حركة "حماس"، للرئيس "عباس"، جرّاء الإساءة له خلال مسيرات دعت إليها الحركة احتجاجاً على إجراءاته الأخيرة بغزة، خطوة في طريق "التخفيف من حدّة التوتر".
وأردف قائلاً:" كما أن اللقاء الذي جمع حماس وفتح، مساء أمس، ولم يعلن عن نتائجه بعد، يدخل في إطار تخفيف التوترات، وبداية الخطوة للمباحثات بين الطرفين".
وكان فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة "حماس"، قد اعتذر مساء الثلاثاء الماضي، على صفحته الشخصية في موقع "فيس بوك" للرئيس عباس عن بعض التصرفات التي وصفها بالمشينة من قبل أعضاء في حركته، خلال بعض التجمعات الغاضبة.
ويستبعد حرب أن تتجه حركة "فتح" في التصعيد بلهجة خطابها الموجّه لحركة "حماس"، رداً على وضع الأخيرة شروطاً للقاء وفدها بغزة.
وحذر من أن أي تعنّت من قبل أحد الطرفين "قد يؤدي إلى إجراءات تصعيدية في قطاع غزة، وهو ما سيؤدي إلى تزايد الأزمات الاجتماعية وقد يؤدي لانفجار".
ويقول حرب إن حجم العلاقة المتوقع أن تربط حركة "حماس"، وحركة "فتح"، مرتبط بحجم التجاوب بين الطرفين ورؤية كل منهما لأفق "إنهاء الانقسام".
ويتابع:" لا يوجد توقعات إيجابية في مسألة إنهاء الانقسام، لكن من الواضح أن الأزمة تتصاعد في قطاع غزة، وإذ ما تم اتخاذ خطوات تصعيدية من السلطة سيؤدي ذلك إلى تزايد الأزمات الاجتماعية وقد يؤدي لانفجار".
وحسب رؤية حرب، فإن عودة الطرفين إلى المباحثات قد ينتج عنه –على الأقل-"تشكيل حكومة وحدة وطنية، وحل لمشكلة الكهرباء، وقد تسيطر السلطة على معابر القطاع".
من جانب آخر، يقول عبد ربه العنزي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إن التصعيد في الخطابات بين حركتي "فتح" و"حماس"، يأتي بهدف تحقيق أهداف سياسية.
وأضاف:" ذلك واضح من خلال الخطابات، أغلب الاشتراطات التي قدّمها عباس، هي محاولة لانتزاع السلطة الحقيقة من حماس على غزة".
لكن حماس، تسعى إلى "التقاسم الوظيفي للسلطة في القطاع مع حركة فتح"، بحسب قوله.
ويرى العنزي أن "حماس" قد "ترفض أي اتفاق مع حركة فتح ما لم يكن فيه تقاسم للسلطة.
ويتابع قائلاً:" حماس تريد أن تحصل على امتيازات في السلطة من الناحية الوظيفية".
ويعتقد العنزي أن الحلول التي سيقّدمها الطرفان في إطار إنهاء الانقسام لن تختلف كثيراً عن الحلول التي قدماها مسبقاً، خلال جولات المصالحة السابقة.
وأضاف:" 11 سنة تقريباً من الانقسام، تم خوض مجموعة كبرى من المحطات لإنهائه، ولاستعادة الوحدة، لكن أغلب المشاكل العالقة بين الطرفين واضحة وما زالت قائمة، والحلول التي سيقدمها الطرفين لهذه المشاكل لن تكون مختلفة عن الحلول السابقة".
ويرى العنزي، أن المُتغير الوحيد في هذه المرحلة لإنهاء الانقسام، يتمثّل في الضغط الذي يمارسه "عباس" على "حماس"، بناء على ما يعتقد العنزي أنه "إجماع إقليمي عربي لإنهاء هذا الملف".
ويتوقع العنزي، أن يتخذ الرئيس عباس، مزيدا من "الإجراءات العقابية لممارسة ضغط أكبر على حماس".
وقال:" لن تقف الإجراءات عند حد خصم رواتب الموظفين بغزة، إنما ستتعداها لإجراءات أخرى".
ويعتقد العنزي أن إنهاء الانقسام سيحدث فعلياً بين حركتي "فتح" و"حماس" في حال تدخل جهات (سواء كان طرف عربي، أو فصيل فلسطيني ثالث)، لضمان حصول "حماس" على امتيازات في السلطة بغزة.
وأردف قائلاً:" السيناريو المتوقع لديّ، هو عندما تصل حالة التوتر بين حركتي فتح وحماس إلى مستوى الذروة، ستتدخل مصر للوساطة بين الجانبين".
ويسود الانقسام السياسي والجغرافي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف يونيو 2007، في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة، بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، في حين تدير حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس الضفة الغربية.
ولم تُكلّل جهود إنهاء الانقسام بالنجاح طوال السنوات الماضية، رغم تعدد جولات المصالحة بين الحركتين.