عن الصين... و «فيتو» خان شيخون

قصف خان شيخون

تُراهن بكين على علاقات أفضل وإيجابية مع واشنطن في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وعقب لقائه نظيره الصيني في فلوريدا هذا الشهر، قال ترامب على «تويتر»: «شرحتُ للرئيس الصيني أن اتفاقاً للتجارة مع الولايات المتحدة سيكون أفضل بكثير لهم إذا حلّوا المشكلة الكورية الشمالية!».

 

ويبدو أن الأجواء الجيدة التي سادت اللقاء تركت أثرها لدى تصويت مجلس الأمن الدولي على هجوم خان شيخون؛ فقد كان لافتاً للنظر أن الصين، بامتناعها عن التصويت، نأت بنفسها عن «الفيتو» الروسي ضد مشروع القرار، الذي كان نص على ضرورة موافقة بشار الأسد على فتح قواعده الجوية أمام لجنة التحقيق الدولية وتمكينها من التحقيق مع كبار الضباط السوريين في شأن الهجوم.

 

وعلى رغم أن استخدام موسكو وبكين، على مدى سنوات الأزمة السورية، للفيتو في مجلس الأمن منع أي إجراءات أممية عقابية مشددة ضد الحكومة السورية، وجعل العاصمتين، في نظر المؤيدين للثورة السورية، في «سلة من يمدّ بعُمر نظام بشار الأسد»، فإن بكين تكره تصويرها وكأنها «تتماهى» مع موسكو في الموقف من قضايا المنطقة، ومنها المسألة السورية، وهي تحاول أن تنأى بنفسها عن هذه المماهاة، وهو ما وجد فرصة له، في عدم اقتران اسمها بـ «الفيتو» الروسي الأخير.

 

وحتى في الأزمة اليمنية، ذهبتْ بكين، بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء، أبعد من موسكو في مجرد الاكتفاء بتأييد القرار 2216، بل نقلت بكين سفارتها من صنعاء إلى جدة في السعودية. ويُعتقَد أنَّ السعودية والإمارات قد استخدمتا الطائرات الصينية من دون طيَّار من طراز (CH-4) في هجماتهما ضد ميليشيات الحوثيين في اليمن. وفي جولته الآسيوية في آذار (مارس) الماضي عقد الملك سلمان بن عبدالعزيز مع القيادة الصينية اتفاقاً مفاجئاً لتصنيع طائرات عسكرية من دون طيَّار في مصنع بالسعودية، هو الأول في الشرق الأوسط، كما وافقت بكين على طلب الرياض بأن يكون البحر الأحمر ضمن مبادرة الرئيس الصيني «حزام واحد، طريق واحد». 

 

وعلى رغم هذه الموافقة فإن المسؤولين الصينيين يرون أن العرب متأخرون في الاستجابة لهذه المبادرة الاستراتيجية، فإيران، مثلاً، يمثلها في المبادرة علي أكبر ولايتي المرتبط مباشرة بالمرشد علي خامنئي، كما أن طهران خصصت 40 بليون دولار للاستثمار في المبادرة. وتحاول الإمارات أن تبني على تجربة موانئ دبي الناجحة في الصين لخلق فرص أكبر للاستفادة من المبادرة. كلّ هذه العناصر والسياقات من المفترض أن تدفع بكين لئلا تكون حادثة الامتناع عن التصويت في شأن خان شيخون حادثة يتيمة في إطار سياسة بكين في المنطقة العربية.

أما عن تأثير العامل الأميركي في أي سياسة صينية جديدة، فيمكن الافتراض أن تنامي العداء في العلاقات الأميركية- الصينية سيدفع بكين (المستفيد العالمي الأكبر من العولمة وليس هذا هو حال موسكو) إلى الإسراع في تقليص اعتمادها الاقتصادي على واشنطن. ولعل السيناريو الذي يتضمن زيادة حالة العداء بين أميركا والصين سيدفع الأخيرة إلى البحث عن منصات للتعويض عن التراجع المحتمل في التجارة مع أميركا.

 

مقاربة موسكو لنأي بكين عن الفيتو الروسي في شأن خان شيخون تميل إلى اعتبار ذلك موقفاً تكتيكياً من جانب بكين التي تربطها بموسكو علاقة استراتيجية، أما المقاربة الأخرى فتذهب إلى أنّ «النأي» يعبّر عن رغبة صينية في علاقة أفضل مع أميركا، وهو فرصة للطرف العربي للاستثمار فيه، من دون الوقوع في فخ استعداء موسكو، لأنّ ذلك سيقربها من النظام السوري... وحليفه الإيراني.

 

مقالات متعلقة