هل يعمق الاستفتاء حالة الاستقطاب في تركيا ؟

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان

بينما كان مراقبو شئون تركيا يتابعون نتائج الاستفتاء الدستوري يوم الأحد، بدا لبضع ساعات قصيرة أن شيئا هاما في سبيله للحدوث.

 

وفي جميع أنحاء تركيا، بدا أن توقعات التصويت بنعم ـ التي من شأنها تحويل الحكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، تتمتع فيه الرئاسة بقدر كبير من النفوذ من دون ضوابط أو توازنات ذات قيمة ـ كانت ضعيفة.

 

كما أن إسطنبول وأنقرة وإزمير - أكبر ثلاث مدن تركية صوتت بلا بينما ظلت الأوليان معقلا لأنصار حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه الذي دام 15 عاما تقريبا.

 

وفي لحظة وجيزة،   بدا أن الرئيس رجب طيب أردوغان سوف يمنى  بأول هزيمة حقيقية له.

 

وعلى الرغم من تقدم التصويت بنعم، وفوز التعديلات الدستورية، يجد الكثيرون من معسكر المعارضة ومؤيديها العزاء في هامش الفوز الضيق، وفي رفض العاصمة التركية مع أكبر المدن (مسقط رأس أردوغان) جدول أعمال الحكومة .

 

ويحدو هؤلاء الأمل في أن يدفع ذلك أردوغان إلى السعي للتوصل إلى حل توفيقي.

 

غير أن الباحث مايكل كوبلو يختلف مع هذا التوقع، ويعتبر مثل هذا الأمل في غير محله.

 

ففي رأيه الذي ضمنه مقال نشرته مجلة فورين أفيرز أن الانتصارات بهامش ضيق، ليست جديدة بالنسبة إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية؛ حيث تراجع عدد مقاعد الحزب في الجمعية الوطنية الكبرى عقب ثلاثة انتخابات برلمانية متتالية وخسر تسع نقاط مئوية كاملة من انتخابات يونيو 2011 الى جولة يونيو 2015 .

 

وبعد انتخابات 2015، لم يغير أردوغان أسلوبه ولكنه ضاعفه، ودعا لانتخاب حزب العدالة والتنمية على الرغم من كون ذلك مخالفة دستورية، وهاجم خصومه السياسيين، وكثف حملته ضد حزب العمال الكردستاني، الذي وصفه الكاتب بالإرهابي، بدعوى أن إظهار الدعم القوي لحزب العدالة والتنمية سيعيد الاستقرار إلى تركيا.

 

ويرى كوبلو أن نتائج هذا الانتصار الأخير ستكون مشابهة. ولن يخشى أردوغان الأدلة الأخيرة على الاستقطاب التركي. بل سيبذل كل ما بوسعه لتعميق هذا الاستقطاب.

 

ويشير الكاتب إلى أن الفترة التي سبقت الاستفتاء كانت نموذجا مصغرا لكل ما من شأنه استبدال الديمقراطية التركية باستبداد تنافسي.

 

ويرى أن الانتخابات نفسها لم تكن حرة أو عادلة، حيث فعلت الحكومة كل ما في وسعها لقمع الأصوات في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الكثافة السكانية الكردية، وسجن المعارضين السياسيين، وضمان أن تكون تغطية وسائل الإعلام حصرية تقريبا لأنصار نعم، وتتجاهل وتهاجم حملة رافضي التعديلات.

 

وحدث هذا كله على خلفية ما حدث بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو والزج بمئات الآلاف في السجون والتخلص من موظفي الحكومة المؤيدين له.

 

ودأب أردوغان وحزب العدالة والتنمية على القول بأن التصويت على تعديل الدستور وإنشاء نظام رئاسي أمرا بالغ الأهمية من أجل كسب المعركة ضد الانقلابيين المتآمرين من أنصار جولن وحزب العمال الكردستاني، وأن التصويت بلا يشبه التصويت لصالح الإرهابيين.

 

وفاز أردوغان بهامش ضيق على الرغم من الجهود التي بذلها لتحديد النتائج سلفا، وجميع الأعباء الهائلة التي وضعتها الحكومة على معسكر رافضي التعديلات.

 

ويستبعد الكاتب أن يغير الرئيس التركي مساره، ويقرر أن استراتيجيته حتى الآن كانت خاطئة أو ضارة بالبلاد، مما أدى إلى انتصاره بهامش ضيق بدلا من انتصار واسع. وسوف يستنتج أن المشكلة هي أنه لم يمض في سياساته إلى مدى أبعد.

 

ويحذر الكاتب من أن تركيا على وشك أن تصبح أكثر انقساما من أي وقت مضى. حيث صوتت الأغلبية لتأييد نظام الحكم في تركيا، ومنح صلاحيات السلطة التشريعية والقضاء لشخص واحد، بما يبقي على أردوغان في منصبه لعقد آخر على الأقل.

 

وتشكك الكثيرون من معسكر "لا" في شرعية التصويت بمجرد إعلان الحكومة فوزها، ورفضت المعارضة بالفعل نتائج الاستفتاء.

 

ومن شأن هذا أن يضر بالنسيج السياسي والاجتماعي لبلد كانت مؤسساته تتمتع بالقوة، ولكن في تركيا - حيث حطمت الحكومة استقلال القضاء واكتسحت الجهاز التنفيذي – لدى هذه المؤسسات القدرة على إحداث تمزق كامل ونهائي بين أولئك الذين يدعمون شرعية الحكومة وأولئك الذين يعارضونها.

 

ولن يصدق أيمن أنصار المعارضة المحكمة التي تعلن عدم وجود مخالفات في الانتخابات أو شبهة خطأ في عد الأصوات، ولن يتقبل أي شخص صوت بلا إعلان أردوغان أنه حقق انتصارا كبيرا على قوى الإرهاب والسيطرة الأجنبية والفوضى.

 

ولا شك أن أي قائد مسئول سوف يفعل كل ما يمكنه لتخفيف الاحتقان، لكن الكاتب يرى أن سجل اردوغان سجل يوحي بأن استجابة مختلفة ستحدث قريبا.

 

و يعتبر الكاتب أن أردوغان أمضى حياته السياسية بأكملها ـ باستثناء فترة قصيرة كان فيها بقاء حزب العدال والتنمية غير مضمون ـ في تعزيز الانقسامات التي يمكن استخدامها. لن تقنعه خسارته اسطنبول وأنقرة إلا بأنه يجب أن يكون أكثر يقظة في سعيه لتدمير الأعداء، وأن التصويت لصالحه كان قريبا من أصوات عارضيه لا لشيء إلى لأن الإرهابيين من انصار جولن والأكراد، والمتعاطفين مع وسائل إعلامهم، وأنصارهم الأجانب لم يتم توجيههم بما فيه الكفاية من تركيا.

 

ويتوقع كوبلو أن تزداد الحملة، على الصحفيين والأكاديميين والموظفين الحكوميين غير الموالين على نحو كاف، شراسة . وسوف يقوم أردوغان بتصوير أي شخص لا يؤيد النظام الرئاسي الجديد الذي صوت عليه الشعب التركي باعتباره عدوا لتركيا يخدم سادة خائنين.

 

وسيؤدي التقارب في نتائج الاستفتاء إلى تجديد مبادرة للقضاء على الأعداء، الحقيقيين والمتخيلين، بدلا من إعادة النظر في الأسباب الحقيقية التي جعلت التصويت قريبا جدا. وبدلا من السعي إلى سد الفجوة، سوف يحاول أردوغان التخلص من خصومه.

 

 

ويؤكد الكتب أن الاستقطاب في بلد تعمل فيه مؤسسات ديمقراطية فعالة، يحد الاستقطاب على هذا النحو من قدرة كل جانب على القيام بما يريد. وتعزز المؤسسات الحل التوفيقي وتحطم سلطة الحكومة الأحادية الجانب. لكنه يرى أن تركيا ليست مثل هذا البلد. وان أردوغان لا يتمتع برحابة صدر كافية تحد من خطر الاستقطاب.

 

مقالات متعلقة