في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض لطالما بعث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رسائل تحذير من سخونة الكوكب بفعل تغير المناخ، غير أنَّ سخونة أخرى فرضها خليفته دونالد ترامب، باتت تهدد مستقبل الكوكب، عسكريًّا و سياسيًّا.
سبعة أيام تفصل الرئيس الأمريكي عن إكماله الـ100 يوم الأولى في البيت الأبيض، وخلال تلك الفترة غيَّر سياسة سلفه أوباما المسماة "صفر حروب"، فتحرَّك عسكريًّا في سوريا، وتأهَّب قتاليًّا قرب كوريا الشمالية، وصعَّد من لهجة هجومه ضد إيران، فبات التساؤل إلى أين يقود ترامب العالم؟، وهل بالإمكان اندلاع حرب عالمية في خضم كل هذه التوترات.
فتح الولايات المتحدة جبهات الخلافات في أكثر من جبهة وفي وقتٍ متزامن أحدثت التهابًا متصاعدًا في الكوكب الساخن، الذي لم تعد سخونته مناخيًّا كل أزمته لتعقد لها مؤتمرات سنوية، بل سخونة في بقاع مختلفة، قد تشتد شظاياها لتحرق الأخضر واليابس.
الحزب الجمهوري الذي جاء منه الرئيس الأمريكي، قال أحد أعضائه هاشم كريّم إنَّ ترامب سعى خلال الفترة الماضية لإخفاء فشل إدارة سياسته الداخلية الأمريكية بافتعال مشكلات أو حروب خارجية.
كريّم صرَّح: "حاول ترامب إصلاح صورته في الداخل لا أكثر ولا أقل، فالوضع الداخلي في أمريكا شبه مهلهل".
وأضاف: "كان الوضع الداخلي سببًا في ضرب مطار الشعيرات في سوريا، ووراء تصرفاته تجاه كوريا الشمالية، بقرب مرور المائة يوم الأولى على دخوله البيت الأبيض، لم يحقق الإصلاحات الداخلية التي وعد بها خلال فترة ترشحه، ما وضعه في مأزق ونكسة سياسية".
أزمات ترامب تسبَّبت – كما يرى كريّم - في انقسامات داخل الكونجرس وفي الداخل الأمريكي، والمخرج الوحيد من هذا هو إظهار مدى القوة العسكرية الأمريكية من خلال حروب وصفها بـ"المفتعلة" في سوريا، واستعداء جهات أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية، وفي عرض الحروب والجبهات التي ستخوضها الولايات المتحدة دفاعا عن الشعوب والأطفال، وفقما قال لـ"سبوتنيك".
سوريا بين أوباما وترامب
"إرسال قوات أمريكية إلى سوريا والإطاحة بنظام بشار الأسد سيكون خطئًا كبيرًا" تلك كانت سياسة أوباما لحل الأزمة السورية، وكان يرى دومًا أنَّه ليس هناك من حل إلا بالحوار وإنهاء الأزمة سياسيًّا، وأنَّه لا يجب إرسال قوات برية إلى هناك، غير أنَّه في الوقت نفسه لم يأبه بجيوش حلفاء الأسد المقاتلين على الأرض، فعقيدته التي حافظت على جنوده من القتل هي نفسها التي لم تكترث فعليًّا بقتل مئات آلاف السوريين، حتى إنَّه لم يتدخل - كأكبر أعضاء المجتمع الدولي – لفرض حظر جوي يقي السوريين براميل الموت.
جاء ترامب وتغيرت معه قواعد اللعبة، وقتل سياسة أوباما في سوريا، فأعوام الثورة السورية الستة لم يغب عنها القصف بكل أنواعه، حتى ذاق السوريون كل أنواع الموت، إلا أنَّ غارة كيميائية محملة بغازات سامة دكَّت مدنيين في خان شيخون بريف إدلب وأسقطت 100 قتيل، فجاء "الرد الترامبي" سريعًا، فقصف بـ59 صاروخ توماهوك مطار الشعيرات بريف حمص، الذي قال إنَّ الهجوم الكيميائي انطلق منه.
الرد الأمريكي العسكري في قلب سوريا حمل رسالةً ما مضمونها أنَّ غارات النظام لا يمكن السكوت أمامها لا سيَّما إذا ما كانت تحمل غازات سامة، إلا أنَّ أصوات دوى صراخها وتساءلت لماذا ثارت أمريكا ضد "كيميائي خان شيخون" بينما يقتل سوريون يوميًّا ببراميل متفجرة.
تصعيد دبلوماسي حاد بين روسيا وإيران تجاه أمريكا رافق الضربة، فطهران تتخذ من المطار قاعدة لها لإدارة عملياتها في سوريا والعراق – حسب وكالة الأنباء الإيطالية "أكي"، كما أنَّ روسيا بعد تدخلها في سوريا عملت على تجهيزه ليصبح قاعدة ثانية لها بعد قاعدتها في حميميم بريف اللاذقية، ويحتوي المطار أيضًا على قسم مخصص للقوات الروسية، لكَّن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أكَّدت أنَّ هذا الجزء لم يتعرض للقصف.
روسيا وصفت الضربة الأمريكية بـ"العدوان على دولة ذات سيادة"، محذِّرةً من أنَّها تلحق ضررًا هائلًا بالعلاقات بين موسكو وواشنطن، فقالت أمريكا إنَّ "الضربة" ليست بداية لعملية عسكرية، لكنَّ وزير خارجيتها ريكس تيلرسون صرَّح بأنَّها تظهر استعداد ترامب لتحرك حاسم عندما يتطلب الأمر.
حديث الخارجية الأمريكية قوبل بتعهُّد روسي، مفاده بأنَّها ستعزِّز الدفاعات الجوية السورية، وهو ما فرض تساؤلًا عن سبب عدم تصديها لعشرات الصواريخ الأمريكية التي وإنا كانت صغيرة لكنها جاءت مؤلمة.
الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال إنَّه منذ تولي ترامب حكم الولايات المتحدة تندلع أزمات تلو الأخرى، غير أنَّه أوضح أنَّه ترامب لا يتحمل فقط مسؤولية هذه الأزمات لكن هناك اختلالًا في النظام الدولي منذ توليه السلطة.
اللاوندي أوضح لـ"مصر العربية" أنَّ التدخل الأمريكي في سوريا هو جزء من دور للولايات المتحدة تحاول تأديته عوضًا عن الأمم المتحدة بمبرر أنَّها تسعى للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
المحلل العسكري السوري عبد الناصر العايد قال لـ"الجزيرة" إنَّ التهديد الروسي بتزويد النظام السوري بمنظومة صاروخية متطورة كنوعٍ من الاستفزاز يجعل الولايات المتحدة تزوِّد المعارضة السورية بأبسط أنواع المضادات الجوية وتسقط النظام في غضون شهر.
تصعيد من هنا وهناك، فرض تخوفات كبيرة من مواجهة عسكرية موسعة، قد يكون مسرحها السماء السورية، وهي سماء مزدحمة بطائرات البراميل المتفجرة.
إيران.. تصعيد موسمي
"لعلَّه موسم إيران قد بدأ".. أمر ترامب الوكالات الأمريكية المختصة بمراجعة الاتفاق النووي معها، للنظر فيما إذا كان تعليق العقوبات ضدها في مصلحة بلاده أم لا، بعد ذلك قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس – من السعودية – إنَّه حيثما توجد إيران فثمة هناك مشكلة، لا خرج وزير الخارجية ريكس تيلرسون يعزف على ذات النغمة، ليقول إنَّ الاتفاق النووي لم يحل الأزمة بل رحَّلها، وأنَّه تجاهل تهديدات تحملها إيران للعالم، منها "دعم الجماعات الإرهابية" وتحقيق الاستقرار في سوريا والعراق واليمن غيرهم.
لم يتأخر الرد الإيراني، فرد وزير دفاعها حسين دهقان على نظيره الأمريكي: "انتهى عصر الكوبوي.. وإذا كان هناك من يدعم الإرهاب فهي واشنطن التي يقاتل الإرهابيون في سوريا والعراق بأسلحتها".
حلقة أخرى من الرد حملها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فوصف تصريحات نظيره الأمريكي بـ"الدعايات والإدعاءات الكاذبة".
الغياب الأمريكي بأدوار فاعلة في قضايا الشرق الأوسط خلال حقبة أوباما، دفعت إيران إلى التمدُّد، ففي اليمن ضربت عصفورين بحجر فهي من ناحية دفعت الحوثيين للسيطرة على مناطق عدة بالبلاد ومن جانبٍ آخر باتت تشكِّل تهديدًا خطيرًا للجوار السعودي، وفي سوريا تدخَّلت عسكريًّا في سوريا بشكلٍ كبير لدعم نظام الأسد، وفي العراق فعلت الأمر نفسه، وفي لبنان تحوَّل "حزب الله" لما بات يسميه لبنانيون ميليشيا تختطف الدولة.
تصعيدٌ هنا وردٌ من هناك، وهو ما رأى كثيرون أنَّه يهيئ المسرح الدولي للمواجهة بين عدة أطراف، يكون الأساسيان فيها طهران وواشنطن، لا سيَّما أن استراتيجية ترامب ترتكز على محاصرة إيران في محيطها الإقليمي واستهداف أذرعها الضاربة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
الحرب قد بين واشنطن وطهران - كما يرى تريتا بارسي مؤسس ورئيس المجلس الإيراني الأمريكي، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فالكاتب قال: "إذا ألغت الولايات المتحدة التزامها بالاتفاق النووي، فإنَّ إيران غالبًا سوف تحذو حذوها، وتبدأ في توسيع أنشطتها النووية، بغض النظر عمَّن سيفوز في الانتخابات الرئاسية، وباقتراب إيران من امتلاك سلاحٍ نووي، تقترب الولايات المتحدة خطوةً إضافية نحو الحرب، كان هذا بالضبط هو الموقف في عامي 2012 و2013 حين أدرك الرئيس أوباما أنَّ سياسة فرض العقوبات الأمريكية كانت غالبًا ستؤدي إلى الحرب، لا إلى استسلام إيران".
كوريا الشمالية.. المواجهة الأقرب
التصعيد الأكثر باتت مسرحه كوريا الشمالية، وهو قد يكون الأقرب إلى حد المواجهة العسكرية، فما بين واشنطن وبيونج يانج في الأيام الأخيرة أقرب ما يكون مرحلة ما قبل الحرب، بسبب البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية الذي يثير مخاوف إقليمية ودولية، إلا أنَّ اتخاذ خطوات عسكرية بحق بيونج يانج يواجه معارضة صينية.
"النووي بالنووي والحرب والحرب"، "سنحولكم إلى رماد".. سياقان من ردٍ كوري شمالي على الولايات المتحدة بعدما قالت إنَّها صبرها الاستراتيجي نفذ على بيونج يانج، المستمرة فيما تسميه واشنطن استفزازًا في مجال التسلح النووي.
التحويل إلى رماد صدر من الحزب الحاكم في كوريا الشمالية فقال: "في حال توجيه ضربتنا الوقائية المهولة فلن تمحو فقط القوات الغازية الإمبريالية الأمريكية تمامًا وعلى الفور في كوريا الجنوبية والمناطق المحيطة بها بل في الأراضي الأمريكية ذاتها وتحولها إلى رماد".
المخاوف من اندلاع عمل عسكري، أكَّده رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان، حين قال إنَّه يجب أن يكون الخيار العسكري جزءًا من الضغوط التي تمارس على كوريا الشمالية.
السفير كيم أن ريونج مندوب كوريا الشمالية الدائم لدى الأمم المتحدة تحدَّث – في إطار التصعيد: "بلادنا مستعدة للرد على واشنطن إذا هاجمتنا عسكريًّا".
لم يكتفِ بذلك، بل قال أيضًا: "الولايات المتحدة تزعج السلم والاستقرار الدوليين في العالم، من خلال تعاملها غير الحكيم وغير المتناسب مع الزعيم كيم جونج وان".
سياسيًّا، حثَّ وزير الخارجية الصيني وانج يي، الولايات المتحدة، على التوصُّل إلى حل سلمي لإنهاء التوتر في شبه الجزيرة الكورية.
وانج يي قال – الثلاثاء الماضي: "أعتقد أنَّ واشنطن تفضل تخفيف التوتر مع بيونج يانج من خلال محادثات دبلوماسية متعددة الجوانب، رغم إعلان مسؤوليها أن الضربة العسكرية ما زالت مطروحة".
انضمَّت روسيا إلى الإطار نفسه، فقال وزير خارجيتها سيرجي لافروف الاثنين الماضي، إنَّ بلاده تأمل في ألا تقوم واشنطن بخطوات أحادية الجانب حيال كوريا الشمالية، كما فعلت في سوريا، في إشارة إلى قصف مطار الشعيرات بحمص.
إلا أن تناقضًا رافق تحركات موسكو، فبينما شوهدت ثلاثة قطارات معدات مكونة من مدرعات ودبابات وقطع مدفعية إلى منطقة بريمورسكي المتاخمة على الحدود مع كوريا الشمالية حسب "رويترز"، خرج المتحدث باسم المنطقة العسكرية الشرقية ألكسندر جوردييف ليصرَّح: "هذه تدريبات عسكرية سبق التخطيط لها بشكل كامل وهي ليست مرتبطة بأي حال بالقضايا السياسية".
وأضاف أنَّ العتاد العسكري الذي رآه السكان كان في طريق العودة إلى قواعده الثابتة بعد انتهاء التدريبات.
ولدى روسيا وكوريا الشمالية حدود مشتركة صغيرة لا تتجاوز 19 كيلومترًا، لكنها قد تتحول إلى خطر كبير بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حال شنت الولايات المتحدة ضربة استباقية ضد بيونج يانج.
قبل ذلك بأيامٍ، أرسلت الصين 15 ألف جندي إلى حدودها الجنوبية تحسبًا من انتقال التوتر في شبه الجزيرة الكورية إلى حرب مدمرة قد تدفع بملايين اللاجئين الشماليين صوب الصين.
كوريا الجنوبية انتهت أمس الأول الخميس من عملية تخصيص الأراضي التي ستنشر عليها منظومة الدفاع الجوي الأمريكي للارتفاعات العالية "ثاد" المضادة للصواريخ البالستية.
وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" قالت إنَّ اللجنة المشتركة للقوات الأمريكية والكورية وافقت على خطة نقل ملكية الأراضي، وسمحت للجيش الأمريكي ببدء العمل من أجل نشر "ثاد"، في الأراضي التي تم تخصيصها في مقاطعة "سيونوجو" جنوب شرقي البلاد.
أستراليا انضَّمت أيضًا، فقالت وزيرة خارجيتها جولي بيشوب إنَّ العمل العسكري مطروح لمواجهة البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وقالت إنَّه برنامجها النووية يمثل تهديدًا خطيرًا لبلادها.
اللاوندي تحدَّث لـ"مصر العربية" عن الأزمة بين واشنطن بيونج يانج، وذكَّر بتصريح منسوب إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت "2001 – 2005" حينما قالت إنَّه كان من الأجدى للولايات المتحدة ضرب كوريا الشمالية وليس العراق.
تصريح أولبرايت اعتبره اللاوندي دليلًا على أنَّ العداء الأمريكي الكوري الشمالي قديم ومتأصل بالنسبة لـ"الجمهوريين" بشكل عام، لافتًا إلى أنَّ ترامب ترجم هذا المعنى من خلال تدخله في كوريا الشمالية.
وأشار إلى أنَّ الولايات المتحدة أثَّرت كثيرًا في النظام الدولي واستقراره، معتبرًا أنَّ ما أسماها "الاهتزازات" في العالم مستمرة حتى فترة مقبلة، متحدثًا عن حالة قلق تساور الجميع مما أطلق عليه "الإرهاب الدولي".
حالات الاستقطاب الراهنة استبعد اللاوندي أن تقود إلى حرب عالمية ثالثة، وأوضح ذلك بالقول: "هذه الحرب من شأنها ألا تنتهي بغالب أو مغلوب، وإنما الكل سيباد وسيقضى عليه في أي حرب تندلع".
هذا الطرْح استدلَّ عليه بما أسماه "تراجعًا أمريكيًّا إلى حدٍ ما عن مهاجمة كوريا الشمالية"، متوقعًا أن يظل التوتر والاستقطاب من قبل كافة الأطراف على الصعيد الدولي لفترة من الزمن، دون أن يحدِّد إلى متى.