يحل الرئيس عبد الفتاح السيسي غدا (الأحد) ضيفا على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالقصر الملكي في العاصمة السعودية الرياض، لإجراء مباحثات ثنائية هدفها تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، بحسب بيان الرئاسة المصرية عن الزيارة المرتقبة خلال ساعات.
ومن المقرر، بحسب البيان نفسه، أن تتناول قمة السيسي وسلمان بحث القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
وتأتي الزيارة استجابة لدعوة من الملك سلمان للسيسي الشهر الماضي، خلال القمة العربية التي انعقدت في البحر الميت بالأردن، بحسب وزير الخارجية السعودية عادل الجبير.
وبعيدا عن العناوين العريضة للزيارة، والتي تكرر فقرات وردت مرارا في أي لقاءات تجمع بين الرئيس المصري والعاهل السعودي، يأتي لقاء الغد تحت وطأة أزمات تضع علاقات البلدين على المحك.
فعلى الرغم من التصريحات المتبادلة حول تطابق وجهات النظر أو تعزيز أوجه التنسيق والتعاون إزاء قضايا الإقليم، يظل التوتر سيد العلاقات المصرية -السعودية، وخاصة في بعض ملفات نجمل أبرزها في السطور التالية..
تيران وصنافير
رغم إقرار الحكومة المصرية بسعودية الجزيرتين إلا أن الحكم القضائي النهائي بمصريتيهما، وإن أراح قطاعات واسعة، إلا أنه سكب الوقود على لهيب الخلاف القائم بين البلدين حول ملفات عدة فزاده اشتعالا.
ولم تفلح محاولات النظام المصري إدخال ملف «تيران وصنافير» الثلاجة، بتعبير محللين محسوبين على النظام، فما تزال الأزمة حول الجزيرتين قائمة، وما زال السيسي حائرا بين مطرقة الإلحاح السعودي على الإعلان الرسمي المصري بنقل تبعيتهما إلى الرياض، وسندان الغضب الشعبي المتوقع لذلك، من ناحية التفريط في الأرض أولا ومن ناحية إهدار أحكام القضاء ومبادىء الدستور، ثانيا وثالثا وعاشرا، من وجهة نظر المدافعين عن مصرية الجزيرتين.
الموقف من الأزمة اليمنية
لم تزل مشاركة الجيش المصري بريا في حرب اليمن، عبارة متكررة في قراءات المحللين للموقف هناك، رغم اكتفاء القوات المسلحة المصرية بالمشاركة بحرا وجوا.
ومع لقاء السيسي بسلمان، بعد أيام من تصريحات المتحدث باسم قوات التحالف السعودي اللواء أحمد العسيري حول عرض مصر المشاركة بأربعين ألف جندي، ثم تراجعه والقول إن العرض كان بشأن إنشاء القوة العربية المشتركة، يتجدد الجدل حول المسألة، خاصة وأن بعض المصادر المعنية بملف العلاقات المصرية السعودية تحدثت عن محاولات مصرية لطرح حل سياسي للأزمة اليمنية إلا أن التحرك العسكري السعودي أحبط تلك المحاولات.
القوة العربية المشتركة
وعلى ذكر الموقف المصري من حرب اليمن، يأتي المقترح المصري بإنشاء قوة عربية مشتركة كبند بارز في قائمة القضايا محل الخلاف بين القاهرة والرياض.
ولم تعامل السعودية المقترح بجدية، ما أثار انزعاج القاهرة، بتعبير مصدر بالديوان الملكي السعودي (رفض ذكر اسمه) وإن رأى المصدر، الذي يعمل كمستشار بالديوان الملكي، أن المقترح المصري لإنشاء القوة المشتركة "لم يكن عمليا بما يكفي".
وعزا انزعاج القاهرة من تعطيل إنشاء تلك القوة إلى رغبتها في استعادة دورها العربي والإقليمي، وخاصة أن تفعيل المقترح لا يعني إلا رئاسة القاهرة لتلك القوة بحكم أنها تمتلك أكبر قوة عسكرية عربية.
الموقف من الأزمة السورية
وتأتي الأزمة السورية، التي دخلت عامها السابع قبل أسابيع، كواحدة من بنود الخلاف المصري السعودي، فبينما تتمسك القاهرة بحل سياسي يضمن وحدة البلاد، ولا يرى غضاضة في استمرار بشار الأسد حاكما لسوريا حتى نهاية فترة ولايته في 2021، تتحمس السعودية لحسم سريع للأزمة يكفل ألا يكون الأسد جزءا من سوريا ما بعد الحرب.
ويقترب الموقف المصري من المعالجة الروسية والإيرانية للأزمة السورية، فيما يقترب الموقف السعودي من الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك، وبرز التباين بين البلدين جليا في الموقف من القصف الأمريكي الأخير لمطار الشعيرات بدمشق؛ حيث رحبت الرياض، وفي المقابل اكتفت القاهرة ببيان صدر عن خارجيتها يحذر من مغبة التصعيد، ويعلن متابعة الأزمة "بقلق".
خلاف على القيادة أم على الشراكة؟
ورغم الكلام المكرر عن دفء العلاقات وتعزيز التعاون بين البلدين، إلا أن المتابع بدقة للكتابات السعودية في الفترة الأخيرة بشأن تلك العلاقات يلحظ اتجاها واضحا نحو إرساء مبادىء جديدة، وإن كانت غير معلنة، في دستور العلاقة بين الشقيقتين؛ مبادىء ترى أن زمن قيادة القاهرة للعرب قد ولى، وأن الدعم السخي الذي قدمته الرياض للقاهرة، وخاصة ما بعد 30 يونيو 2013 يجب أن يترجم في مواقف تتسق مع الرؤية السعودية لأزمات الإقليم.
غير أن القاهرة في المقابل، وإن كانت تتمسك بخطاب تصالحي بامتياز، إلا أنها ما تزال محتفظة بأداء دور يحقق الحد الأدنى من استقلالية القرار، وبرز ذلك في أكثر من موقف عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة، وخاصة ما يتعلق بالأزمة السورية.
ماذا بعد قمة الغد؟
ملفات تثقل حقيبة السيسي إلى الرياض، لكنها لا تستعصي على الحل إن توفرت إرادة صادقة لدى البلدين في عبور جسر الأزمات فوق بركان يشعل أرجاء الإقليم، ويقض مضجع أنظمته الحاكمة عند شعوب الناطقين بالضاد وغيرهم من الجيران الطامحين في لعب أدوار كبرى في أرض العرب.