اعتبر " نيتسان هوروفيتس" عضو الكنيست السابق عن حزب "ميرتس" اليساري الإسرائيلي أن وصول إيمانويل ماكرون ومارين لوبان للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية دليل قوي على اشمئزاز الفرنسيين من السياسة التقليدية المعروفة.
ورأى "هوروفيتس" في مقال بصحيفة "هآرتس" الاثنين 24 أبريل، أن فوز لوبان لن يدمر فرنسا كلها، وإنما القارة العجوز برمتها، انطلاقا من المبادئ الفاشية التي تتبناها والتي شبهها بـ"المجاري".
وخلص إلى أن فرص ماكرون في الفوز قد تنهار تماما حال حدوث هجمات إرهابية جديدة على فرنسا خلال الأسبوعين القادمين. وأشار إلى أن الفرنسيين بصدد اتخاذ قرار أخلاقي واضح، بالاختيار بين قيم الجمهورية وبين من يخططون لتدميرها.
إلى نص المقال..
أثمرت الانتخابات في فرنسا نتائج تاريخية : للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الحديثة لتلك الدولة المهمة، لن يأتي الرئيس القادم أو الرئيسة القادمة من قلب المؤسسات السياسية المخضرمة لليسار أو اليمين. إيمانويل ماكرون ومارين لوبان يجسدان الاشمئزاز من الأحزاب الكبرى والفاسدة التي تتداول فيما بينها أروقة الحكم المذهب في باريس منذ الأبد.
ماكرون ولوبان هما نتاج الاشمئزاز القوي من "السياسة" المعروفة- اشمئزاز برز جيدا في فوز دونالد ترامب وتأييد البركسيت. معظم الفرنسيين مثل الكثير من المجموعات الأخرى في الديمقراطيات الغربية، يريدون بشكل واضح سياسة أخرى. وبالمناسبة، فإن الانتخابات المبكرة التي أجريت هذه المرة في أحزاب اليمين واليسار، مع بذل جهود كبيرة، لم تفد البتة. لم يتحمس الجمهور، وركل كل من انتخب فيها.
جاء ماكرون من مكان سياسي ما ولم يرشحه حزب مؤسسي- وهو الأمر النادر للغاية في فرنسا. لوبان المنبوذة من قبل المؤسسة السياسية، تعتبر التهديد الأكبر بالنسبة لها. لذلك، ما يحدث الآن في فرنسا هو نوع من "الفركسيت": هكذا تنضم فرنسا للركلة العالمية للسياسة القديمة.
لكن في هذه النقطة، يُفتح أمام الفرنسيين طريقين، مختلفين تماما عن بعضهما البعض. منذ وقت طويل، لم يقف على كفتي الميزان في باريس مثل هذا القرار الثقيل. إنها معركة دراماتيكية في الصراع الأكبر على شكل فرنسا، صراع استمر مئات السنين بين قوات متعددة القوة: واحدة تسير فوق السطح، مستنيرة، مثيرة للإعجاب، والأخرى تيار عميق مظلم. في الأعلى لدى البولفاريين، يوجد "وطن الحريات وحقوق الإنسان"، وفي الأسفل في قنوات الصرف ينتشر وباء طاعون ألبير كامو.
فقط في فرنسا تصل تلك التيارات لأقصى قوتها، من جهة لجلب أكثر الأعمال العاصفة في التاريخ، ومن الجهة الاخرى لضرب الإنسانية بأوبئة أشد فتكا: الكولونيالية، تجارة العبيد، الإبادة الجماعية، قمع القيمة العلمية، وكل ذلك بإدراج أيدولوجية مبلورة جيدا.
في التاريخ الحديث لفرنسا، يصعد التيار المظلم فوق السطح كل جيل تقريبا. الثورة الفرنسية وبعدها الرجعية. ربيع الشعوب، حرب 1870 ومذبحة كومونة باريس ، وقضية دريفوس، والنازية ومشتقاتها في فرنسا، وحرب الجزائر الدامية. وفي جيلنا؟ لوبان ونهاية الجمهورية الخامسة، وتدمير الاتحاد الأوروبي؟.
كيلا يكون هناك أي شك:”الجبهة الوطنية" هي قناة المجاري الفرنسية. التي تعج بالعنصريين، والمعادين للسامية، وأنصار نظام فيشي والمرشال بيتان، وباقي الضيوف النازيين الجدد الذين يحجون من الدول المجاورة.
حاولت مارين لوبان الابتعاد عن والدها، لكن التغيير كان فقط لأغراض العلاقات العامة. عندما تصاعد التوتر قرب انتهاء الحملة الانتخابية، قفزت جيناتها الفاشية عندما أعلنت أن فرنسا لم تكن مسئولة عن تدمير اليهود في أراضيها. هكذا حاولت التبرؤ من 200 سنة من الجهد الوطني للاعتراف بالمسئولية المروعة للفاشية الفرنسية عن تدمير آلاف اليهود.
الآن، لوبان لا تستهدف فقط النظام الجمهوري (بمعناه الفرنسي)، بل أوروبا بأسرها. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وضعت القارة نفسها في خضم تجربة سياسية جريئة، لم يسبق لها مثيل. تبلورت رؤية عدد من السياسيين الأوروبيين واسعي الأفق، خلال سنوات معدودة من هزيمة ألمانيا، في إطار ظهر رسميا عام 1952، وكبر بمرور السنين.
ومن خلال عملية معقدة ونخبوية، لم يتدفق خيرها بعد لمعظم سكان القارة، نجح ذلك الإطار في دفع 28 دولة- من فنلندا وصولا إلى مالطا- للتخلي عن أجزاء كبيرة من سيادتها والإنضواء تحت جناحي "اتحاد"، له صلاحيات واسعة، وحدود مفتوحة، بل وعملة مشتركة. كل ذلك في قارة تلتهمها الكراهية والصراعات، حارب سكانها بعضهم البعض بهوس.
بريطانيا قد لمحت الاتجاه. انتصار لوبان، وهو ممكن تماما، سوف يكمل العملية، ويتسبب في ضررر بالغ للاتحاد، الذي يمكن أن يصل إلى نهاية طريقه.
إذا فاز ماكرون، فسوف يبقي على فرنسا في الاتحاد، وينقذه فعليا. لكن أيضا لا يمكن لهذا الرجل الشاب تجاهل التعامل مع المشكلة المؤلمة التي تخيف فرنسا، وتشكل وقودا لمحركات لوبان: الهجرة من الشرق الأوسط ومن إفريقيا، وصلة الجالية المسلمة بالإرهاب.
من المتوقع أن يصوت الكثيرون من ناخبي اليمين واليسار لماكرون في الجولة الثانية، وتأكيد انتصاره. هذا هو السيناريو الأكثر تداولا منذ نشر النتائج أمس. هناك ملاحظتان حول ذلك: تنفيذ هجمات جديدة خلال الأسبوعين القادمين يمكن أن يؤدي إلى تحول وتوجيه جزء من ناخبي اليمين تجاه لوبان.
وفي المقابل، فإن التقليدية، وفقدان الطريق أو باختصار غباء مصوتي اليسار المتطرف يمكن أن يدفعهم للامتناع عن دعم ماكرون والبقاء في المنازل خلال الجولة الثانية.
أولئك وهؤلاء عليهم أن يدركوا: أن الحديث يدور الآن عن قرار أخلاقي دقيق وواضح- اختيار بين قيم الجمهورية، وبين من يخططون لتدميرها.
الخبر من المصدر..