فوز مريح يجزم عدد من المطلعين على الشأن السياسي في فرنسا بأنه سيحمل مرشح حركة "إلى الأمام"، إيمانويل ماكرون، إلى قصر الإليزيه، مستفيدا من مخاوف الفرنسيين والطبقة السياسية في البلاد من احتمال صعود اليمين المتطرف إلى الحكم. ووفق عدد من المحللين السياسيين، ممن إلتقتهم الأناضول، فإن الخوف من وصول مرشحة التيار المتطرف، مارين لوبان" إلى الحكم، أضحى شبيها بـ "الفوبيا"، وهذا ما يفسّر، من بين عوامل أخرى، انفجار المواقف الداعية إلى التصويت لماكرون، بمجرد الإعلان أول أمس الأحد عن النتائج الجزئية للدور الأول للرئاسية. ** استطلاعات رأي "مبكّرة" فور الإعلان، أوّل أمس، عن النتائج الجزئية للإقتراع، سارعت بعض مؤسسات سبر الآراء الفرنسية إلى نشر نتائج استطلاعات لنوايا التصويت بالجولة الثانية. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "إيبسوس ستيريا" بالتعاون مع مركز البحوث والعلوم السياسية "بارومتر الحياة السياسية"، أن ماكرون سيطيح بمنافسته بنسبة تصويت مريحة للغاية قدّر بـ 62 % مقابل 38 % فقط لزعيمة "الجبهة الوطنية"، مع هامش خطأ لا يتجاوز الـ 2 %. وبفارق بسيط لا يتجاوز نقطتيْن مائويتيْن، أظهر استطلاع لـ "مركز هاريس التفاعلي" (شركة متخصصة في أبحاث السوق)، أن 64 % من أصوات الناخبين الفرنسيين، ستحمل ماكرون إلى الحكم، تليه من بعيد لوبان، بـ 36 %. توقعات تمنح ماكرون في الجولة الثانية المقررة بعد أسبوعين، أريحية مقارنة بمنافسته، وإن تظل احتمالات وقوع مفاجأة غير منتظرة تخيّم على إقتراع يبدو شبيها إلى حدّ الآن بانتخابات 2002 التي أفرزت بدورها عبور اليميني جاك شيراك، واليميني المتطرف، جان ماري لوبان، إلى الدور الثاني، قبل أن يفوز بها الأول بنتيجة ساحقة (82.2 %). وفي الواقع، فإن الخطّ السياسي للمرشح الوسطي هو ما مكّن من استقطاب ناخبي اليسار في الدور الثاني أكثر مما فعلت لوبان، وهذا ما سلطت مراكز استطلاعات الرأي الضوء عليه، مع أن حصوله على أصوات هذا التيار يعد أمرا عاديا بالنسبة لمرشح يصفه الكثيرون بأنه "وريث" الرئيس الإشتراكي المنتهية ولايته، فرانسوا أولاند. ووفق استطلاع " إيبسوس ستيريا" فإن ماكرون سيحصل –علاوة على ناخبيه الذين صوتوا له- على 62 % من ناخبي مرشح اليسار الراديكالي، جان لوك ميلونشون، و79 % من ناخبي مرشح الإشتراكيين، بنوا آمون، و48 % من ناخبي مرشح اليمين التقليدي، فرانسوا فيون. ** "فوبيا" اليمين المتطرف توفيق ونّاس، الدبلوماسي التونسي السابق بالأمم المتحدة، يرى أن الخوف من وصول لوبان إلى الحكم هو ما يمنح ماكرون فوزا سهلا بالرئاسية. ونّاس لفت، في حديث للأناضول، إلى أن المجتمع في عمومه والطبقة السياسية في مجملها بفرنسا، يحملان هذا الخوف الذي تحوّل في فترة ما إلى ما يشبه "الفوبيا" من تيار يحمل عداء تاريخيا للمسلمين وللأقليات العرقية والدينية، وهو السبب نفسه الذي منح شيراك العام 2002 أسبقية مريحة على خصمه لوبان الأب. ومقتنعا بأن الفرنسيين شعب منفتح يكره الإنغلاق والعزلة، اعتبر الدبلوماسي أن برنامج لوبان القائم بالأساس على فرض سياسة حمائية والمراقبة على الحدود مع بقية بلدان منطقة اليورو، إضافة إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مع ما تستبطنه تدابير مماثلة من ارتدادات وخيمة على القدرة الشرائية للفرنسي، يخصم من رصيدها الانتخابي بشكل آلي. ومع غياب برنامج اجتماعي للمرشحة، خلص وناس إلى أن لوبان، ولئن استفادت، مؤخرا، من السياق العالمي العام، ومن التهديدات الإرهابية المخيمة على بلدها، لتسوّق لصورة مشوّهة لكل ما يتعلق بالمهاجرين والمسلمين على وجه الخصوص، إلا أنها، وبدون أن تدري منحت ماكرون تذكرة الدخول إلى الإليزيه، لأنه مهما بلغت درجة خوف الفرنسيين من الإرهاب، فإنها لن تكون أكبر من "الفوبيا" التي توارثوها حيال التيارات المتطرفة. ** اعتدال يستقطب الجميع موقف وناس لاقى تأييدا من قبل المحلل السياسي التونسي، عبد الله العبيدي، والذي سلط الضوء، في حديث للأناضول، على نقطة أخرى تتعلق بماكرون، هذا المصرفي الذي تقلد وزارة الاقتصاد في بلاده بين عامي 2014 و2016، والذي قال إنه يحظى أيضا بدعم عالم الأعمال في بلاده وحتى خارجها. العبيدي اعتبر أن ماكرون «يشكل نقطة التقاطع بين السياسة والمال، وهذا ما صنع منه نقطة إلتقاء التيارات المعتدلة عقب إعلانه فائزا بالدور الأول، فكان أن توالت تصريحات مرشحي اليمين واليسار التقليديين، معلنة التصويت له في الجولة الحاسمة». وبالنسبة للمحلل السياسي، وهو أيضا دبلوماسي سابق، فإن «إلتفاف معظم السياسيين الفرنسيين حول ماكرون، يستبطن تكتيكا تفرضه الضرورة ومتطلبات المرحلة، توقيا من قبضة اليمين المتطرف، مع جميع التهديدات التي يطرحها التيار على الوحدة الأوروبية وعلى الدبلوماسية الفرنسية وجميع القضايا ذات الصلة بالهجرة والأقليات». طرح يفسر توالي الدعوات إلى التصويت لمرشح حركة «إلى الأمام». وعلاوة على الرئيس المنتهية ولايته، فرانسوا أولاند الذي أعلن أمس الاثنين، اختياره لماكرون في الجولة الثانية للإقتراع، دعا مسجد باريس الكبير، في بيان له صدر أمس الإثنين، مسلمي البلاد إلى التصويت «بكثافة» للمرشح نفسه. قبل ذلك بيوم، وتحديدا عقب إعلان النتائج الجزئية للاقتراع، قال رئيس الوزراء الفرنسي السابق، مانويل فالس، عبر تويتر: "ينبغي ضمان فوز ساحق على اليمين المتطرف في 7 مايو (أيار المقبل)، وبناء أغلبية رئاسية واسعة، متناغمة وتقدّمية". كما دعا رئيس الوزراء الأسبق، اليميني آلان جوبيه، عبر الموقع نفسه، إلى دعم ماكرون لمواجهة اليمين المتطرف الذي سيقود البلاد إلى "كارثة"، على حدّ قوله. وبحسب النتائج النهائية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، والتي أعلنت عنها الداخلية الفرنسية، أمس الاثنين، حصل ماكرون على المركز الأول بـ 24.01 % من الأصوات، تليه لوبان بـ 21.30 %.