ودخلت الصحف الأزهر

داود الشريان

منذ فترة تواجه مؤسسة «الأزهر الشريف» حرباً إعلامية متواصلة، تزداد وتيرتها مع كل حادث إرهابي في مصر. مضمون الحملة أن الأزهر يحرّض على العنف، ومناهجه «تصنع» إرهابيين. «هيئة كبار العلماء» في مصر ردّت على هذه الاتهامات، وأشار بيانها إلى أن «مناهج الأزهر اليوم هي نفسها مناهج الأمس التي خرّجت رواد النهضة المصرية ونهضة العالم الإسلامي، بدءاً من حسن العطار، مروراً بمحمد عبده والمراغي والشعراوي والغزالي» وعلي عبدالرازق، صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، فضلاً عن أن ابن خلدون مرّ بالأزهر، وألقى دروسه على عدد كبير من الطلاب والمشايخ.

 

ما أشبه الليلة بالبارحة! في عام 1971، أصدر الراحل جلال كشك كتاباً في عنوان «ودخلت الخيل الأزهر»، وصف فيه امتهان الحملة الفرنسية الأزهرَ، وسعيها إلى لجم دوره الوطني أثناء غزوة نابليون مصر عام 1798. وخلال شرح كشك فكرة كتابه، القائمة على التفريق بين «التحديث والتغريب»، تحدّث عن قيادة الأزهر لمقاومة الأمة المصرية، ولمّح إلى أن علماء الأزهر الكبار لم يواجهوا الحملة الفرنسية بالعنف، على رغم أن بعض الشيوخ الصغار نظّم حركات سرية للمقاومة. وحين أنشأ نابليون «ديوان القاهرة»، أو «الديوان العام» وهو أشبه بمجلس للحكم، انضم رجال الأزهر إلى عضويته، لكنهم تمسكوا بموقفهم الوطني، رافضين الوصاية الفرنسية بذريعة التحديث... على رغم أن نابليون دكّ صحن الأزهر، ونهب كتبه، ومزق مخطوطاته، وقتل علماءه، وجعل المسجد إسطبلاً للخيل، وأغلق الأزهر، وسمّر أبوابه فترة طويلة.

 

وحين انتهى الغزو الفرنسي لمصر عام 1801 لم يتحول الأزهر إلى «ولاية فقيه»، وكان بإمكانه أن يحتفظ بدوره الذي ناله خلال الاحتلال الفرنسي، ويستبدّ بالحكم والمجتمع، ويفرض رجاله على مؤسسات الدولة، لكنه لم يفعل. وبقي الأزهر في موقعه الراهن، وكان شريكاً مهماً في كل الحركات الوطنية ضد الفرنسيين والإنكليز، فضلاً عن أنه كان ولا يزال إحدى مؤسسات الدولة المصرية، ولم يتمرّد على طاعتها، أو يصدر فتوى لا ترضى عنها. في المقابل، نجد أن الشيخ جاد الحق انسجم مع موقف الرأي العام المصري، ورفض التطبيع مع إسرائيل، رغم أنه أيّد معاهدة السلام حين كان يتولى الإفتاء قبل تولّيه مشيخة الأزهر.

 

لا شك في أن الأزهر وُلِد من رحم السياسة، ومر بمراحل ضعف وقوة، لكنّه ظل مركزاً للتوازن في المجتمع المصري والعربي. وسيذكر التاريخ أن الأزهريين أثروا الحياة الفكرية، وكانوا حراس الوسطية، وسعة الأفق.

 

الأكيد أن إضعاف الأزهر، أو تهميشه سيفتح مجالاً واسعاً أمام تيارات إسلامية سطحية ومتطرّفة، وسيفضي إلى سيادة خطاب ديني متشدّد يتملّق العامة، ويكرّس الخرافة ويحتكر الإسلام، ويحوّل الشريعة الإسلامية إلى سلطة تزرع الخوف والرعب.

مقالات متعلقة