لقاء مفاجئ وغير مسبوق استضافته العاصمة الإيطالية روما، قبل أيام، وجمع رئيس "المجلس الأعلى للدولة" الليبي عبد الرحمن السويحلي مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بحضور السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بيروني بهدف تقريب وجهات النظر بشأن النقاط الخلافية بين الطرفين.
ورغم عدم الإعلان حتى الآن عن أية نتائج ملموسة خرج بها اللقاء، الذي انعقد الجمعة الماضية، بشأن إحداث اختراق في الأزمة الليبية بين أطراف لا تزال متباعدة بشدة، إلا أن ذلك اللقاء يمثل محاولة إيطالية هامة لتعزيز الحوار المنقطع بين الفرقاء الليبيين، بحكم العلاقات التاريخية التي تربط بين طرابلس وروما المستعمر السابق، حسب خبير أوروبي في الشأن الليبي.
الخبير ذاته أكد، أن إيطاليا ربما قادرة على تعزيز الحوار بين أطراف الأزمة في ليبيا، لكنها لا تستطيع في نهاية المطاف إيجاد حل بدون التعاون مع دول الجوار، وخاصة تونس والجزائر، ومبادرة اللاعبين الرئيسيين في ليبيا نحو ذلك.
وعقب سقوط نظام معمر القذافي في 2011 إثر ثورة شعبية، دخلت ليبيا مرحلة انقسام سياسي تمخض عنها وجود حكومتين وبرلمانيين وجيشين متنافسين في طرابلس غربا، ومدينتي طبرق والبيضاء شرقا.
وضمن مساعي منظمة الأمم المتحدة لإنهاء الانقسام عبر حوار ليبي جرى في مدينة "الصخيرات" المغربية التوصل إلى اتفاق يوم 17 ديسمبر 2015.
وانبثق عن الاتفاق ثلاث مؤسسات، هي: "مجلس رئاسي" يقوده فايز السراج، وهو مُكلف بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبرلمان يتمثل في مجلس النواب المنعقد في طبرق، ومن مهامه المصادقة على الحكومة، التي يشكلها المجلس الرئاسي، وأخيراً "المجلس الأعلى للدولة"، الذي يضم 145 عضواً من "المؤتمر الوطني العام"، ويُعتبر أعلى مجلس استشاري للدولة، ورأية ملزم في مشاريع القوانين قبل إحالتها إلى مجلس النواب.
لكن الاتفاق لم ينجح في إحداث أي اختراق في جدار الأزمة الليبية مع مماطلة مجلس النواب في المصادقة على أكثر من تشكيلة حكومية قدمها السراج، قبل أن يطالب الأخير بادخال تعديلات على الاتفاق أبرزها تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي من 9 إلى 3 أعضاء، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتكليف رئيس للوزراء من غير أعضاء المجلس الرئاسي (أي غير السراج الذي يترأس حاليا المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق في الوقت ذاته).
*** اللقاء لم يتطرق لإشكاليات حيوية
وفي ظل ذلك الجمود السياسي، انطلقت مساع من أطراف عدة عربية ودولية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، وكان أخرها لقاء صالح والسويحلي في العاصمة الإيطالية، الجمعة الماضية.
وحول ذلك اللقاء، كشف صالح أنه جاء بناءً على طلب ووساطة تونسية إيطالية للاستماع الى السويحلي، باعتبار أن لديه وجهة نظر تساهم في حل الأزمة الليبية الراهنة.
وناقش اللقاء - حسب بيان صادر عن فتحي المريمي المستشار الاعلامي لرئيس مجلس النواب - "ضرورة العمل على المصالحة الوطنية الشاملة، وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، والإسراع في حل الأزمات التى يعاني منها المواطن الليبي، والاستمرار في الحوار، وتعديل الاتفاق السياسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية".
وأوضح البيان أن اللقاء - الذي جرى بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام - لم يتم التطرق إلى تحديد أسماء بشأن من يتولى المناصب في حكومة الوحدة، ولم يتم طلب مناصب أو غيره.
صحيفة "لاستامبا" الإيطالية اعتبرت، من جانبها، أنه لا يجب التعويل على ذلك اللقاء كثيرا في إحداث اختراق في جدار الأزمة الليبية.
وقالت إن لقاء صالح والسويحلي "لم يتطرق إلى إشكاليات حيوية تتعلق بإدارة الأزمة في ليبيا".
لكن الصحيفة الإيطالية رأت - رغم ذلك - أن أهمية الحدث تكمن في كون صالح يُعتبر حتى الآن من "الصقور الرافضين" لمنح مجلس النواب ثقته لسراج.
*** إيطاليا لا تستطيع وحدها جلب الحل
على النحو ذاته، رأى الباحث السياسي في العلاقات الخارجية بالمجلس الأوروبي والمختص في الشأن الليبي، الإيطالي ماتيا توالدو، أن "إيطاليا يمكنها - بمفردها - أن تعزز الحوار بين الأطراف الليبية، لكن لا يمكنها وحيدة العثور على حل".
وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "لقد كان الاجتماع بين عقيلة صالح والسويحلي ضربة كبيرة تحسب للدبلوماسية الإيطالية، لا سيما أن مراقبين اعتبروا إعادة افتتاح السفارة الإيطالية في طرابلس بمثابة خطوة موالية لحكومة السراج، واستندوا على ذلك في القول بأن روما ربما لا تكون مؤهلة لدفع الحوار" السياسي الليبي.
كان وزير الداخلية الإيطالي "ماركو مينيتي"، أعلن في الثاني من يناير 2017 إعادة افتتاح سفارة إيطاليا في طرابلس المغلقة منذ 2015 بسبب أعمال العنف.
لكن الحكومة الإيطالية - مع تقدم جهودها الدبلوماسية في ليبيا - ستكون بحاجة إلى مزيد من العمل المشترك المكثف مع جيران ليبيا في المرحلة القادمة، فضلا عن دفعة من اللاعبين الرئيسيين في ليبيا، إذا أرادت المساهمة في التوصل لحل، حسب الخبير توالدو.
وقال الباحث الإيطالي: "من المهم أن تواصل روما التنسيق مع تونس والجزائر؛ نظراً لأنهما تبدوان العاصمتين العربيتين اللتين تؤيدان أكثر من غيرهما ضرورة التوصل إلى حل توافقي وليس مسلحاً للأزمة الليبية".
وأضاف: "في جميع الأحوال، ستكون جهود الوساطة الخارجية في النهاية مهمة لكن ليس حاسمة؛ إذ لا حل وسط يمكن التوصل إليه بدون دفعة قوية من اللاعبين الليبيين الرئيسيين؛ ولهذا فإن دور كل من عقيلة صالح وعبد الرحمن السويحلي مهم في هذا الصدد لأنهم يتمتعان بمنصبين رسميين كرئيسي برلمانين، ونظراً لأن كلمتهما مسموعة بين الجماعات المسلحة".
وحول فرص تحقيق الحل الوسط بين الطرفين الرئيسيين للنزاع في ليبيا، أعرب الخبير توالدو عن اعتقاده بأن "هناك اتفاق عام على ثلاث نقاط: تخفيض عدد أعضاء مجلس الرئاسة إلى ثلاثة أعضاء، وفصل المهام بين رئيس مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء، والانتخابات البرلمانية التي يفترض أن تجري العام المقبل، لكن النقطة الرئيسية التي لم يتم الاتفاق عليها ولاتزال العقدة المركزية، تتمثل في دور الجنرال خليفة حفتر" قائد القوات المنبثة عن مجلس النواب.
وقال توالدو إن الوساطة الإيطالية قد تكون قائمة على "صيغة تقول بتنفيذ النقاط الثلاث المتفق عليها بين الطرفين، وترك مسألة دور الجنرال حفتر إلى ما بعد الانتخابات".
*** لقاء المتشابهين وليس النقيضين
على النحو ذاته، ترى أطراف ليبية أنه لا يجب التعويل كثيراً على لقاء صالح والسويحلي في الخروج بحل للأزمة الليبة.
إذ وصف عضو هيئة الحوار السياسي المبثقة عن مجلس النواب الشريف الوافي اللقاء بأنه "ليس بين النقيضين" - كما أسماه البعض - بل "لقاء المتشابهين بحب السلطة والتطلع والأحلام بالرئاسة".
وأضاف أنه لا يعتقد بأن جلوس صالح والسويحلي سيسهم في حل مشكلة ليبيا مستدركاً بالإشارة إلى تأييده لمبادرة جلوس الأطراف المتنازعة مع بعضها شريطة إيجاد حلول سريعة للمشكلة الليبية؛ لأن مشكلة البلاد ليست مختزلة في منصب معين.
وعلى النحو ذاته، لفت عضو مجلس النواب فرج بو هاشم إلى أن الأمنيات كانت في تحقق اللقاء الذي جمع صالح والسويحلي في ليبيا وليس في العاصمة الإيطالية روما، وبأن يتم في وقت مبكر وتطبيقا للإتفاق السياسي.
ووجه اللوم إلى عقيلة صالح في تأخر عقد مثل هذا اللقاء مع السويحلي بعد أن أوهم الناس أن هناك مؤامرة وأن هذه الشخصيات - من قبيل السويحلي - لا يمكن الجلوس معها باعتبارها "أدت لوقوع الحروب بالبلاد".
ورغم تقليل أطراف عدة من أهمية لقاء صالح والسويحلي، إلا أن الجانب الإيطالي والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر سعيدان به.
ففى أول تعقيب منه، رحب كوبلر باللقاء الذي وصفه بـ"المشجع"، وبأنه "خطوة جيدة على مسار الاتفاق السياسي".
وقال فى تغريدة عبر "تويتر": "لقد شجعني الاجتماع بين رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة في روما، خطوة جيدة يبنى عليها في الدفع نحو تنفيذ الاتفاق السياسي".
كما أشاد وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو باللقاء، وقال ألفانو في تغريدة عبر "تويتر" إنه "خطوة نحو الحوار من أجل وحدة ليبيا".