«حماس» على خطى «فتح»

«حماس» على خطى «فتح»

أيام أو ربما أسابيع معدودة وتُشهِر حركة «حماس» وثيقة سياسية جديدة قيل إنها تتضمن تحوّلاً في الموقف الفكري للحركة اعتبره البعض جوهرياً، ورآه آخرون مجرد صياغات جديدة.

 

الوثيقة ليست ميثاقاً جديداً، ولا هي تعديل للميثاق القائم، بل تُلحَق به تحت مسمى «وثيقة المبادئ والسياسات العامة». هي ثمرة عامين من العمل واستمزاج الآراء داخل الحركة وخارجها. وحين تسرّبت إلى الإعلام، على الأغلب بعلمٍ من الحركة، كان الهدف قياس ردود الفعل عليها، خصوصاً في مسألة مركزية هي قبولها دولة فلسطينية في حدود عام 1967.

 

عموماً، الوثيقة مربَكة ومربِكة، إن في مضامينها، أو توقيتِ تسريبها، أو مقاصدها، أو انعكاساتها على الوضع الفلسطيني. فإن كانت الحركة مقتنعة بالتعديلات ومؤمنة بها وراغبة حقاً في التغيير، لماذا تُبقي على الميثاق؟ وهل تمثل هذه التعديلات تحوّلات جذرية نابعة من قناعات مبنية على وعي للواقع الفلسطيني؟ ثم كيف توفق الحركة بين قبول دولة فلسطينية في حدود عام ١٩٦٧ وعدم الاعتراف بإسرائيل؟ وهل هذه الدولة هي نتاج العملية السياسية، وتالياً هل غيّرت الحركة موقفها من عملية السلام؟

 

وإذا كانت «حماس» تسير على خطى «فتح» في ملف الحوار والمفاوضات وحل الدولتين، فلمَ الخلاف الوطني إذن؟ أليس من باب أولى أن تعمل على إنهاء الانقسام؟ ثم ماذا يعني غياب ذكر «الإخوان» في الوثيقة من دون إعلان فك الارتباط بهم؟

 

يمكن «حماس» وأنصارَها أن يدافعوا عن الوثيقة باعتبارها عملاً تكتيكياً للتكيّف مع ظروف المرحلة بسياقاتها الإسرائيلية والإقليمية والدولية، وما يقتضيه ذلك من إنصات إلى الحلفاء والرعاة الإقليميين. تضاف إلى ذلك الضغوط التي تتعرض لها الحركة من حكومة التوافق الوطني في رام الله من أجل تسليم الحكم في قطاع غزة، ومن مصر التي تسيطر على معبر رفح، المتنفس الوحيد لقطاع غزة المحاصر إسرائيلياً.

 

لكن خارج صراع «حماس» من أجل البقاء، لا يبقى أي مبرر لهذه الوثيقة. فهدف «حماس» ألاّ تصبح خارج السياق في ظل المتغيرات السياسية الكثيرة، خصوصاً في زمن الرئيس دونالد ترامب الذي يستعد لإحياء عملية السلام ويُعد لحرب على الإسلام السياسي في آن. وقد يكون في هذا تفسير لتغييب «الإخوان» عن الوثيقة، والقبول بحدود عام 1967.

 

واللافت في مسألة الدولة وحدودها، بعد الهدنة الطويلة الأمد مع إسرائيل في غزة، أن الوثيقة وضعت «حماس» على خطى «فتح» سياسياً، فهي أشبه ما تكون بالبرنامج المرحلي (برنامج النقاط العشر) الذي تبنته «فتح» عام ١٩٧٤ وفيه توافق على إقامة السلطة على أي جزء يتم تحريره من الأرض الفلسطينية بالوسائل كافة، ومن بينها الكفاح المسلح، وإن اعترفت «فتح» ضمناً بإسرائيل عام 1988.

 

لكن الحكمة تقضي بأن تتعظ «حماس» من التجربة الطويلة لـ «فتح» في عملية السلام، فالاحتلال لا يعطي مقابلاً للتنازلات. وبالتأكيد لا بد أن تأخذ «حماس» العبرة أيضاً من رفض إسرائيل المبادرة العربية للسلام التي عرضت تطبيعاً كاملاً في مقابل دولة في حدود عام 1967 وعودة اللاجئين؟ وفي النهاية، ستصل «حماس» إلى الطريق المسدود الذي وصلت إليه «فتح» والسلطة في العلاقة مع إسرائيل، لكن ليس قبل أن تُسلم الحركة أوراقها كلها.

 

تسرّعت «حماس» في صوغ الوثيقة. وباسم الواقعية قدمت تنازلات بلا مقابل... تنازلات لن تُغير من الواقع شيئاً، سواء واقع الحركة أو اعتراف العالم بها، فالمطلوب دولياً من الحركة، الآن وفي السابق، هو قبول شروط اللجنة الرباعية الدولية بـ «الاعتراف بإسرائيل، والاتفاقات الموقعة معها، ونبذ العنف»، من دون مقابل حقيقي سوى مكاسب هزيلة، ربما من قبيل الاعتراف بالحركة، ورفعها عن قائمة الإرهاب، وفتح الأبواب أمام قياداتها على المسرح الدولي.

 

تسرّعت «حماس». وفي قلب وثيقتها ملامح شروط الرباعية لكن من دون اكتمال: دولة في حدود عام 1967، أي قبول حل الدولتين بما هو نتيجة عملية أوسلو والاتفاقات الموقعة، والمقاومة وسلاحها بما له علاقة بالعنف. والمطلوب من «حماس» ألا تسير على خطى «فتح» أو أي فصيل آخر، بل أن تخطّ لنفسها طريقاً مغايراً في النضال بعيداً من استنساخ تجارب ثبت فشلها.

مقالات متعلقة