«رفعت الفناجيلي».. مهندس الكرة المصرية برتبة ملازم

يُعتبر رفعت الفناجيلي، من أهم رموز الكرة المصرية عامةً، والأهلي خاصةً، على مر الزمان، عرفه الصغير قبل الكبير، كان قدوة لكل ناشئ، إذ لُقب الفناجيلي بأنه مهندس الكرة المصرية، لبراعته وموهبتة الفائقة التي تميز بها بين أبناء جيله.

 

 

في ذكرى احتفال النادي الأهلي، بمرور 110 عامًا على تأسيسه، لا يمكن نسيان أهم من لعبوا له، وسطروا أساميهم بحروف من نور في قلوب مشجعي النادي الأحمر، فالفناجيلي رفض التخلي عن ناديه والرحيل لأي نادي آخر، بعد تألقه منذ ظهوره ناشئًا بين جدران الجزيرة في أحضان النادي الأهلي، عملاق الكرة الأفريقية.

 

ويرصد "ستاد مصر العربية" تاريخ الفناجيلي، منذ خروجه من دمياط، وحتى وصوله للقاهرة، وكتابة سطور المجد بالنادي الأهلي، في سياق التقرير التالي:

 

ولد رفعت الفناجيلي، في شهر مايو 1936 بمحافظة دمياط ، حيث بدأ مشواره مع لعبة كرة القدم في صفوف نادي السويس، في أوائل الخمسينات، ليكتشفه عبده البقال، والملقب بأنه نجم الاكتشافات الذهبية وقتها، وانتقل الفناجيلي، للنادي الأهلي، في عام 1953، ولم يتعد عمره وقتها السادسة عشر ليلعب ضمن صفوف ناشئين النادي.

 

وانضم بعدها الفناجيلي، لصفوف الفريق الأول بالنادي في الجيل الذهبي، حيث كان يضم الأهلي بين صفوفه مجموعة من عمالقة كرة القدم وأهم من برعوا في لمسها أمثال "صالح سليم، وطه إسماعيل، وعادل هيكل، والجوهري، وطه سليم" وغيرهم من الأكفاء، ونجح معهم في حصد 7 بطولات دوري، و6 بطولات كأس مصر، بفضل أهدافه المتميزه في الدقائق القاتلة والتي منحت الأهلي، ألقابًا عديدة.

 

واشتهر الفناجيلى، بالقائد الخبير والعقل المدبر داخل الفريق، واشتهر أيضًا بالمدفعجي الشويط، لقدرته الهائلة على التسديد من مسافات بعيدة المدى، فقد كانت سلاحه الخاص في إنهاء أي مباراة لصالح فريقه.

 

وأجمع خبراء كرة القدم وقتها على إعطاء الفناجيلى، لقب مهندس الكرة المصرية، حيث كان يفكر بقدمه ويلعب برأسه، وقدرته على تحديد إيقاع المباراة وتحويلها من موقف الهجوم إلى الدفاع والعكس حسب احتياجات المباراة.

 

"منتخب مصر"

بعد تألقه اللافت للنظر مع النادي الأهلي، وقدرته على تحمل الضغوطات باللعب ضمن صفوف كبير الكرة المصرية، أصبح بعدها من أعمدة جميع المنتخبات الوطنية.

 

ولعب الفناجيلى في صفوف المنتخب الوطني لمدة 17 عامًا، خاض خلالها 62 مباراة دولية بداية من عام 1953 وحتى عام 1970، حيث خاض خلال تلك الفترة ثلاث دورات أوليمبية ونجح فى الفوز بالمركز الرابع مع المنتخب الوطني فى دورة طوكيو والتي أقيمت عام 1964 كما أحرز لقب أفضل مدافع فى دورة روما الأوليمبية عام 1960.

 

وحينما تتذكر رفعت الفناجيلي، مع منتخب مصر يأتي في الأذهان ذلك الهدف الذي أحرزه في مرمى المنتخب الإيطالي، بدورة ألعاب البحر المتوسط في نابولي، عام 1963 من تسديدة صاروخية من على بعد 40 مترًا في الدقيقة 89، قاد بها المنتخب المصري للتعادل بعد أن كان متأخرًا بهدف دون رد، وسط ذهول من مشجعي منتخب الأزوري، ويعتبر من أشهر أهدافه مع المنتخب الوطني.

 

ومن أشهر أهدافه أيضًا هدف الفوز الذى سجله فى مرمى منتخب ليبيا فى الدقيقة الأخيرة،في التصفيات الأفريقية بعد تمريرة من نجم الترسانة وهدافها حسن الشاذلي، وكانت النتيجة التعادل بهدفين لكل فريق فأطلق قذيفة أرضية فى الزاوية اليمنى سكنت الشباك الليبية.

 

"الانتماء ورفضه التخلي عن فريقه"

 

ضرب الفناجيلي، مثلًا رائعًا للقيم والمبادئ، بعدما رفض الاحتراف في أوروبا للبقاء في مصر، ضمن صفوف المارد الأحمر.

 

ويروي الفناجيلي، قصة طريفة في إحدى الحوارات الصحفية، عندما حبسه الأهلي خوفًا من انتقاله للزمالك، مؤكدًا أنه في موسم الاستقالات لعام 1956، وهو موسم يقدم فيه اللاعب استقالته من ناديه للعب لأي فريق آخر يريده، مؤكدًا أنه فوجئ بزميله حلمي أبو عطا، يطلب منه التوجه معه إلى مركز أرمنت بالأقصر، بمنطقة عزبة عبود باشا في الصعيد، وفور وصوله، شاهد لاعبين من الفريق وأخبره بأنه لا بد أن يمكث هنا أسبوعين حتى انتهاء موسم الاستقالات، خوفًا من انتقاله للزمالك.

 

وأضاف الفناجيلي أنه طلب منه العودة لكنه رفض وقال له "لو تعرف تروح روح"، مستغلًا أنه لا توجد مواصلات، ولكنه راقب مواعيد القطارات، وانتظر المغرب، وتسلل إلى محطة القطار، ولكنهم كانوا يفتشون القطار، فطلب من العامل أن يدخل الحمام، وعندما طرقوا الباب، أبلغهم بأنه سيدة، وبالفعل نجحت حيلته، وذهب إلى النادى الأهلي، وأبلغهم برغبته فى البقاء، ورفض الاحتراف الأوروبي، أو اللعب للزمالك أيضًا، برغبته، وليس بإجباره وحبسه، ويعود بعدها إلى منزله برأس البر في دمياط.

 

"الفناجيلي الإنسان"

 

كان الفناجيلى، رغم نجوميته وشهرته، لا يعرف معنى الغرور أو التكبر، فقد كان كريمًا وشهمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إضافةً إلى المروءة والحياء.

 

في إحدى المباريات غضب الفناجيلي، من طه إسماعيل، لأنه لا يمرر له الكرة حتى يسددها داخل شباك المنافس، حتى اشتد غضبه، ووجه كلماته لإسماعيل بأن كل لاعب يلعب في منطقته، ويجب عليه عدم الاقتراب من مركزه طالما لا يمرر الكرة له.

 

وبعد انتهاء تدريب الفريق في اليوم التالي للمباراة، ذهب الفناجيلي، واشتكى لمدير الكرة وقتها، علي زيوار، الذي استدعى طه إسماعيل في الحال، وسأله: "لماذا أغضبت الفناجيلي؟، ولماذا تتجاهل تمرير الكرات إليه؟"، فكان رد طه إسماعيل، "كيف أتجاهل أستاذي ومعلمي وقدوتي؟ ، أنا أعتبر الفناجيلى أستاذي".

 

ليستدعي زيوار، بعدها الفناجيلى، ويطلب من طه إسماعيل، أن يعيد على مسامعه ما قاله منذ لحظات، ليدخل بعدها الفناجيلي، في حالة بكاء شديد، ويقف لتقبيل رأس طه إسماعيل والاعتذار له.

 

"تحدي الخمسين جنيه ومكافأة الجمهور"

 

في موسم 62-63، كانت هناك مباراة أخيرة في الدوري بين الأهلي والزمالك، والتعادل يمنح الأهلي لقب الدوري، بينما يحتاج الزمالك الفوز للظفر باللقب المحلي، وكانت حينها أشارت كل التوقعات إلى فوز الزمالك، وإحراز اللقب بسبب غياب عناصر مؤثرة في صفوف الأهلي، أهمهم "صالح سليم، وميمي الشربيني، وطه إسماعيل، والجوهري"، بينما الزمالك مكتمل الصفوف يمتلئ بالنجوم الكبيرة التى تصنع الفارق مثل حماده إمام،ويكن حسين، وأبو رجيلة، وألدو، وعمر النور.

 

ولم يجد عبده صالح "الوحش"، مدرب الأهلي وقتها، سوى الدفع ببعض الناشئين لتعويض النقص والغيابات، وكان القائد في هذه المباراة هو رفعت الفناجيلي، وتوقع الجميع من جماهير وإعلام وصحافة، أن يفوز الزمالك بكل سهولة بل يحقق انتصارًا ساحقًا على الأهلي، ليدخل الفناجيلي، وقتها في تحدي مع الإعلامي أحمد فراج، والمعروف بانتمائه للنادي الأهلي، بأنه سيحرز هدفًا على شمال حارس الزمالك ألدو، وعلى ارتفاع أكثر من متر عن الأرض، فما كان من فراج إلا أن قال له: "لو فعلت سأعطيك خمسين جنيهًا، وكان يعتبر وقتها مبلغ كبير جدًا،ليضحك الفناجيلي قائلًا "سأحصل عليها غدًا".

 

وبدأت المباراة، وفوجئ الجميع بلعب جماعي من الأهلي، وانتشار وأداء رائع وإذا بالأهلي يتقدم عن طريق السايس، بهدف دون رد، من تمريرة قاتلة من الفناجيلي، وفى الشوط الثاني أضاع الفناجيلي كرة سهلة، أخطأ فيها أحمد مصطفى مدافع الزمالك، فأراد أن يعدل الكرة ليلعبها على شمال ألدو، كما وعد فتدخل، ولكن تجد في طريقها للشباك يكن حسين، الذي أنقذ الموقف قبل وصولها للشباك.

 

وانطلق علوي مطر بعدها بالكرة من الجناح الأيمن، ثم راوغ أبو رجيلة، الذي وقع على الأرض، ليرسل علوي الكرة بالعرض، ولكن يكن حسين، تصدى لها وأخرجها برأسه على قوس منطقة الجزاء، فاستقبلها الفناجيلي على قدمه اليسرى، ليعدلها على القدم اليمنى، ويصوب كرة في غاية القوة بلا شفقة على شمال ألدو حارس مرمى الزمالك، ليصدق في وعده بإحراز هدف بتلك الطريقة.

 

بعد الهدف جرى الفناجيلي فرحًا نحو مدرجات الدرجة الأولى، فإذا بنقود ورقية تتطاير من المقصورة في اتجاهه وكأن المكافأة التي حصل على وعد بها قد دفعت فورا ، واختتم طارق سليم المهرجان محرزًا الهدف الثالث لتنتهي المباراة بثلاثية نظيفة ويحرز الأهلى بطولة الدوري العام.

 

"اعتزال كرة القدم"

 

اعتزل الفناجيلي، في عام 1967 بعد الحرب كرة القدم، وكذلك معظم أفراد جيل الستينيات في مصر، ومنحه المشير عبد الحكيم عامر، والمعروف بانتمائه رتبة ملازم، تكريمًا منه على ما قدمه للكرة المصريه على مدار تاريخه.

 

ولم يتجه إلى مجال التدريب أو الإدارة كما فعل أقرانه، إلا في فترات قصيرة للغاية تولى خلالها تدريب فريق مدينته دمياط، واتجه إلى العمل الخاص، وكان ظهوره قليلا في المناسبات الرياضية، ربما بسبب شكواه المستمرة من التجاهل الإعلامي له بعد اعتزاله،ولكن عرف عنه في تصريحاته الصحفية القليلة إعجابه الشديد بمهارات رضا عبد العال، لاعب الأهلي والزمالك السابق، الذي كان يعتبره أكثر لاعبي الأهلي شبهًا به من حيث الأداء.

 

وترك الفناجيلى المجال الرياضى عام 1979، ومر الفناجيلي بظروف صحية صعبة خلال سنوات حياته الأخيرة، حيث أصيب بالشلل منذ عشر سنوات، وقبل رحيله بقليل، وتدهورت حالته بعد إصابته بمتاعب في الكلى، وتم إدخاله إلى مركز الكلى في المنصورة للعلاج، ولكنه فارق الحياة يوم الأربعاء فى الثالث والعشرين من شهر يونيو لعام 2004.

مقالات متعلقة