بتمرير مجلس النواب، برئاسة علي عبد العال، مشروع تعديل قانون الهيئات القضائية، اليوم، ليطيح بمبدأ الأقدمية في تولي رئاستها، رغم معارضة أصحاب الشأن رسميا؛ يدشن المجلس تاريخا جديدا من الصدام بين السلطتين التشريعية والقضائية.
وفي حين تكتفي السلطة التنفيذية بالصمت، يتجه الصدام لمزيد من التصعيد، في بلد يعرف أهله أن الفصل بين السلطات، واحد من مستحيلات الحياة، تماما كالغول والعنقاء والخل الوفي.
منذ يوم انعقاده الأول وحتى اليوم، السادس والعشرين من أبريل 2017، سيضطر مؤرخو المرحلة الراهنة من تاريخ مصر، لقلب الصفحة، ليكتبوا تحت عنوان عريض "قصة تشريع برلماني" أخضع رئاسة الهيئات القضائية للسلطة التنفيذية، حيث يقضي التعديل الأخير بجعل قرار التعيين في يد رئيس الجمهورية، بحيث يختار واحدا من ثلاثة ترشحهم كل هيئة، على أن يكون للرئيس حق اختيار واحد من بين أقدم سبعة من نواب رئيس كل هيئة، متى امتنعت أي هيئة عن ترشيح أسماء لرئاستها.
والقضاة ليسوا وحدهم في قائمة الذين طالتهم يد البرلمان بما يسؤوهم، فالأزهر الشريف، أكبر مرجعية دينية في العالم الإسلامي، ينتظر بين يوم وآخر، أن ينظر البرلمان، مشروع تعديل قانونه المقترح من النائب محمد أبو حامد، عضو المكتب السياسي لائتلاف "دعم مصر"، حيث يقضي ذلك المشروع بإدخال تعديلات جوهرية في نظام اختيار شيخ الأزهر وتعيين أعضاء هيئة كبار العلماء، بل إن المادة الخامسة منه تجيز إحالة شيخ الأزهر للتحقيق "متى أخل بواجبات وظيفته".
هنا يطرح السؤال حول شرعية النظام السياسي بأكمله، نفسه، خاصة أن دارسي العلوم السياسية يربطون باستمرار بين شرعية الأنظمة الجمهورية القادمة عبر الانتخابات، وبين مدى احترامها لدولة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، دون طغيان سلطة على أخرى.
مصدر نيابي من داخل البرلمان، رفض الكشف عن هويته، قال إن مجلس النواب ليس أكثر من مجرد أداة، في تنفيذ ما يسند إليه من مهام.
وردا على سؤال بشأن هوية من يسندون إليه تلك المهام، رد المصدر الذي يتولى منصبا استشاريا بإحدى الهيئات البرلمانية: الجميع يعرفهم. ممتنعا عن الإفصاح عن المزيد من التفاصيل.
ومن جانبه، قال رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي لـ"مصر العربية" إن أداء مجلس النواب يهدد شرعية النظام السياسي بما في ذلك شرعية البرلمان نفسه، ﻷن البرلمان يستمد شرعيته من الدستور الذي يحدد لكل سلطة صلاحياتها، فإذا كان للبرلمان سلطة التشريع فهي سلطة غير مطلقة ولكنها مشروطة بعدم مخالفة الدستور.
وأضاف الشهابي: نظام الحكم قائم على الفصل بين السلطات لكن البرلمان خالف ذلك ولم يحترم استقلال السلطة القضائية، ولم يحترم المبدأ الدستوري الذي أكد ضرورة أخذ رأيها في أي قوانين خاصة بها.
وتابع قائلا: وفق الدستور فإن رئيس الجمهورية يحاكم أمام محكمة خاصة يترأسها رئيس محكمة النقض، فكيف يتماشى ذلك إذا جرى تعيين رئيس المحكمة بواسطة رئيس السلطة الذي يحاكم أمامها، خاصة أن مصر شهدت خلال الأعوام القليلة الماضية، محاكمة رئيسين أمام القضاء.
ورأى الشهابي، وهو برلماني سابق، أن أداء البرلمان أثر بالسلب على شرعيته وعلى شرعية نظام الحكم، واصفا مجلس النواب بأنه "مفعول به وليس فاعلا؛ تأتيه التوجهات عبر ائتلاف دعم مصر ثم يخرجها في قوانين"، على حد قوله.