عقب نتائج الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، جاء رد الهيئات الدينية في فرنسا سريعا، فغالبية الزعماء المسلمين واليهود والبروتستانت، طالبوا الناخبين بعدم التصويت لمرشحة "الجبهة الوطنية" مارين لوبان، دون ذكر إيمانويل ماكرون، لكن الكنيسة "الكاثوليكية" كانت حذرة تجاه هذه المسألة، وفضلت عدم إبداء موقف واضح.
تحت هذه الكلمات نشر "راديو فرنسا الدولي" تقريرا عن موقف الهيئات الدينية من الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في 7 مايو المقبل، بين مارين لوبان (يمين متطرف) وإيمانويل ماكرون (يسار وسط).
في بيان صدر مساء الأحد الماضي، أعلن مجلس أساقفة فرنسا على لسان المتحدث باسمه أوليفييه ريبادو-دوماس، أن المجلس لم يتبن أي موقف واضح تجاه إيمانويل ماكرون أو مارين لوبان، مشيرا إلى أن الكنيسة الكاثوليكية "لا تدعو إلى التصويت لصالح أي من المرشحين".
ويقول بيير بريتشون، الأستاذ بمعهد "جرينوبل" للدراسات السياسية، إن "الكاثوليك يتحدثون دائما بعيدا عن الانتخابات، ويفضلون إعطاء إرشادات وتشجيع المؤمنين على التركيز تجاه النقاش السياسي".
ويوضح الباحث، في فرنسا الكنائس "مهتمة بالسياسة، ولديهم حرية الكلام، لكنها لا ترغب في إجبار الناخب على التصويت لأحد المرشحين"، وذلك يرجع إلى " تنوع المؤمنين"، وتعتقد المؤسسات الدينية أن "القرار يقع على عاتق الجميع".
ووفقا لاستطلاع أجراه معهد "إيفوب" لصالح مجلة "بيلران"، 22٪ من الكاثوليك صوتوا لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الأولى (19٪ من المتدينين و 23٪ من غير المتدينين)، وبنفس النسبة لصالح لوبان (15٪ من المتدينين و 23٪ من غير المتدينين).
المسلمون يحشدون ضد لوبان
كما الأساقفة، المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) رفض، باعتباره ممثل مؤسسة رسمية منتخبة، إعطاء تعليمات محددة بشأن التصويت لأحد المرشحين، ومع ذلك، دعا مسلمي فرنسا إلى "الاستنفار من أجل انتصار قيم الانفتاح والأخوة والتضامن".
وقال المجلس دون تسمية مارين لوبان "يجب أن نبقى متحدين ومحتشدين لمواجهة نهج الإقصاء والكراهية، فضلا عن الميول الملّغمة والموصومة التي تهدد التماسك الوطني والعيش المشترك".
لكنه ذكر اسم إيمانويل ماكرون وامتدح "التزامه بالعلمانية، التي تضمن حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد، وتكفل حرية ممارسة الشعائر الدينة وفقا لقوانين الجمهورية" دون دعوة مباشرة للتصويت لصالح مرشح "إلى الأمام".
أما اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) فدعا من جانبه "مسلمو فرنسا، بجميع ميولهم السياسية، إلى عدم التراخي في الجولة الثانية والتصويت بأغلبية ساحقة للمرشح إيمانويل ماكرون كي يفوز بأكبر نتيجة".
كذلك الجامع الكبير في باريس، إحدى المؤسسات الإسلامية الرائدة، دعا الاثنين، المسلمين إلى "التصويت بكثافة" لصالح مرشح "إلى الأمام".
هذا الرفض الواضح من قبل المسلمين للتصويت إلى "الجبهة الوطنية" لا يثير دهشة بيير بريتشون " الخطاب المعادي للمهاجرين، والإسلام، والمسلمين الصادر عن مارين لوبان جعل المؤسسات الدينية تنظر إلى الجبهة الوطنية ككارثة. ويعبرون عن ذلك بقوة أكبر من ذي قبل".
ويصوت المسلمون في فرنسا عادة إلى "اليسار التقليدي" كما يقول الأستاذ بريتشون، ومع خيبة أملهم تجاه الحزب الاشتراكي، صب ذلك في صالح مرشح اليسار الراديكالي جان - لوك ميلينشون، خلال الجولة الأولى.
ووفقا لاستطلاع "إيفوب" حصل مرشح "فرنسا المتمردة" على أكبر عدد من أصوات المسلمين في الجولة الأولى 37٪، قبل إيمانويل ماكرون (24٪)، بينوا هامون (17٪) وفرانسوا فيون (10٪)، فيما حصدت مارين لوبان، على 5٪ من أصوات هذه الفئة.
بكل وضوح.. اليهود يدعمون ماكرون
دون التباس، المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) أطلق مساء الأحد، دعوة واضحة من أجل التصويت إلى إيمانويل ماكرون ضد مارين لوبان في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، وعبر عن "رضاه بعد رؤية مرشح الدفاع عن قيم الديمقراطية والجمهورية في المقدمة".
الجناح السياسي الأول للجالية اليهودية في أوروبا، الذي يبلغ عدد أعضائه نصف مليون، دعا للتعبئة ضد مرشحة "الجبهة الوطنية" وذلك من خلال التصويت لنتالي أرتو أو فيليب بوتو، أو جان- لوك ميلينشون، أما في الجولة الثانية دعا (CRIF) صراحة إلى التصويت لإيمانويل ماكرون.
ويرى بيير بريتشون، أن موقف المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية ليس مستغرب، "فعلى الرغم من أنه كانت هناك تطورات، الصورة المعادية للسامية المأخوذة عن الجبهة الوطنية لا تزال موجودة".
البروتستانت يريدون هزيمة لوبان
موقف واضح آخر، صدر عن الاتحاد البروتستانتي في فرنسا، ففي بيان صدر الأربعاء 26 أبريل، بينت المؤسسة "كيف ستتأثر التزاماتها إذا فازت مرشحة الجبهة الوطنية".
ويعتقد (FPF) أن فوز مارين لوبان يمكن أن يعرض "الحرية الدينية، وإجراءات استقبال المنفيين، وقضايا المناخ، والأكثر من ذلك مشروع تعزيز الأخوة في المجتمع الذي يهو بحاجة إلى العمل معا، للخطر".
وعلى الرغم من الاتحاد، لم يدع صراحة إلى التصويت لصالح إيمانويل ماكرون، فقد حذر من خطر الامتناع عن التصويت وفي مقابلة مع مجلة "ريفورم" يشير رئيس الاتحاد، القس فرانسوا كلافيرولي، إلى أن مرشح "إلى الأمام" أفكاره متقاربة معهم، ولديه رؤية منفتحة تجاه الأمة الفرنسية، ووجهة نظر إيجابية تجاه الاتحاد الأوروبي".
ويقول الاتحاد البروتستانتي في فرنسا، الذي يمثله المئات في المحليات والمؤسسات والحركات، إنه يريد "البقاء يقظا، لإثبات ثقته في السياسة وتحدي أي شيء من شأنه أن يقوض رسالة الإنجيل".
وبحسب استطلاع "إيفوب" صوت 30٪ من البروتستانت لإيمانويل ماكرون، مقابل 20٪ لمارين لوبان.