"أنا أعتذر جدًا على التشويش الذي خلقته بشأن مستقبلي، قناعتي كانت وما زالت أن الأمور تحدث بشكل أفضل عندما تكون بوقت قصير، ٤ سنوات بالبارسا تبدو كالدهر .. نفدت بطارياتي، لم أعد أملك الطاقة اللازمة التي يجب أن يملكها مدرب البارسا".
كلمات قليلة أعلن بها الفيلسوف بيب جوارديولا، المدير الفني لنادي مانشستر سيتي الحالي، رحيله عن تدريب برشلونة الإسباني بعد 4 سنوات قضاها في قلعة "كامب نو" في الفترة من 2008 حتى 2012.
الفريق ودّع دوري أبطال أوروبا على يد تشيلسي في نصف النهائي وخسر الدوري الإسباني لصالح ريال مدريد ولم يحصل سوى على لقب كأس الملك.
ورغم كل البطولات التي حصل عليها، لكنّه اختصر الأمر في جملة واحدة، "عندما تفقد الاتصال بلاعبيك، فيجب عليك كمدرب الإدراك بأن الوقت حان للرحيل، شعرت بأنه لم يعد بإمكاني المحافظة على الصلة التي تربطني بفريقي".
وقرر بيب خوض تجربة جديدة في ألمانيا رفقة بايرن ميونخ ثم انطلق لإنجلترا لتسير معه الأمور بصورة مختلفة ويقترب من إنهاء موسمه الأول مع مانشستر سيتي دون بطولات لأول مرة في 8 سنوات تدريبية.
لم يخرج بيب ليعلن رحيله عن مانشستر سيتي، ولكنّه اعترف بأنه مازال يتعلم من تلك التجربة وأن عليه التطور، ليتحدث قائلًا: "أنا لست مدربا أسوأ لأنني لم أحقق لقب، بل أشعر أنني أصبحت مدربا أفضل من قبل".
وتابع: "تعلمت الكثير وأصبحت أكثر خبرة، تعلمت أن أتعامل مع المواقف بشكل أفضل من قبل، عادة حينما تتعرض لموقف ما لأول مرة فأنت تعرف بعد ذلك كيف تتعامل معه، وهذا ما حدث معي، لذا بعد 9 سنوات فهذا أمرا رائعا، تعلمت أنه حاولت ولم أقدر، أتوقع أن تكون مسيرتي التدريبية طويلة".
"ستاد مصر العربية" يرصد كيف ظهر المنافسون أمام بيب جوارديولا في فترته مع برشلونة؟ وكيف تغيرت الأمور معه في مانشستر سيتي؟ وما الجديد الذي يحتاج الفيلسوف لتعلمه؟
تطوير المنظومة الدفاعية
مع برشلونة، اعتمد الفريق على أسلوب الضغط العالي كوسيلة لاستخلاص الكرة واستعادتها، ولذلك لم يحتاج الفريق لعمل الكثير من الإعاقات لمنع الخصم من امتلاك الكرة، وفي موسم 2010/2011 احتل البلاوجرانا المركز الـ19 (قبل الأخير) في فريق الليجا في الاعتراضات الناجحة.
احتلال المركز قبل الأخير في الاعتراضات الناجحة وقتها لم يكن أمرا مقلقا للفريق، لأن برشلونة مارس الضغط العالي على الخصوم بطريقة "شبه مثالية" ربما لن ترى فريقا يكررها بتلك الطريقة مرة أخرى.
وأجبر البارسا المنافسين على التمريرات الخاطئة وفقدان الكرة باستمرار، وكان وقتها هو الفريق الأوحد الذي يعيد اكتشاف الكرة الشاملة ويستعملها أمام منافسيه، وذلك بالتزامن مع سيطرة فلسفة الاستحواذ والأفكار الهجومية على كرة القدم، متمثلة في برشلونة والمنتخب الإسباني المتوج باليورو مرتين وكأس العالم.
حاليًا، مع مانشستر سيتي، وفي ظل تطور كرة القدم واستخدام أغلب المنافسين لأسلوب الضغط العالي على مناطق هجوم السيتزنز، وفي ظل وجود عدد من المدربين المميزين أمثال الإيطالي أنطونيو كونتي والبرتغالي جوزيه مورينيو والألماني يورجن كلوب وظهور مدربون شباب بأفكار جديدة مثل ماوريسيو بوكيتينو، تأثر فريق بيب كثيرًا بانخفاض المستوى الدفاعي.
فيكفي احتلال مانشستر سيتي الـ13 في الدوري الإنجليزي في أكثر الفرق التي تسبب أخطاء المدافعين بها في استقبال أهداف، ارتكبوا 11 خطأً قاتلًا في مناطق الجزاء تحولت 5 منها لأهداف.
وهو رقم مرتفع مقارنة بجاره مانشستر يونايتد الذي ارتكب مدافعوه 8 أخطاء فقط تحول منهم 3 كرات لأهداف، أما تشيلسي، متصدر الدوري، فلم يستقبل سوى هدفين فقط من خطأ مباشر للمدافعين.
مانشستر سيتي استقبل 35 هدفًا هذا الموسم حتى الآن في الدوري الإنجليزي وهو ما يعادل أسوأ المواسم الدفاعية لبرشلونة مع جوارديولا في الليجا موسم 2008/2009.
جوارديولا يحتاج للبحث عن أساليب جديدة للتعامل مع أسلوب الضغط العالي الذي يمارسه المنافسون عليه، كما يحتاج لإيجاد حل للأخطاء الفردية بقدر حاجته للتأقلم مع أفكار الكرة الإنجليزية والتعامل معها صورة أكثر مرونة.
لأن الاستحواذ لا يكفي
بلغت نسبة الاستحواذ مع برشلونة موسم 2009/2010 في الدوري الإسباني 63.7% كالأفضل في البطولة وارتفعت إلى 67% موسم 2010/2011 وفي آخر مواسمه وصلت نسبة الاستحواذ إلى 65.4%.
أما مانشستر سيتي فبلغت نسبة 60%، ورغم أنها النسبة الأكبر في الدوري الإنجليزي إلا أن السيتزنز في المركز الرابع.
الحقيقة كذلك أن عودة المدراس الدفاعية إلى الصورة، غيرت من ميزان أفكار جوارديولا، التي أحدثت ثورة في عالم الكرة قبل ما يقرب من 10 سنوات، وأنه بات في حاجة ماسة لأفكار جديدة تساعده على تلافي نقاط الضعف التي أصبح يعرفها منافسوه جيدا.
فعلى سبيل المثال، مباراة تشيلسي، والتي خسرها السيتي 3-1، استقبل فيها كتيبة جوارديولا هدفين من كرة طولية والثالث من هجمة مرتدة، لم ينجح مع استحواذ 60% مقابل 40% في الخروج بنتيجة إيجابية.
استقبل فريق جوارديولا أهدافًا من كرات طولية بصورة كبيرة ولم يفلح المدافعون في مانشستر سيتي في منع هذه الأهداف.
اللاعبون
إمكانيات اللاعبين في برشلونة كانت تتفق تمامًا مع فلسفة جوارديولا، فالمدرب الذي بدأ في الفريق الثاني وصعّد عددًا من المواهب الشابة كما طوّر من تشافي هيردنانديز وأندريس إنيستا وأعاد اكتشاف ليونيل ميسي وأعاد جيرارد بيكيه من مانشستر يونايتد واستقدم داني ألفيس.
هذه التوليفة التي قادها بيب في 4 سنوات جعلت البارسا في حال أفضل وأقرب على ترجمة أفكار جوارديولا لبطولات.
يكفي أن برشلونة تجاوز حاجز المائة هدف في الدوري الإسباني مرتين في 4 مواسم، والموسمين الآخرين سجل 98 هدفًا و95 هدفًا، أما مانشستر سيتي فلم يسجل سوى 63 هدفًا في البيريميرليج فقط هذا الموسم.
مانشستر سيتي لا يمتلك قلوب دفاع بحجم بيكيه وبويول، ولا ظهير أيمن بقوة ألفيس إذ اضطر جوارديولا في أوقات كثيرة لإشراك فيرناندينيو في مركز الظهير الأيمن حتى لا يعتمد على زاباليتا.
وهو ما يعني قصورا كبيرا في تطبيق خططه التي تعتمد بشكل كبير على الأظهرة، إذ يساهم الأظهرة في بناء اللعب، وينضمون إلى وسط الملعب لتوفير كثافة عددية فيما يُعرف بـ"الظهير الوهمي".
ولا يعني ذلك أن بيب لم يُخطئ كذلك، ففي سوق الانتقالات الماضية، ورغم شرائه لعدد من أبرز اللاعبين إلا أنّه لم يضع الأسماء التي يمكن أن تنفذ أفكاره، فاشترى كلاوديو برافو ليجلس على دكة الاحتياط بعد 21 مباراة أساسية كان فيها بين أسوأ حراس مرمى في البريميرليج.
كما ضم إلكاي جوندوجان الذي ظل أسيرًا للإصابة ودفع بمواهب شابة أمثال ليروي ساني وجابرييل خيسوس، ولم يستفد من نوليتو وتركه احتياطيًا، وأغلبها صفقات هجومية إذ تعاقد دفاعيا مع جون ستونز فقط.
جوارديولا يحتاج لتدعيم الفريق بما يناسب فلسفته، فلا يوجد لاعب في قلب الدفاع أو الأظهرة أو حتى في خط الوسط يلعب بالطريقة التي تتناسب بالشكل الأمثل مع أفكار بيب.
جواديولا يحتاج لأن يقف ويراجع نفسه ويبحث عن الأخطاء التي طالما اعترف بارتكابه لها حتى لا يجد نفسه يومًا يقف أمام الصحافة الإنجليزية ليقول :"نفدت بطاريتي".