بعد تغريم مصر 2 مليار دولار جديدة في تصدير الغاز لإسرائيل.. القصة الكاملة للأزمة

تصدير الغاز لإسرائيل

استكمالا لمسلسل قضاياتصدير الغاز لإسرائيل، الذي بدأ منذ سنوات والتعثر  فى قضايا التحكيم الدولى، أصدرت مؤخرا محكمة سويسرية حكما ضد هيئة البترول المصرية وشركة "إيجاس"، بدفع غرامة قدرها 2 مليار دولار لشركة كهرباء إسرائيلية، بسبب الإخلال بتعاقدات تصدير سابقة.

وبلغ عدد القضايا المصرية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي 29 قضية خلال 19 عامًا منها 19 قضية في الـ5 أعوام التالية لثورة يناير 2011 وتقدر القضايا بمليارات الدولارات في وضع صعب تعيشه مصر لا يمكن لها إلا تأجيل الدفع وتقديم التنازلات، وفقًا لدراسة أجرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في ديسمبر  الماضي.

 

وسددت مصر منذ أولى القضايا، التي رفعت عليها عام 1998، مبالغ وصلت إلى 224.2 مليون دولار مصروفات إدارية، بالإضافة إلى 42 مليار جنيه على الأقل، كتعويضات في القضايا التي حُسِمت لصالح المستثمرين، وتسويات مع مستثمرين للتنازل عن القضايا وتجنب اللجوء إلى التحكيم الدولي، ووفقًا للدراسة.

وتعود بداية الأزمة إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي سمح بتصدير الغاز لإسرائيل من خلال شركة غاز شرق المتوسط، والتي كان يملكها رجل الأعمال، حسين سالم، ومع ثورة 25 يناير وتوالى تفجير خطوط الغاز التي تنقل الغاز لإسرائيل، قامت وزارة البترول بفسخ العقد مع إسرائيل باعتباره عقدا تجاريا وأن اسرائيل تأخرت في دفع المستحقات.

وعلى إثر ذلك، قامت إسرائيل برفع أربع قضايا ضد مصر، وذكرت شركة "أمبال" اﻹسرائيلية أن الحكومة المصرية لم تكن قادرة على حماية خط الغاز الطبيعي الذي يربط بين العريش المصرية ومدينة «عسقلان» في إسرائيل، ما نتج عنه تكرر الهجوم على خط الغاز 13 مرة ، في الفترة من الأول من فبراير 2011 حتى 9 مايو 2012، وخسرت مصر حتى الآن ثلاث قضايا منهم.

ففي ديسمبر 2015، حصلت الشركة الإسرائيلية على حكم نهائي من هيئة تحكيم دولي يلزم مصر بدفع 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء تعويضًا لها عن وقف إمدادات الغاز، بالإضافة إلى خسارتها في القضية الثانية مبلغ يتراوح بين 176 و 300 مليون دولار أخرى ليتعدى قيمة التعويض وقتها الـ2 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل مجموع خسائر مصر من وراء تلك القضايا إلى 8 مليارات دولار.

يشار إلى أن هذه الأحكام نهائية ولا يجوز الطعن عليها، وبالتالي فمطلوب من مصر سدادها في الوقت الحالي، في ظل الوضع الاقتصادي الحرج وحصولها على قروض كثيرة، ما قد يعوق إمكانية السداد.

3 عوامل

الدكتور جمال القليوبي، عضو مجلس جمعية البترول المصرية، قال إن الحكم الصادر بتغريم مصر 2 مليار دولار فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل يرجع إلى 3 عوامل.

وأضاف القليوبي، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن القضية تم رفعها ضد مصر منذ عامين من جانب شركة معاريف للكهرباء الإسرائيلية، على شركة إيجاس، بموجب الاتفاق على شراء الغاز المصري وضخه للشركات الإسرائيلية للكهرباء.

 

وأوضح أن الثلاثة عوامل التى أدت إلى عجز مصر للوفاء باتفاقها وضخ الغاز لإسرائيل، تتمثل فى وجود مخالفة قانونية، من جانب شركة إيجاس، حيث امتنعت عن دفع أقساط ثلاث دفعات من بيع الغاز المصري إلى هيئة الغاز المصرية، ما اضطر الهيئة في عام 2013 إلى قطع الغاز الطبيعي عن شركة إيجاس.

 

وأشار القليوبي إلى أن العامل الثاني يكمن في تكرار عمليات تفجير خطوط الغاز، الذى ترتب على إثره توقف ضخ الغاز لإسرائيل مدة زمنية طويلة ولأكثر من مرة، ونتج عنه قطع الكهرباء في إسرائيل فترات طويلة؛ ما اضطر الحكومة الإسرائيلية لعقد اتفاقيات مباشرة لشراء الغاز للاستعاضة عن الغاز المصري.

 

ولفت عضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية، إلى أن العامل الثالث جاء مترتبا على ما سبق والذي نتج عنه قرار نهائي بإنهاء العقد وقطع ضخ الغاز بشكل نهائي من جانب الهيئة المصرية للغاز عن شركة إيجاس، ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى رفع قضية قانونية على الحكومة المصرية.

الاستعانة بكوادر متخصصة

ويقول الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، إن مصر خسرت في الفترة الأخيرة العديد من قضايا التحكيم التجاري الدولي مع شركات وهيئات أجنبية، وكلف ذلك البلاد مليارات الدولارات كان الشعب في أمس الحاجة إليها، ووضح جليا أن الكوادر الحكومية المتخصصة في مجال التحكيم التجاري الدولي لا تزال نادرة.

 

وأكد سلامة في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن ذلك يتطلب دراسة أسباب القصور والخلل من جانب مؤسسات الدولة وعلى رأسها هيئة قضايا الدولة، والاستعانة بكوادر مؤهلة سواء كانت وطنية في داخل البلاد أو خارجها أو مكاتب استشارية خاصة من خارج البلاد.

 

وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أن نزيف المال العام لا يقتصر على هذه القضايا الخاسرة في مجال قضايا التحكيم التجاري الدولي وحسب، ولكن يمتد إلى قضية استرداد الأموال المصرية المنهوبة في الخارج، حيث أصبحت مصر من أبطأ دول العالم كافة في هذا الشأن.

  الفساد السبب الدكتور إبراهيم أحمد، أستاذ القانون الدولي، قال إن أحد أهم أسباب فشل مصر في قضايا التحكيم الدولي هو أن مجال الفساد متزايد لدينا بشكل كبير، وهو ما يؤدي إلى إبرام عقود غير سليمة ولا تحقق المصالح القومية للدولة ما يشكل عبئا على الدولة في النهاية.

 

وأوضح أحمد في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أنه لتجنب هذه الخسائر لابد من اللجوء إلى المتخصصين وأشخاص لديها دراية بالقانون الدولي، وعدم إسناد هذه القضايا لأهل الثقة وإنما لأصحاب الخبرة والكفاءة، لأننا نخسر الكثير من هذه القضايا بسبب عدم إدارة المشكلة بطريقة سليمة.

تنويع التمثيل القضائى فيما رأى محمود وهبة، أستاذ التنظيم وعميد معهد الدراسات التطبيقية بمركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك سابقًا، أنه من الضروري أن تنوع مصر تمثيلها القضائي، وتلجأ إلى عدة مكاتب محاماة بدلا من مكتب واحد وخاصة بعد خسارة قضية كبري لصالح إسرائيل.

 

وقال وهبة، على صفحته بفيسبوك، إن قضايا التحكيم الدولي تعتمد على ما يسمى بالاتفاقيات الثنائية بين مصر ودوّل أخرى بلغ عددها 156 دولة، وبناءً على هذه المعاهدات الدولية فإن من حق أي مستثمر من جنسية هذه الدول في حالة ICSID أو مزدوج الجنسية في حالة الغرف التجارية أن يرفع قضية ضد مصر لتعويض مالي حقيقي أو متصور.

 

وأشار إلى أن بعض دول أمريكا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا أرادت أن تخرج من هذه الورطة بإلغاء انضمامها إلى التحكيم الدولي بل وإلغاء بعض الاتفاقات الثنائية ولكن هذا لم يمنع القضايا لأن هذه القرارات ليس لها أثر رجعي.

 

وأوضح وهبة أن الهند قامت بتعديل قد يفيدنا في هذه المشكلة، وهو أنها تخلصت من التحكيم السري أو شبه السري تحت إشراف الغرف التجارية مع الحفاظ علي الاتفاقات الثنائية، خاصة في ظل حاجة مصر إلى المستثمر الأجنبي وإلغاء هذه الاتفاقات الثنائية سيقتل فرص الاستثمار الأجنبي بمصر .

 

وشدد على أهمية مطالبة مصر لإنهاء التحكيم تحت قواعد ISDS أو التحكيم تحت إشراف الغرف التجارية والتحكيم السري أو شبه السري، والبدء في ذلك لأنه كلما تأخرت كلما ازدادت الأزمة، كما طالب مصر باحترام العقود وحقوق المستثمرين والتوقف عن القرارات العشوائية والمتضاربة التي تضر مصر أكثر مما تفيد.

 

وقال وهبة إنه إذا لم تدفع مصر هذه التعويضات فإن كل الممتلكات التجارية الخاصة بها بالخارج معرضة للمصادرة الفورية سواء طائرات مصر للطيران أو بعض الآثار التي تعرض لمصر تجاريا بالمتاحف مقابل تذكرة دخول.

وأضاف أن مصر أصبحت تحت رحمة شركة الكهرباء الإسرائيلية وبعض الممولين من اللوبي الإسرائيلي بأمريكا وهم يمثلون بالطبع الحكومة الإسرائيلية إلا إذا تم الدفع أو التفاوض.

مقالات متعلقة