عندما تٌشكل الحكومة الجديدة خلال هذا الأسبوع، كما أعلن الرئيس السوداني، عمر البشير، بعد تأخير استمر لأشهر، فإن تحديها الرئيس هو مدى تماشي سياستها مع وصفها كحكومة "وفاق وطني"، في بلد أعيته الانقسامات والحروب الأهلية. ويعود تشكيل حكومة الوفاق إلى توصيات حوار وطني دعا له الرئيس البشير، مطلع 2014، وقاطعته غالبية فصائل المعارضة بشقيها المدني والمسلح. ويعتقد على نطاق واسع أن دافع البشير، إلى الحوار هو الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد في سبتمبر 2013، وكانت الأقوى على مدار حكمه، ردا على خطة تقشف قاسية. وفي أكتوبر الماضي، تمت المصادقة على توصيات الحوار، الذي اقتصرت المشاركة فيه على أحزاب متحالفة أصلا مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، باستثناء المؤتمر الشعبي، الحزب الوحيد الذي قبل المبادرة من بين تشكيلات المعارضة المُتمتعة بشعبية. ولأن توصيات الحوار نصت على أن تُشكل حكومة الوفاق من بين القوى التي شاركت في العملية، تأخر تشكيلها عن موعدها المقرر في يناير 2017، بسبب خلافات بين حزب البشير والمؤتمر الشعبي. حيث رهن المؤتمر الشعبي، الذي أسسسه الراحل حسن الترابي، مشاركته في الحكومة بإجازة تعديلات دستورية، منصوص عليها في توصيات الحوار، لـ"صون" الحريات العامة، و"تحجيم" صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات، المُتهم من المعارضة بـ"قمع" أنشطتها. وظهرت الأزمة عندما تجاهل الحزب الحاكم إيداع البرلمان هذه التعديلات، مكتفيا بتعديلات أخرى، أهمها استحداث منصب رئيس وزراء، لأول مرة منذ وصول البشير، السلطة في 1989. وحتى هذا التعديل الذي مرره البرلمان في ديسمبر الماضي، كان محل انتقادات وسط تيار في المؤتمر الشعبي، لأنه تجاهل الهدف الأساسي منه، وهو تحجيم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها البشير، حيث منح التعديل رئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الوزراء، وليس البرلمان. ونص التعديل على أن يشكل رئيس الوزراء حكومته بالتشاور مع الرئيس، على أن يكون مسؤولا أمامه بجانب البرلمان. ومع تشدد المؤتمر الشعبي، تم إيداع في يناير الماضي، التعديلات الخاصة بالحريات لدى البرلمان، الذي صادق عليها الأسبوع الماضي، لكن دون تحجيم صلاحيات جهاز الأمن. وأقرت توصيات الحوار أن يقتصر دور الجهاز على "جمع المعلومات وتحليلها، وتقديم المشورة للسلطات المعنية"، غير أن نواب البرلمان الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم، أضافوا نصا يوسع صلاحياته. وصادق نواب البرلمان، البالغين 426 عضوا، باستثناء نائبين فقط، على تحديد مهام الجهاز في كونه "قوة نظامية قومية مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي". ويرى مراقبون أن وفاة زعيم المؤتمر الشعبي، حسن الترابي في مارس 2016، جعلت موازين القوى تميل لصالح حزب البشير. وقبِل الترابي، في خطوة مفاجئة للأوساط السياسية، بمبادرة البشير، بعد معارضة شرسة امتدت لـ 15 عاما، تم اعتقاله خلالها أكثر من مرة، بتهم من بينها التخطيط لانقلاب عسكري. وينظر إلى الترابي، بوصفه المهندس الفعلي للانقلاب الذي أوصل البشير للسلطة، قبل أن يختلفا ويطيح الأخير بالأول في 1999. وأشارت وسائل إعلام محلية، قبل أيام، من تمرير التعديلات إلى قبول المؤتمر الشعبي بالمشاركة في الحكومة، بعد تفاهمات لم يفصح عنها بين أمينه العام، علي الحاج، والرئيس البشير. ومع ذلك، انتقد عدد من قادة المؤتمر الشعبي التعديلات الدستورية، بوصفها مخالفة لتوصيات الحوار، لكن دون التهديد مرة أخرى برفض المشاركة. وفي حال تأكدت مشاركة المؤتمر الشعبي في الحكومة، فإنه سيكون شريكا فيها لحزبين رئيسيين هما: المؤتمر الوطني (الحاكم)، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بزعامة محمد عثمان الميرغني. وحزب الميرغني، الذي حل ثانيا في آخر انتخابات مُتفق حولها، أجريت في 1986، مشارك في الحكومة منذ 2011، بعد معارضة شرسة استمرت أكثر من 20 عاما. ومنذ تعيينه في مارس الماضي رئيسا للحكومة، مع الاحتفاظ بمنصبه كنائب أول للرئيس، يجري بكري حسن صالح، مشاوارات مع القوى التي شاركت في الحوار، لتشكيل حكومته، وسط سياج من السرية. وتعيين بكري شكل أيضا واحدا من الخلافات بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، الذي طالب بإسناد المنصب لشخصية مستقلة، تحظى بإجماع كل الأطراف. ولم تعرف بعد نسب المحاصصة، ومن غير الراجح أن يتنازل الحزب الحاكم عن أغلبية مريحة في مجلس الوزراء، رغم إعلان إبراهيم محمود، نائب البشير في الحزب ومساعده في القصر، قبل أيام، أنه "سيتنازل عن جزء كبير من حصته" في الحكومة المشكلة من 31 وزارة. وبغض النظر عن نسب المحاصصة، والوزارات التي سيخليها الحزب الحاكم لحلفائه، وتحديدا للمؤتمر الشعبي، فإن تحدي الحكومة الرئيس هو قدرتها على تنفيذ برنامجها، الذي حددت ملامحه في توصيات الحوار. ومن أبرز هذه الملامح، حل قضيتين مرتبطتين عضويا، هما تحسين الوضع الاقتصادي المتردي، وتسوية الحرب التي تقودها 4 حركات مسلحة (حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان جناح مناوي، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال)، وذلك في ثلاث جبهات قتالية، (إقليم دارفور غربي البلاد، وولايتي جنوب كردوفان، والنيل الأزرق جنوبي البلاد). والجمعة الماضية، تعهد الرئيس السوداني، بأن تكرس الحكومة الجديدة جهودها لحل هاتين القضيتين، مجددا دعوته لمن وصفهم بـ"الممانعين والمترددين" لقبول توصيات الحوار، والمشاركة في تنفيذها. ومرارا ما أعلنت فصائل المعارضة رفضها لتوصيات الحوار، مطالبة بحوار "جاد"، يبدأ بتهيئة المناخ عبر عدة خطوات منها إقرار الحريات العامة وآلية مستقلة لإدارة الحوار. ولأكثر من عامين، لم تفلح جهود قادها الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق ثابو امبيكي، الذي يعمل وسيط بتفويض من الاتحاد الإفريقي، في إلحاق المعارضة بمبادرة البشير. وبالنسبة إلى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، حاج حمد، فإن الحكومة المرتقبة "ليس بوسعها" تجسيد وصفها "حكومة وفاق وطني"، طالما أن "أطراف المعارضة الرئيسة ليست جزءً منها". وأضاف حمد، في تعليقه للأناضول، أن"المؤتمر الشعبي، كان بإمكانه أن يمثل قوة ضغط لإحداث تغيير، ولو نسبي، لكن وفاة الترابي حالت دون ذلك". والحال كذلك، يرى الرجل أن "المعيار يكون بالممارسة وليس الاسم، فالحكومة السابقة كانت تسمى حكومة الوحدة الوطنية، دون أي وحدة، بل انقسامات وحروب".