قال الدكتور سعد الدين الهلالي؛ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن معاني الألفاظ متعددة في اللغة العربية، وهذا يدل على استحالة تفسير النص القرآني تفسيرًا أحاديًا لأنه متعدد الأوجه، مشيرًا أن أوصياء الدين يصرون على إخفاء ذلك. وأضاف خلال مناقشة كتابه "المواجهة الدينية لظاهرة الإرهاب" بالندوة التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة، أن كتابه جاء كمحاولة للتنوير، ومواجهة الأفكار المسمومة، لمن حكموا أنفسهم أوصياء للدين، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بواسطة الاقتراب من تلك الأفكار الأساسية المغلوطة.
وتساءل الهلالي، لمن جاء الدين؟ مؤكدًا على أن الأديان كلها بما فيها الدين الإسلامى، جاءت للإنسانية جمعاء، متفقة فى المقاصد التى لا تؤدى إلا للخير. وأشار الهلالي لأهمية التنافسية فى الخير بين بنى الإنسان على اختلاف دياناتهم، مستندًا للآية الكريمة التى يقول الله سبحانه وتعالى بها: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة الآية 48. وأكمل حديثه مشددًا على أن القرآن الكريم هو فى حقيقة الأمر كتاب هدى ونور، وليس كتاب قانون أو دستور، لأنه حَمَّال أوجه كما وردت الإشارة مسبقًا.
وأكد الدكتور الهلالي أنه يجب على كل مجتهد في شؤون الدين أن لا ينسب اجتهاده إلا لنفسه، فهو لا يحمل تفويضًا إلهيًا. واختلف المستشار خالد القاضي؛ رئيس محكمة الاستئناف، مع الدكتور الهلالى فى بعض المسائل، مؤكدًا أن الدين الإسلامي لا يقتصر على كونه هدى ونور، بل أيضًا هو بمثابة شريعة ومنهج ودستور، لقطعية الدلالات والثبوت بالقرآن الكريم. وأوضح الدكتور حاتم ربيع حسن، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، أن ظاهرة الإرهاب من الآفات التى أصابت المجتمعات، لا سيما المجتمع العربي، فالإرهاب لا دين له، لافتًا أن هذه الآفة البغيضة التي حاولت ولا تزال تحاول تشويه الأديان السمحة التى تدعو إلى السلام. ولفت أن مواجهة هذه الظاهرة لا يقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل يحتاج إلى تكاتف المجتمع بجميع طوائفه، وكذا تكاتف القائمين على المناحي الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية من أجل الوصول إلى رؤى مشتركة تصب في خطة محكمة لمواجهة هذا العمل الآثم. فيما أكد الدكتور عمرو شريف، أننا فى الواقع نفتقر للتطبيق لا للمادة العلمية، مشيرًا أن معضلتنا الأساسية فى هذا الشأن، يلخصها ما وصل إليه المفكر الأمريكي "توماس كون" في كتابه "بنية الثورات العلمية"، وهو تحديدًا أن الثورة العلمية لا تتأتى إلا إذا اقتنع الجيل السابق بالفكر الجديد، وهو ما يتداخل به عوامل عدة، تنقسم لعوامل نفسية، وتربوية، وقناعات ثابتة يصعب استبدالها بأي جديد.
كما أشار الدكتور عمرو شريف إلى أن ما قامت به الدولة من مراجعات مع الجماعات التكفيرية فى الماضى، لن يؤدى بدوره نفس الفعالية فى زمننا هذا؛ لأن الجماعات الحالية تختلف عن أسلافها بأنها تعمل من خلال نظرية المؤامرة، وهدفها الحقيقى هو تضليل المجتمع العالمي بأسره وتدميره، كما تنقسم بطبيعة الحال لشقين، أحدهما مدبر وهى القيادات، والآخر منفذ وأغلبهم من الضحايا المغرر بهم، وهى القضية التى يجب أن نتداركها لكى نقدر أن نواجهها.
وقال المهندس عمرو فاروق رئيس مجلس إدارة مؤسسة "وعي" الثقافية، إنه بالرغم من جودة هذا المنتج الثقافي؛ إلا إنه يبقى اجتهاد شخصى من الدكتور الهلالى، والإشكالية تظل فى كيفية مواجهة الإرهاب، أي التكتل ضد الإرهاب أو تجمع الكل فى مواجهته.
وأختتمت الندوة بكلمة الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومى للترجمة، الذي أوضح أن المواجهة لظاهرة الإرهاب، ينبغى لها أن تتم فى كافة المناحى، أما بالنسبة للمواجهة الدينية للإرهاب، فأوضح إلى أنه يعتقد أنها غير ممكنة بشكل كبير، ولكن الأهم هو تحرير الرؤية السياسية من الإطار الدينى، والوصول لعلمنة اللغة السياسية، مع فهم وتحليل دوافع الإرهاب الأخرى التى ليست دائما دينية فى حقيقة الأمر، بل كثيرًا ما تكون سياسية.