"المشجعون الحقيقيون يأتوا من الطبقة العاملة، ولكن الآن لا تستطيع هذه الطبقة أن تأتي إلى الملعب وتشاهد المباراة".. هكذا قال الفرنسي أريك كانتونا، لاعب مانشستر يونايتد السابق.
وتعرف كرة القدم باللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، فهي المتنفس الوحيد لمشجعيها ومحبيها حول العالم، فالطبقة العاملة "الكادحة" لا يجدوا أبوابًا كثيرًا للسعادة أو الترفيه، عكس الطبقة الأرستوقراطية، ولكنهم يجدوا في الساحرة المستديرة السعادة والشغف الذي تتنظره هذه الطبقة.
ويحتفل العالم بعيد العمال من كل عام في اليوم الأول من شهر مايو الجاري، في محاولة لإعطاء هذه الطبقة حقها المهدر، لهذا.. يرصد "ستاد مصر العربية" علاقة العمال بكرة القدم ونشأتها، وكيف تحول الحضور الجماهيري لمباريات كرة القدم للطبقة العليا فقط؟.
إنجلترا هي مهد كرة القدم، فهي التي استلهمت فكرة الكرة، وكان الهدف منها هي لم شمل الشعوب، كما أنها انطلقت من مجتمع الطبقة العاملة، إذ كان 12 فردًا هم الذي قرروا إنشاء دوري لكرة القدم في إنجلترا، ضمنهم 5 أفراد، من هذه الطبقة.
ويعد مؤسسو الأندية الكبيرة والعريقة في الوقت الحالي من هذه الطبقة؛ حيث نجد أن ليفربول، الذي يعتبر ميناء، يحوي الآلاف من العمال، ومانشستر يونايتد، وإيفرتون، وشيفلد يونايتد، وجلاسكو رينجرز، ونيوكاسل، وكانت هذه الأندية هي معقل لثقافة هذه الطبقة، والمكان الذي يجمعهم.
كان ملعب هامبدن بارك معقل فريق جلاسكو، يعج بـ180 ألف متفرج، أثناء مباريات الفريق، من الطبقة العاملة التي تستطيع أن تحضر المباراة، والاتسمتاع بها والتشجيع لها بقوة، إذ كان سعر تذكرة الدخول في المتناول، بل سعر رمزي لأنهم هم أصحاب هذه اللعبة وصانعيها.
ملعب هامبدن
كرة القدم الآن باتت تروق لطبقات أوسع من المجتمع ولا تقتصر على الطبقات العاملة فقط، وحتى رؤساء الوزراء وأفراد العائلة المالكة باتوا يذهبون للملاعب لمشاهدة المباريات، مع العلم بأن الأمير ويليام أحد مشجعي نادي آستون فيلا
الطبقة العاملة، هي الوقود الذي يثير شرارة الثورات، هم هؤلاء الناس الذي يعانون دائمًا في انتظار شيء مفرح، حتى إذا كان هدفًا، فتلاحظ إن كنت مشجعًا أهلاويًا أو زمالكويًا، فرحة هؤلاء العمال، بهدف لفريقهم، وإذا كانت بطولة، فسيسهر اليوم بأكمله، لأنه كان ينتظر هذه الفرحة.
إذا تجمع العمال، على قلب رجل واحد، فبستطاعتهم أن يبنوا شيئَا لم يكن موجودًا، أو يهدموا ظلمًا استشرى وخرّب البلاد، وهذا ماشهدناه من عمال المحلة عام 2008، فهم وقود ثورة يناير المجيدة، ليست مقارنة بكرة القدم ولكن مجرد تشبيه ليس أكثر، فالعمال إذا أرادوا شيئًا فعله ولكن "لقمة العيش تحكم".
تطور التكنولوجيا الرهيب، وبحث رؤوساء وأصحاب الأندية، الذي تحولوا من عمال لرجال أعمال الثراء سمتهم، كل مايبحثون عنه فقط هو المال، وليس المتعة، هو ما أفسد فرحة كرة القدم على طبقتنا.
«بصفتي عاشقا لكرة القدم، أرى أن السواد الأعظم من أموال الأندية تذهب للاعبين، وأتمنى أن تلعب القواعد الجديدة دورا في تخفيف العبء عن كاهل الجمهور، إنها لفكرة جيدة أن يتم منع الأندية من الإنفاق بسخاء والتأثير على علاقتها بالجمهور على المدى الطويل».. هكذا قال مات كوك، مؤسس موقع «فيرست ريت فوتبول».
تعاني جميع الجماهير على مستوى العالم، من ارتفاع أسعار تذاكر المباريات، بطريقة كبيرة، مما حعلهم ممتعضين من رؤوساء أنديتهم، الذين كل ما يسعوا خلفه هو كسب الأموال، فلا يغرنك الأموال الباهظة التي تدفع من أجل اللاعبين، فكل هذه الأموال تردها الأندية أضعاف مضاعفة، من الإعلانات وشركات الملابس وإلخ.
وفي لقطة رائعة، اعترض جماهير بايرن ميونخ، على أسعار تذاكر مباراة فريقهم أمام نظيرهم ارسنال، في بطولة دوري أبطال أوروبا.
ورفع جماهير البافاري رسالة تقول: "كرة القدم بدون جماهير لا تساوي قرشًا واحد"، في إشارة لاعتراضهم على المبالغة في أسعار تذاكر اللقاء.
وأصبحت كرة القدم من شيء مفرح للطبقة العاملة، لآخر مرعب تجاههم، كما شاهدنا في تقارير صحفية، إذ يستخدم المسؤولين على كرة القدم العاملين أسوأ استخدام.
وأظهر تحقيق مولته الهيئة المنظمة لبطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر أن المئات من العمال الآسيويين دفعوا رسوما للحصول على فرصة عمل في تشييد استادات رياضية وانتهى المطاف ببعضهم إلى العمل قرابة خمسة أشهر دون أن يحصلوا على يوم واحد من الراحة.
وشهدت أوضاع عمال من الهند ونيبال وبنجلادش، يعملون في مشروعات لتطوير البنية التحتية تتكلف نحو 200 مليار دولار في إطار استعدادات الدولة الخليجية لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 تدقيقا من جانب جماعات حقوقية تقول إن العمال المغتربين يعيشون في أوضاع سيئة ويعانون صعوبات في الحصول على المأوى والمياه.
وبالرجوع إلى وضعنا في مصر، فليس فقط العاملين، المحرومين من الحضور الجماهيري، ولكن لا يوجد جماهير من الأساس، بل تعاني هذه الفئة من صعوبة المشاهدة على المباريات، بسبب أزمة تسمى "بث المباريات".
العاملين، وجمهور كرة القدم، لايهتم بالأشياء الكبيرة، كما يأخذ فلان، أزمة البث، أزمة رؤوساء الأندية، ولكن كل مايشغله هو أن يستمتع بالمباراة، ويشاهد فريقه فائزًا لا أكثر، وفي كثير من الأحيان يلجأ إلى الكرة الأوروبية، ليروي شغفه بحبه الأول والأخير الساحرة المستديرة، ولكن أيضًا يواجه معاناة أكبر، وهو استغلال المحتكرين، الذي يضعون كل شيء في قبضتهم.
يجب أن تأخد طبقة العاملين حقها، فهم لا يحتاجون أكثر من حضور المباريات، أو المشاهدة، حتى لو بمبالغ في متناول أيديهم، فلا تحرموهم من متعتهم الوحيدة، من المتنفس الأول والأخير لهم في هذه الحياة.